الدراما الرمضانية ضد الزمن!

الدراما الرمضانية كوكب تليفزيونى مستقل لاينتمى إلى مجموعتنا الشمسية أو إلى مجرتنا الكونية، بل ينتمى إلى نظام فلكى خاص جداً وفريد جداً جداً، وهذا الكوكب التليفزيونى يتميز عن غيره من الكواكب بأن من يضع قوانينه ودساتيره ونظمه بل ويتحكم فى مصائر العباد والجماد فيه هو النجم أو النجمة!، فهو الآمر الناهى، وهى النجمة المركزية التى تدور حولها الأقمار التوابع، وهو الذى بإشارة من أصابعه يدير عجلة المسلسل، وهى التى بلمحة من طرف عينيها يوقف ويشرد طاقم عمل المسلسل، وبأمرها ودلعها يتحول مواطنو الدراما بدون سابق إنذار إلى لاجئين سياسيين وأعتقد أن هذا هو السر فى أن معظم نجوم الدراما سفراء للنوايا الحسنة!!، وكوكب الدراما التليفزيونية قدم هذا العام نجوماً سرمديين أقوى من الزمن بل خارج الزمن، فلأنهم أقوى من الزمن فإن عقارب ساعات عمرهم قد توقفت عن الدوران، ولأنهم يفهمون فى كل شئ فهم يخرجون ويكتبون ويصورون وآخر مايفعلونه هو التمثيل، وهذا مافعله بالضبط ثلاثة منالنجوم سنحكى عن تعاملهم مع الزمن وإختراعهم لأنماط درامية تجاوزها التاريخ، وهذا لايحتاج لمتابعة باقى حلقات المسلسل، لأن هذا السلوك الدرامى والتصرف التليفزيونى أعلن عن نفسه منذ البداية، وتسلل حتى من التيترات، فالجواب باين من عنوانه، والمسلسل باين من تيتراته!.

