الأحداث التي شهدها قطاع غزة في الشهور القليلة الماضية، خاصة حالة الفلتان الأمني التي توجت بكارثة حركة حماس في عرضها العسكري في قرية جباليا والإشتباكات شبه اليومية بين مسلحي حماس ورجال الأمن الفلسطيني والظهور المسلح الذي يرعب المواطنين بشكل كارثي، أمر لا يليق بنضال الشعب الفلسطيني ومعاناته، فما إن تخلص ولو جزئيا من الإحتلال ومتاعبه عبر الإنسحاب الإسرائيلي من القطاع حتى إستفحلت حالة الفلتان الأمني، مع أن العكس هو ما كان يجب أن يحدث، أي الهدوء الكامل، وسيطرة قوات الأمن الفلسطيني لفرض الأمن والقانون، كي يقول الشعب الفلسطيني للعالم أجمع أنه شعب متحضر وقادر على حكم نفسه بنفسه عبر القانون والحوار الديمقراطي بعكس ما تقوله بعض الأوساط الإسرائيلية. وقد صدرت الأيام القليلة الماضية إدانتان واضحتان لسلوك وتصرفات حركة حماس في الشارع الغزاوي، الأولى من النائب العام الفلسطيني الذي أعلن في مؤتمر صحفي أن التحقيق الميداني والتحاليل المرافقة، أثبتت مسؤولية الحركة عن إنفجار جباليا في عرضها العسكري، وأن الإنفجار نتج عن إنفجار صاروخ من صنع محلي في سيارة من سيارات العرض، كانت محملة بالأسلحة والمتفجرات، وأثبت ذلك أيضا الشظايا التي تم إستخراجها من جثث القتلى الذين قاربوا العشرين والجرحى الذين قاربوا المائة، وذلك بعكس إدعاءات حماس أن هناك قصفا إسرائيليا أدى للإنفجار، وقد غطت على هذه الأكذوبة بقصف مستوطنات إسرائيلية وهي تعرف أن إسرائيل سترد على القصف بقصف أكبر بكثير وهذا من شأنه أن ينسي الجمهور الفلسطيني جريمتهم في جباليا.. والكل يعرف كيف تطورت الأمور بعد ذلك في القطاع من سيء إلى أسوأ، خاصة الإشتباكات المتعددة بين حماس والأمن الفلسطيني التي قتل وجرح فيها ضباط وعناصر من الأمن الفلسطيني، وهذا هو موضوع الإدانة الثانية لحماس التي صدرت قبل أيام قليلة، في بيان للجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في القطاع، عقب إجتماع لهذه القوى قاطعته حماس، ولو كانت حماس بريئة من مسؤولية هذه الإشتباكات لحضرت الإجتماع وقدمت وجهة نظرها، وهذا الغياب والمقاطعة تتكرر من حماس كلما كان الإجتماع يتعلق بتجاوزاتها وأخطائها، وقد أعلن إبراهيم أبو النجا بيانا بإسم اللجنة حمّل حماس مسؤولية هذه الإشتباكات خاصة في مخيمي الشاطىء والشيخ رضوان التي نتج عنها مقتل وجرح ضباط وعناصر من الشرطة الفلسطينية، وكذلك قصف عناصر من حماس لمرافق عامة والإعتداء على منازل المواطنين بالسلاح، وتطورت الأمور من سيء إلى أسوأ حيث جرت عمليات إعتقال وخطف لعناصر من حماس، وخطف ضباط شرطة وأمن، فإذا القطاع والضفة فعلا أقرب إلى منطق الغابة منه إلى منطق شعب يستحق أن ينعم بقليل من الراحة بعد كل معاناة الإحتلال... والسؤال المطروح في الشارع الغزاوي وفي وسائل إعلامه، هو لماذا كل هذا الفلتان الأمني وهذه الفوضى القاتلة؟؟؟.
