وتلك ميزة أخرى نختلف بها عن العالم في تجسيد اختلافاتنا، وتلك وسيلة بدائية نتفاخر بها ونتباهى بها بين الأمم في أسكات الصوت الاخر.
وتلك وسيلة من وسائلنا العربية التي أشتهرت بها أمتنا الرابضة على حدود التاريخ القديم لم تعرف أن الأمم تخطتها ولم يعد من يقف خلفنا.
وتلك وسيلة تم تطويرها في تفجير السيارات والأغتيال السياسي والأنتحار بقصد قتل الاخرين ولله في خلقه شؤون.
كما تميزت أمتنا العربية بالشجاعة والمروءة حين يصير القاتل ملثماً وتتصدر الصحف بيانات لتنظيمات تتفاخر بجرائم القتل، وتتوعد الاخرين بالذبح عند الأختلاف.
خلسة وفي لحظات الظلام تتحرك الأيادي المرتجفة والوجوه المشوهة المتبرقعة باللثام والأسماء التي ماعادت تعرف غير لون الدماء ورائحة الشواء البشرية وقطع اللحم المتناثر على الحيطان وبقايا أحتراق الهياكل والأجساد، وخبراً نقرأه في أول الصباح يحرق قلوبنا ويدمع أعيننا، ويتشفى الملثم بحرقة أرواحنا.
لغة صارت عرفاً نتعاطاها في العمل السياسي والأجتماعي ، وأسماء نتوعدها وأخرى نتحداها، ومن ثم أخرى نقرأ لها الفاتحة قبل أن تموت وقبل أن تحل ساعتها.
ولغة صارت حروفاً نعرفها ونقرأها ونكتب بها، وتنشرها أحزاباً وجمعيات ومنظمات، وحتى سلطات، أغتيالات بكواتم الصوت، وأنفجارات بعبوات ناسفة، وتفخيخات في لحظة غادرة وجبانة وملثمة.
انهم يملأون الاجواء بالبارود ويقتلون العصافير، وانهم يبدلون سعفات النخلة وشجرة الأرز بالقنابل اليدوية، انهم يغتالون شمسنا في وضح النهار ويحولون نهاراتنا الى زنازين، وينتقون من بيننا الرجال التي حملت أزاهيرها في كف وأقرمها في كفوفها الأخرى.
أغتيالات في ظلام المدن العربية، وتحريض وهمس وتخطيط في زوايا موبوءة وتعج بحفيف الأفاعي وسموم العقارب، ملثمين يعيشون بيننا ويتحدثون بلغتنا وربما يسيرون مع جنازات أحبتنا ويذرفون دموعاً لأزالة الشبهة والتهمة ثم يعودون يتلثمون ويشمرون للنيل من أسم آخر وأن يتم أغتيال عصفور آخر، فقد صارت بلادنا شرقاً أو غرباً شمالاً أو جنوبا تتحدث بلغة الموت والأغتيال والغدر والطعن من الخلف وأن نؤجر القتلة وتخطط أحزابنا وسلطاتنا لقتل المعارضين أو المختلفين، وظلمة نحو ظلمة أخرى ولاأمل لشموع في طريق وعر وطويل نحو الحرية.
خناجر لذبح الرقاب البشرية، ورؤوس مقطوعة بسكاكين حادة محغوظة في ثلاجات البيوت، وأحزمة ناسفة تلف الخصر، وطريق اسود ملطخ بدماء الأبرياء يبرقعونه بألوان الجنة، وليل داج وأمة لاترى غير منظر الموت والجثث المتناثرة أسلوباً ينم عن تخلفها وترديها بين الأمم.
سيوفاً جعلتها الأمم تحفاً وتذكارات لم نزل نستعملها ليس في دكاكين القصابين، وأنما في أروقة العمل السياسي، وهي لغة لم نزل نتحدث بها عبر جثث المذبوحين او المحترقين، غير اننا نتميز بها عن غيرنا من أننا نعرفها مع فنجان قهوة الصباح، ونقرأها مع نشرتنا الأخبارية، ونتلمسها في السلطة أو بين المتنافسين في الأنتخابات، او في فلسفة الرد العربي المتجسد في قائمة من القتلى بدأت في زمن الخلافة الراشدية ولم تتوقف عند جثث كل المذبوحين بالقرارات العربية.
لانعتقد ان جبران ثويني سيكون أخر المذبوحين فالقائمة لم تزل مستمرة، وسيبقى الملثم بيننا يكتب تحت مقالاتنا، ويشتمنا، ويهددنا، ويبكي علينا، ويكتب مراثينا، غير انه دون أسم ودون أن يكشف النقاب عن وجهه، وهو في داخل روحه يتمتع بسعادة كبيرة حين يرى الدموع والحسرات والالم يعتصر قلوبنا، ويضحك في سره حين يكون وحيداً على خيبتنا وكيف انه باق في مجتمعنا ملثما متبرقعاً يجسد القيم العربية الجديدة التي يدعون لها تارة بأسم الدين، وتارة بأسم القومية، وتارة بأسم التنافس السياسي، وتارة بأسم محاربة
الأمبريالية.

اقرأ أيضا:

هاتف جنابي: جبران تويني شهيدنا جميعا

د. شاكر النابلسي: كلام تافه في حريق الأرز!

د. خالد شوكات: البعث يا جبران..إنه نظام مجرم!

أسامة عجاج مهتار: جبران تويني

د. سيّار الجميل: جبران تويني يلتحق بقافلة شهداء لبنان..!!

جاسم بودي: نهار وظلام

دلولا ميقري: قلمُ جبران، وصوته