خلتني..
باثنين ككل الخلق.
كنت دائما أستحضر صورة عملاق عوليس وحيد العين الذي كان يمزق الأجساد و يلتهم...Le cyclope
ذلك السؤال الذي حط علامة استفهامه تماما في الناصية:ماذا لو كنت بعين واحدة ؟هل كانت صورتي ستقترب من صورة وحش حتما ؟
اعترف أنني طالما كرهت الأرقام الوترية.. إلا الواحد.
و أحببت الأرقام الشفعية إلا الاثنين.
دائما كنت انشغل في تحديد ما احب وما أكره و تعليل ذلك.
حالات خاصة كما يقول أستاذ الرياضيات. يشدني فيها الخاص عن العام فأنساني وأغرق في دائرة لم تكن في الحقيقة إلا نقطة تفصل بين نقيضين
كحبي لليسار عن اليمين مثلا.
وللأبيض عن الأسود.
والليل عن النهار.
وللأبواب المغلقة عن المشرعة..
كذلك حالي مع الواحد ومع غول عوليس ومع الاثنين وقصص الخراب.
فأغطس في تحديد كل ما هو اثنين و أجتهد في تعليل كرهي لذلك
مثلا :
كنت أفكر في أبي وأمي. لماذا هما اثنان ؟ أما كان يكفيني شخص واحد ليتحكم في أشيائي. ويوجه حياتي المنحى الذي يناسبه ويضطرني إلى طاعته مدى الحياة.
فكرت في عيني أيضا. لماذا كان علي أن أتحمل العالم وأنا انظر إليه من كل الجهات عدا الخلف. لماذا كان علي أن أشمل بنظرة واحدة زوايا كثير ة.. تمنيتُ حقا تمنيتُ لو كانت لي عين في قفاي بدل اثنتين تمارسان الحماقة ذاتها. والعالم خلفي الى رحيل..
أحببت الواحد دائما كرقم يحمل لي دلالات حبيبة.
عندما وجدتني أحبه لم أفكر في كل تلك الدلالات. أن نحب أو نكره لا نحتاج إلى سبب ظاهر لكنني مع الوقت أصبحت أعلل ارتباطي بهذا الرقم في كل ما يمر علي من وحدات.
أحببت الواحد لأن لي قلبا واحدا وان تداخلت مساحاته دون جدران أو دهاليز أو أنفاق سرية..
قلب واحد ،حبيب واحد ، صديقة واحدة ،أم واحدة ، أب واحد.. وجه واحد.. و.. رب واحد.
ولأنه الرقم الوحيد المحايد في الضرب.
المتعافي مع ذاته ضربا و قسمة.
ولان كل شيء وحدة قائمة بذاتها لا يحل محلها شيء.
عكس الاثنين..
يااه.. كلما تقدم بي العمر كان يزداد اتضاحا سبب نفوري من هذا الرقم.
و أيقنت أيضا أننا لا نحب أو نكره اعتباطا..
هذه الأشياء ليست من صنع الصدفة.
كنت أفكر أنه رقم يسلب الأشياء تفردها.
ما لا اقو م به مثلا بيدي اليسرى يمكنني أن أقوم به بيدي اليمنى وما لا تقوم به أمي يفعله أبي وان المعلم كان يسأل صديقتي عني كلما غبت أو يسألني عنها كلما غابت..
بعد ذلك... ازداد يقيني انه رقم تافه.
عندما أحببت ذلك الواحد أيضا رحت أحط كل تفسيرات تعلقي بهذا الرقم.. أسكنته قلبي الواحد
وبحت بحبه لصديقتي الواحدة.
ومنحته روحي الواحدة.. كذلك كنت سأفعل بجسدي الواحد.
تنهدت و شكرت و شكوته أيضا للرب الواحد.
كنت أسعى أن نصنع منا واحد (نتوحد).. مع أننا كنا اثنين.
لكن هو لم تكن لديه مشكلة مع الأرقام أبدا وتعليل وجودها في حياته و علاقتها بالأشياء. كانت لديه انشغالات أخرى.. عمليات الطرح والإضافة..
فطرحني من حياته ليرسخ يقيني بان الاثنين رقم الخسارات أيضا.
كان علي أن أرتبط بشخص آخر ( هكذا اجتهدت في إقناعي دائما الحياة والناس )
كنت اذن مخلوقا ناقصا إذا لم يكملني واحد.. لنصنع اثنين..
ولنصنع معادلة حلها أيضا يغدو شبه مستحيل.. و تفكيك مجهولها الأول عن الثاني خطأ قدري يحيلها الى فشل.
ولتستوي الحياة في عرف العالم وحساباته كان لزاما علي أن افعل..
رضخت إلى أول تجزئة حقيقية في حياتي تصنعني مجموعة بعنصرين يسعى احدهما أبدا إلى إلغاء وحدانية الثاني بكل الطرق..
ازداد كرهي لذلك الرقم أكثر فأكثر
غصة ، غصتان. ثلاثة.. غصااات و غصات تتراكم
لم يعد مهما جدا العد.
انتفضت.. ثرت كثيرا أيضا..
عيناي و رئتاي و رجلاي و يداي و كل... ثنائياتي وآحادي ثارت أيضا..
لتضيف إلى يقيني شيئا جديدا. أن الاثنين رقم قهر كذلك.
لكن يومها لم أفكر في الواحد أو الاثنين كما كنت أفعل كل حياتي لأنني..
.. خلتني..
باثنين ككل الخلق.
عندما قمت من نوم طال في سرير لشخص واحد. في مكان لا يدخله مكاني أحد. وسط بياض مجرم يغتالني صمتا..
خلتني باثنين ككل الخلق.
عندما زحفت يدي اليمنى أو اليسرى. لم يعد يهم..
كل شيء في ارتجف.. لم يكن مهما أن يكون قلبي أو رئتاي.
خلتني باثنين...
عندما طرحت المرآة التي صارت ترعبني فقط لانها تعكس ما يساويني بالواحد ( القائم بذاته ) في عتمة موحشة لن يكملني أو يعوضني فيها الاي.
خلتني حقا باثنين.. عندما قابلتني صورة وحش عوليس ذي العين الوحيدة في المرآة و هو يمزق ويلتهم
لكنني..
لحظتها لم اعد أحب الواحد واكره الاثنين.
لانني ببساطة مميتة..
لحظتها لم أكن إلا امرأة بنهد واحد.. التهم السرطان ثاني اثنين وزحف على الواحد الباقي.
خلتني..
في أمس الحاجة إلى أن يكونا اثنين لأكون واحدة.
ولم أعد اكره أو أحب.. كنت أشعر بنقص فظيع ورعب.. وحسب.
التعليقات