أصبح واضحا عبر القراءة السياسية والميدانية لمواقف طرفي الصراع، حركة حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية، أن الصراع لا يدور حول الموقف من الإحتلال الإسرائيلي بدليل أن حركة حماس عرضت أكثر من مرة ما يسمى (الهدنة) مع إسرائيل، ووافقت أكثر من مرة على ما يسمى (التهدئة)، والتزمت بها عدة مرات ولعدة شهور، وهذا ينفي وجود إستراتيجية لحماس بخصوص صراع لا نهائي مع إسرائيل، فمن لديه هذه الإستراتيجية لا يهادن مرة ويهدىء مرة، ويخوض إنتخابات بلدية ويستعد لإنتخابات تشريعية تحت سقف السلطة الفلسطينية التي جاءت عبر إتفاقية أوسلو التي تدّعي الحركة أنها ترفضها، فمن يرفض شيئا لا يتعامل مع أو من خلال نتائجه، والدليل على ذلك أيضا هو : لماذا هذه التجاوزات والصدام مع السلطة الفلسطينية من قبل حركة حماس فقط؟. لماذا لا يشهد القطاع والضفة هذا الصدام مع السلطة من طرف الجبهة الشعبية أو الجبهة الديمقراطية أو حركة الجهاد الإسلامي مثلا؟. لماذا كل هذه التنظيمات ولها شعبيتها وجماهيريتها في الشارع الفلسطيني تتفق وتختلف مع السلطة الفلسطينية عبر الحوار والنقاش والبيانات والمؤتمرات، في حين أن حماس فقط حوارها يكون في الغالب بالرصاص وراجمات الصواريخ والقتل والخطف العلني للمواطنين ورجال وضباط الشرطة؟؟. أعتقد أن السبب هو الصراع على السلطة، أي الصراع على من سيحكم القطاع والضفة خاصة بعد فوز حماس في الشهور الأخيرة ببعض البلديات في الإنتخابات البلدية الأخيرة، وإعلانها المفاجىء عن أنها ستشارك في الإنتخابات التشريعية القادمة، بعد أن كانت قد قاطعت الإنتخابات التشريعية والرئاسية الماضية، فلماذا ماكان حراما وممنوعا قبل شهور، أصبح حلالا ومباحا الآن؟. وهل تعترف حماس بالسلطة الفلسطينية على أنها السلطة الوحيدة الممثلة رسميا داخليا وخارجيا للشعب الفلسطيني؟. هذا هو السؤال المركزي والإجابة عليه من حركة حماس تفك ألغاز الإجابة على بقية الأسئلة، لأن من يعترف بوحدانية السلطة الفلسطينية في تمثيلها للشعب الفلسطيني وسعيه لإقامة دولته المستقلة، لا يلجأ للسلاح في تعامله ولكن للحوار كبقية التنظيمات الفلسطينية.
إن كافة تصرفات حماس وتجاوزاتها ضد السلطة وضد الشارع الفلسطيني، نتيجة عدم إعترافها بوحدانية السلطة، لذلك تفرض نفسها عنوة سلطة بديلة، بدليل أنها تمارس إرهابا في الشارع الفلسطيني لا يذكر إلا بإرهاب طالبان عندما تسلمت السلطة في أفغانستان، فحماس تقتل مواطنة على شاطىء غزة علنا وهي في سيارة خطيبها، وحماس تهاجم وتمنع مهرجانات فنية في مدن وجامعات فلسطينية، وحماس تخطف وتقتل علنا مواطنين ورجال وضباط سلطة، وهي تمارس سلوكا متعاليا على السلطة والمنظمات الفلسطينية الأخرى، بدليل مقاطعتها للإجتماع الأخير للجنة التنسيق والمتابعة للقوى الوطنية والإسلامية لأنها كانت تعرف أن نتائج التحقيق في مجزرة جباليا والتجاوزات الأخيرة سوف تدينها، وهذا ما أعلنته اللجنة كما ذكرت سابقا، وبعد صدور الإدانة هددت حماس بالإنسحاب من اللجنة. ويؤيد وجهة نظري هذه عدم وجود برنامج سياسي واضح لحركة حماس،و يمكن التدليل على قولي هذا عندما نتذكر أن الشيخ أحمد ياسين قبل إستشهاده، طرح أكثر من مرة الهدنة على دولة إسرائيل، دون الدخول في تفاصيل تلك الهدنة، رغم أن الواقع السياسي يفترض أن الطرف الذي يطرح الهدنة على طرف آخر، فهذا يعني إعترافه بذلك الطرف، بدليل أن دولة إسرائيل ظلت لسنوات عديدة ترفض الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وتجرٌم من يتصل بها من