سميره احمد كومبارس ليلى مراد تتزوج من حفيدها عزت أبو عوف!
الشيخوخة من الممكن أن تخصم من رصيد أى مهنة، وتنقص من جودة أى عمل، تفعل ذلك مع أى شئ إلا الفن!، فالخبرة والتمكن والإحتراف كل هذا يزيد مع الزمن ويصبح كلوحات فان جوخ وبيكاسو تزيد قيمتها كلما مر الزمن، هذه بداية مهمة لإثبات أننى لاأهاجم كبار الفنانين كما سيفهم ويتصيد البعض، ولكننى أطالب بأن يتعامل الفنان الكبير مع العمل الفنى على أنه عمل جماعى لابد أن ينصهر فى بوتقته حتى لايفقد العمل مصداقيته، فلايطلب الفنان إبن التسعين أن يقوم بدور طالب جامعى، ولاتصر الفنانة بنت الثمانين على أداء دور زوجة تعانى من متاعب الحمل!، وخاصة أن هؤلاء النجوم نحن نتابعهم منذ أن ولدنا، وتاريخهم محفوظ لنا وأرشيفهم معروف عندنا، وسميرة أحمد من نوعية تلك الفنانات اللاتى برفضن الإنصهار والإمتزاج فى كتيبة العمل الفنى، ومسألة السن بالنسبة لها قدس الأقداس، لاترضى أن تعترف به ولاتوظفه فنياً كما وظفه مارلون براندو وأنتونى كوين وجين فوندا فى فيلمها الأخير وغيرهم من كبار النجوم الذين إعترفوا بعمرهم الحقيقى بدون عقد أو كلاكيع أو تعال أو إنكار او ضحك على ذقون جمهورهم، فدائماً اولاد سميرة أحمد فى مسلسلاتها فى العشرينات من العمر ولو صادف وكان لها أحفاد مطلوب منهم أن يكونوا فى اللفة أو كى جى ون على الأكثر!، وأنا لاأتجنى عليها وإلا فليقدم لى احدكم تفسيراً ومبرراً واحداً لإختيارها ولاأقول إختيار هيثم حقى المخرج للفنان عزت أبو عوف زوجاً لسميرة أحمد فى المسلسل، فنحن نعرف أن بداية ظهور سميرة أحمد فى السينما كانت فى نهاية الأربعينات وبالتحديد فى 1949 فى فيلم غزل البنات كواحدة من الكومبارس أو المجاميع الذين كانوا يغنون وراء ليلى مراد أغنية إتمخترى ياخيل وهم يمتطون ظهور الخيل العربى الأصيل، وكانت الفناة سميرة أحمد بشكلها الذى ظهر فى الأغنية حينذاك قد تعدت العشرين، على الأقل علشان تقدر تركب حصان حقيقى مش حصان خشب!، يعنى لو حسبناها بالميت سنجد عمر الفنانة القديرة قد تجاوز الثمانين، والدكتور عزت أبو عوف وقت تصوير أغنية إتمخترى ياخيل كان مجرد نطفة أو مضغة أو علقة، بل إننى متأكد أنه كان مجرد دعاء وأمنية فى ذهن الموسيقار شفيق أبو عوف وزوجته!، يعنى الفرق بينهم بالميت ثلاثون عاماً!، وتريد لنا سميرة أحمد أن نصدق هذه التخريفة الدرامية والتحشيشة الفنية، فكيف نصدق من كانت تحب فى الأفلام الأبيض وأسود شكرى سرحان الله يرحمه، وعماد حمدى الله يرحمه، وفريد الأطرش الله يرحمه، وللأسف عبد الحليم الله يرحمه رفض التمثيل معها لأنه كان من دور أولادها وقتذاك!، وبالطبع أولادها فى المسلسل مازالوا فى العشرينات بدون ذرية من الأحفاد فكما أن السماء بلاعمدان كذلك سميرة أحمد بلا أحفاد!، إنها رغبة النجم الطاغى الذى أمنياته أوامر وخاصة لوكان الزوج هو المنتج يعنى فى بيتها، فلو فكرت سميرة أحمد من أن يكون زوجها فى المسلسل هو أحمد عز ستنفتح حنفية المبررات الدرامية، ولو تمنت أن يكون والدها أحمد السقا فعلينا أن نخرس ونبلعها ونعديها، فالنجم من المؤكد أنه يفهم أحسن منا ويعرف مصلحته أفضل من اللى خلفونا، فسميرة أحمد مازالت هى السيدة التى لو عصرناها ستشر مبادئ وقيم، وهى التى لاتقهر، وهى التى تترك المنصورة لبوابة المتولى كما تركت من قبل أميرة الزمالك إلى عابدين، وهى مازالت الزوجة التى يريد زوجها أو طليقها الشرير أن يخطف العيال من حضنها الدافئ بنفس تيمة مسلسلاتها السابقة ونفس إسطوانتها المشروخة، بإختصار هى سيدة مافيهاش غلطة، ولولا الملامة كان ركبها المخرج خيل وجعلها تغنى إتمخترى ياخيل ولكنه لايريد أن يذكرنا بالذى مضى، لأن نجماتنا لاماضى لهن، فهن ضد الزمن.