مواطنيها، وعندما قررت الإعتراف بها تبادل الطرفان الفلسطيني و الإسرائيلي قبل توقيع إتفاقية أوسلو ما عرف برسائل الإعتراف المتبادل. ومن أيام قليلة ثار الخلاف حول برنامج حماس السياسي بين قيادات حماس ذاتها، وهذا يعني أن القيادة نفسها ليست متفقة بوضوح على برنامج سياسي تناضل من أجل تحقيقه، وهذا الخلاف بين قيادة حماس يجعل تساؤلاتي حول غموض برنامجها مشروعا والمقصود منه هو المعرفة وليس التشكيك كما يمكن أن يفهم البعض. وكي يكون كلامي موثقا، فأنا أنقل حرفيا عن عدد جريدة الصباح الفلسطينية ليوم الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي، حيث قال محمد غزال (أحد قادة حركة حماس السياسيين في الضفة الغربية) كما قدمته الجريدة : (إن الحركة قد تعدل يوما ما ميثاقا تدعو فيه إلى تدمير إسرائيل وتجري مفاوضات مع الدولة اليهودية)، وقال غزال خلال مقابلة لرويترز في نابلس (هذا الميثاق ليس قرآنا) وأضاف (على الصعيد التاريخي نحن نعتبر كل أراضي فلسطين ملكا للفلسطينيين، ولكننا الآن نتحدث عن الواقع... عن الحلول السياسية... الواقع أمر مختلف). لكنٌ محمود الزهار أحد قياديي حماس في قطاع غزة، ردٌ على ذلك قائلا : (إن هذا الجدل النظري لا يخدم أحدا ولا يمكن الإعتراف بإسرائيل) في حين أن غزال قال :(إنه من السابق لأوانه الحديث عن الإعتراف بإسرائيل طالما أن إسرائيل لا تعترف أنني الضحية. ثم أضاف (إن أية محادثات بين حماس وإسرائيل لا تزال تعتمد على إنسحابها من الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية للسماح بإقامة دولة فلسطينية، وتعتمد أيضا على حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين فروا عام 1948 وأحفادهم)، دون أن يوضح هل يقصد حق العودة للدولة الفلسطينية المنتظرة أم إلى قراهم ومدنهم داخل إسرائيل أيضا!!.
وفي مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط اللندنية حول تصريحاته السابقة لرويترز، عاد محمد غزال ليتنصل من هذه التصريحات ولكن بطريقة ضبابية من الممكن أن يفهمها كل شخص بطريقة مختلفة عن الشخص الآخر، فحول الإعتراف بإسرائيل قال : (إن إسرائيل دولة محتلة وعندما تنهي إحتلالها للأراضي الفلسطينية وتعيد كامل الحقوق الفلسطينية لأصحابها يصبح لكل حادث حديث)، وأيضا دون توضيح حدود الأراضي المحتلة التي يطلب إنسحاب إسرائيل منها، ولا طبيعة الحقوق التي يطالب إسرائيل بإعادتها لأصحابها. ومن ضمن تصريحاته الضبابية للشرق الأوسط التي يمكن أن يفهم منها أنها نقض لتصريحاته لرويترز أو أنها تعديل لها، قال: (صحيح أنا قلت إن الميثاق ليس قرآنا، ولكن ليس بالسياق الذي وضعت فيه... أنا قلت أن الميثاق وضع عام 1988 وبالتالي إذا قررت حماس تغيير بعض الأشياء فيه وهنا لا أتحدث عن الأسس الرئيسية وإنما عن قضايا بسيطة ليست ذات أهمية)، رغم أنه لم يقل ذلك لرويترز، وجاء توضيحه للشرق الأوسط أكثر غموضا، وربما إستهزاءا بعقول الفلسطينيين أصحاب القضية، فللمرة الأولى أسمع أنه في القضايا الوطنية هناك أسس رئيسية وقضايا بسيطة، وبالتالي من له الحق تحديد الأسس الرئيسية ووضع قائمة بالقضايا البسيطة، فمثلا حق العودة أو القدس هل هما من الأسس الرئيسية أم من القضايا البسيطة؟؟. وإذا أصرت إسرائيل على الإحتفاظ ببعض المستوطنات في الضفة الغربية مثلا، كيف نحل الخلاف الفلسطيني حولها إذا إعتبرتها بعض القوى من الأسس الرئيسية التي لا يجوز التنازل عنها، في حين إعتبرتها قوى أخرى أنها من القضايا البسيطة التي لا تستحق تعطيل حركة السلام من أجلها؟؟.
أستطيع القول إستنادا للعرض السابق، إن البرنامج السياسي لحركة حماس غير واضح ولا محدد لنا كمراقبين للحراك السياسي الفلسطيني، ويبدو أن هناك عدم توافق على هذا البرنامج بين قيادات حركة حماس ذاتها،لذلك ليت الحركة تعلن للشعب الفلسطيني أولا ما هو برنامجها السياسي؟ هل هي مع إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 مما يعني الإعتراف بدولة إسرائيل أم هي مع ما يقوله بعض قياداتها ضمنا وهو تحرير كامل فلسطين ولو على مراحل مما يعني إزالة دولة إسرائيل، وهل القيادات الإسرائيلية غبية إلى هذا الحد كي تعطي حماس أو غيرها كامل الأرض الفلسطينية على مراحل، لتكون هي من تدمر دولة إسرائيل وتزيلها خطوة خطوة.... وماذا عن حق العودة، هل تفهمه على أنه عودة كل لاجىء فلسطيني إلى قريته ومدينته حتى الواقعة داخل دولة إسرائيل أم العودة لمناطق الدولة الفلسطينية... ومن حق حماس وغيرها، الإعلان عما يريدون من برامج سياسية، ولكن ماذا عن البرنامج السياسي المعلن للسلطة الفلسطينية المعترف علنا بدولة إسرائيل والذي يطمح لقيام دولة فلسطينية في حدود عام 1967 مع الإستعداد للتفاوض على قضايا الحل النهائي ومنها القدس وحق العودة، وماذا سيحدث عند تصادم هذه البرامج مع برنامج السلطة، وأعتقد أن الفوضى الأمنية الخطيرة التي يشهدها قطاع غزة، تعود في الأساس إلى تصادم الرؤى والأجندات السياسية، و إلا ما معنى الوساطة المصرية المستمرة منذ سنوات بين السلطة وحماس تحديدا، ألا يجعل ذلك المشهد السياسي الفلسطيني وكأنه في الواقع توجد سلطتان : سلطة حماس والسلطة الفلسطينية، مما يستدعي وساطة خارجية بينهما، ولو كان هناك إجماع فلسطيني على السلطة الفلسطينية كقيادة للشعب الفلسطيني، لما شهدنا فوضى السلاح والإستعراضات العسكرية هذه، وكأن كل فصيل دولة مستقلة لا علاقة له بدولة الفصيل الآخر... إن هذا العرض للواقع الفلسطيني في القطاع لا يعني التشكيك في أحد من هذه الفصائل بقدر ما يرمي إلا بيان حجم الهول الذي يعيشه الشعب الفلسطيني على يد ومن جراء سياسات وأفعال قواه السياسية، التي هي أحيانا لا تقل عن عذابات الإحتلال... وأعتقد أنه من مصلحة حماس ومستقبل وجودها في الحياة السياسية الفلسطينية، أن توضح برنامجها السياسي بشكل محدد، فهي بذلك تعرف أية جماهير ستكسب بجانبها، والجماهير ذاتها تعرف حول أي برنامج تصطف وتجتمع، ومطلوب منها الإعلان الواضح هل تعترف بالسلطة الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني أم لا؟. لأن من يعترف بالسلطة لا يتحاور معها بالكلاشينكوف وراجمات الصواريخ، ولكن بالحوار والنقاش وصندوق الإنتخابات... وهي أسئلة من مصلحة حماس ومستقبلها الإجابة عليها بوضوح!.
وأهمية هذا الحسم نابعة من التدهور الأمني والسياسي المستمروفي صعود كارثي، ويمكن التدليل عليه ببعض المواقف التي يعيشها المواطن الفلسطيني في القطاع تحديدا :

* ثمانية أجنحة عسكرية فلسطينية إعتبرت في مؤتمر صحفي عقدته في غزة يوم السبت الثامن من أكتوبر الحالي، (أن المساس بسلاح المقاومة خدمة مجانية للعدو وبلا مقابل.... وأنها ستقاوم كل من يحاول تقديمها بكافة الأشكال والوسائل). إن هذا الإعلان يعني الصدام الصريح مع برنامج السلطة الفلسطينية، لأنها هي المسؤولة عن قيادة الشعب الفلسطيني وتحقيق الأمن له، وفي ظل سلطة رسمية هي مشروع الدولة الفلسطينية القادمة، لا يسمح لا الصديق ولا العدو ببقاء السلاح في يد كل من يريد ليصبح الشعب الفلسطيني أمام عدة سلطات تتصارع كما قالت الفصائل في بيانها بكافة الأشكال والوسائل، وهذا يعني بما فيها الكلاشينكوف وراجمات الصواريخ.