يحيى الفخرانى مازال يعيش عصر باباى والقرصان الأعور!
أكبر قاتل للفن هو النمطية فى التناول أوالتنميط فى الشخصيات، فمايطلق عليه "الستيريوتيب " هو رصاصة الرحمة التى تطلق على العمل الفنى فتقتله مع سبق الإصرار والترصد، فمشكلة الدراما فى مصر وأفة التمثيل فى المحروسة هى هذه الأنماط المحفوظة المعلبة سابقة التجهيز، فالشرير المصرى هو الحاجب المرفوع والجبين المقطب، وكفار التمثيليات الدينية دائماً يعانون من الصلع المبكر والحواجب الغليظة والشعر الأكرت والصوت الآتى من البالوعة، وهم يجلسون مع الراقصات ويضحكون بدون مناسبة ودايماً متجوزين ستات حلوين!، وقس على ذلك البواب المصرى والموظف المصرى ورجل الأعمال المصرى...الخ، كلهم فى الدراما نمطيون تحس إنك مش مصدقهم وماشفتهمش وماتعرفهمش، لكن الإستسهال يجعل صناع العمل الفنى يستدعون النماذج المخزونة فى ذاكراتهم الدرامية وماعليهم إلا أن يستخرجوها، وكانت آخر تلك النماذج نموذج البحار المصرى عربى كريم أو يحيى الفخرانى فى مسلسل رد قلبى أقصد المرسى والبحار، فكما عاشت سميرة أحمد خارج الزمن مازال الفخرانى يعانى من نفس المأساة ويتخيل أن البحار لكى يكون بحاراً بجد لابد أن يرتدى فانلة مخططة بالعرض مثل البحار باباى أو عصابة القناع الأسود بتوع مجلة ميكى!، ولاينقصه لكى يصبح مثل باباى إلا أن يشرب بايب ويأكل سبانخ!، أما الطامة الكبرى فهى تقليده للقرصان الأعور الذى يحتل ذاكرة كل من قرأ قصص العصور الوسطى التى كانت تتحدث عن القراصنة، فلماذا الأعور؟، وماهو المبرر الدرامى لسرقة حكاية عسران فدائى بور سعيد وتلبيسها على يحيى الفخرانى أو عربى كريم إبن الأسكندرية؟، فعسران حالة منفردة وحيدة لم تتكرر فالإنجليز خلعوا عينيه لعقابه على فدائيته فى 1956 فى بور سعيد، أما الأستاذ عربى كريم فماذا فعل فى الإسكندرية لكى يخلعوا عينه؟، وإلا هى سرقة وخلاص لكى يصعب علينا الفخرانى؟!، إن البناء الدرامى لايمكن أن يكون رقعة من هنا ورقعة من هناك، ولكن لابد أن تكون هناك وجهة نظر شاملة وواحدة تحكم هيكل العمل كله، ومن المعروف أن طلبات الفخرانى المؤلف قبل الممثل هى أوامر إلهية لاترد، وكانت الكارثة الماضية المسماة عباس الأبيض نتاج وضحية مزاج الفخرانى، فهو يريد أن يكون البطل المغوار والضحية المظلومة، خفيف الدم والكئيب، مدرس التاريخ بتاع المواعظ والجان الحبيب بتاع علب الليل....الخ، لايمكن أن تكون دراما الفخرانى الأخيرة هى حصيلة اللى يطق فى دماغه يعمله وإحنا نستحمل، إنه يستدعى مفردات الشخصية بدون الرجوع للمخرج، لأن المخرج فى النهاية سكرتير أو مخرج بدرجة لبيس للنجم يحيى الفخرانى!.

محمد صبحى حد يصدق إنه لسه مدرس تاريخ ده على الأقل ناظر على المعاش!
بعد كارثة فارس بلاجواد لم يتعلم محمد صبحى أن الوعظ فى الفن مالوش رجلين، فقرر أن يسرق شخصية مدرس التاريخ من عباس الأبيض ويهرينا مواعظ، ولكن المدهش والغريب أن محمد صبحى الذى تعدى الستين مازال يمثل دور مدرس عازب، ويصر على إضحاكنا بنفس طريقته المملة المكررة!!، من الممكن أن نقبل من صبحى أن يكون ناظراً بالرغم من أن النظارالآن فى الأربعينات، من الممكن أن يكون موجه تاريخ على المعاش، لكن أن يكون مدرساً فى سن داليا مصطفى التى فى سن بناته فهذا لايقبله عقل، وكما إقتبس صبحى مدرس التاريخ من الفخرانى إقتبس غريب فى بيتى فى حلقاته الأولى من نور الشريف، وذلك لأنه المؤلف والتأليف صار مهنة من لامهنة له، إنها كما قلنا سطوة النجم الذى يفعل كل شئ، وكله مقبول ومبرر، وأعتقد أنه فى العام القادم سيمثل صبحى دور طالب فى الإعدادية.


[email protected]