* إعلان من أطلقوا على أنفسهم إسم (كتائب الفاروق عمر بن الخطاب) أنهم شكلوا مجموعاتهم الضاربة للردعلى أي إعتداء تنفذه حركة حماس، لأن العدل يقتضي أن تعامل هولاء بالطريقة التي التي تناسب أعمالهم على حد وصف بيان الكتائب، وأوضح البيان أن الكتائب (ستردع الخوارج وزعماء الردة) معترفة أنها قاما بخطف بعض عناصر حماس كرسالة لحماس بأن أعمال الخطف والقتل وإطلاق الصواريخ على مقرات السلطة لن تمر دون حساب) وأكدّ البيان (أن كتائب الفاروق لن تسمح لأحد أن يحرم ويحلل كما يشاء ويشعل الفتنة التي هي أشد من القتل). والسؤال هو كيف سيصبح حال الشعب الفلسطيني،إذا نفذت كتائب الفاروق بيانها وردت على أعمال وتجاوزات حماس بنفس إسلوب الكلاشينكوف و راجمات الصواريخ، وسيكون معهم الحق كل الحق، ففعلا لماذا حماس فقط لها الحق أن تحلل و تحرم وتمارس ما تريد دون غيرها، وكأنها سلطة الله في الأرض، فعندئذ يصبح من حق أي تنظيم أن يمارس نفس الدور ونفس الإسلوب... وهذا الوضع يدلل على أنه لابد من الإمتثال لسلطة واحدة وهي السلطة الوطنية الفلسطينية، وإعتماد الحوار وصندوق الإنتخابات الإسلوب الوحيد فقط في الحياة السياسية والإجتماعية الفلسطينية.

* المثال الثالث يعبر عن لوعة الشعب الفلسطيني وعذاباته من هذا الفلتان الأمني وما يصاحبه من أكاذيب تصدر عن حركة حماس تحديدا، و يبدو هذا من البيان الذي صدر عن عائلة (آل عجور) في غزة، بعد خطف إبنهم الضابط (سامي وجيه عجور) وهو أحد كوادر حركة فتح، وهو من المناضلين المعروفين الذي تعرفه زنازين السرايا وأنصار 2 وسجن المجدل وسجن نفحة الصحراوي، كما قال بيان العائلة، الذي أوضح ألم العائلة لخطف إبنهم وتعذيبه (على يد هذه الفئة المارقة التي لم يردعها آذان صلاة العشاء واتي لم يردعها شهر رمضان الكريم، ولم تردعها الشريعة الإسلامية وحتى أنها فقدت إنسانيتها سواء من ممارسة ألوان التعذيب النازي له وإطلاق النارعليه قبل وبعد إختطافه وإذاقته أبشع أنواع وأساليب التعذيب التي يندى لها جبين المؤمن المسلم، وكذلك تجريده من ملابسه وسلاحه وأوراقه الشخصية ونقوده كذلك)، ويستمر بيان (عائلة آل عجور) في الرد على الناطق بإسم حماس سامي أبو زهري الذي إعتبر عملية الخطف مسألة عائلية، فنفت العائلة ذلك وهي محقة فلا يمكن أن يتطور خلاف عائلي مع هذا المناضل إلى هذا الشكل من التعذيب، وكذب حماس واضح للعيان، فكيف عرفتم أنه خلاف عائلي، وإن كان كذلك فما دخلكم به، لماذا لم يصدر هذا التوضيح عن فصيل آخر؟؟. لا.. لا.. فقط السبب في أن حماس هي التي مارست عملية الخطف والتعذيب الإجرامية، فأصدرت هكذا بيان للتضليل فقط، وهي عادة حماسية بإمتياز، تماما كبيانها بعد مجزرة جباليا في عرضها العسكري حول أن صاروخا إسرائيليا أدى للإنفجار، فردت بقصف ديكوري للتضليل، فردت إسرائيل بقصف أكثر وحشية... والكل يعرف تداعيات ذلك..

هذه الأمثلة تضع حماس فعلا في خط المواجهة الفعلية مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع غالبية الشعب الفلسطيني التي ترفض تجاوزاتها ومحاولاتها فرض نفسها سلطة بديلة، والخطير في الأمر أنها لا تقدم نفسها كسلطة مدنية، وإنما كسلطة إلهية تحكم بإسم الله والإسلام وبالتالي فهي فعلا مشروع طالباني فلسطيني كما ظهر في العديد من الممارسات التي أدانها الشعب الفلسطيني، وبالتالي لا نتجنى عند القول أن الكرة في ملعب حماس، فعليها أن تعلن بوضوح ماهو برنامجها السياسي، وهل تعترف بالسلطة الوطنية الفلسطينية سلطة وحيدة في المناطق الفلسطينية أم لا، وكل جواب له إلتزاماته.. فهل تجرؤ قيادة حماس على الجواب الواضح الصريح بدون لف ودوران كما عرضنا في بداية المقالة لمواقف بعض قباداتها؟

ahmad64@hotmail.com