بعد أيام نستقبل عاما جديدا ندعو أن يكون مليئا بالخير والسلام لمصرنا الحبيبة وللشرق الاوسط وللعالم كله ولقراءنا الأعزاء. ندخل هذا العام وملامح ظاهرة لبداية تغيير في الخريطة السياسية في مصر، كنا نتوقعه منذ فترة طويلة، وهو تتويج لثلاثة عقود من أسلمة كل شئ في مصر من التعليم إلى الإعلام إلى الطب والاقتصاد والسياسة ومزاج الشارع، حتى أنني شاهدت منذ عدة سنوات في شارع فيصل بالهرم مطعم يسمي quot;المطعم الإسلاميquot; يقدم كبابا وكفتة إسلامية!! وكأن المطاعم الآخري غير إسلامية أو كأن الذبح لا يتم وفقا للقواعد الإسلامية. مصر كلها للأسف مذبوحة من أعناقها على الشريعة الإسلامية. لقد أنتصر بالفعل حسن البنا على طه حسين في مصر. التحدي الاساسي الذي يواجه قوي المجتمع المدني في مصر والأقباط خصوصا كيف سنواجه هذا المشهد؟ وهل سنستسلم حتى تتحول مصر إلى دولة دينية؟ وهل سيكون للأقباط حقوقا في ظل هذه الدولة الدينية؟

جمعني الأسبوع الماضي غذاء عمل مع أحد رؤساء مراكز الأبحاث الأمريكية وتطرقنا إلى نظرة الحكومة الأمريكية لدور الأقباط في الإصلاح المرتقب في مصر، وقال لي إنه تقابل بعد المؤتمر القبطى الذى عقد فى واشنطن مع شخصية سياسية مهمة وتطرق الحديث بالصدفة الى الاقباط، فقال له السياسي الأمريكي نحن كنا نراقب مؤتمرهم في واشنطن لنعرف مدي جديتهم في التحرك للحصول على حقوقهم، وإذا ثبت جديتهم وعزمهم على التحرك الإيجابي سوف نساعدهم، لأننا لا نستطيع بصراحة أن نساعد من لا يريدون أن يساعدوا أنفسهم، ولا نرغب في أن نواجه النظام المصري من آجل الأقباط إلا إذا تحركوا. حاول صديقي الباحث المعروف والمتعاطف معنا أن يقنع السياسي الأمريكي بأهمية الأقباط في نشر قيم الحداثة وفي مواجهة التيارات الدينية وفي دفع عجلة المجتمع المدني، فرد عليه أتفق معك في ذلك لو تحركوا بالفعل للدفاع عن هذه القيم ولكن حتى الآن حركتهم على الأرض محدودة.

الحد الأدني للمشاركة السياسية على الأرض هو التسجيل في جداول الانتخابات، والتصويت في كافة الانتخابات النقابية والمحلية والبرلمانية والرئاسية، هذا هو الحد الأدني الذي لم يفعله الأقباط حتى الآن.. إذن الأقباط مقصرون.... والإجابة بنعم كبيرة.
تعالوا نحلل الانتخابات البرلمانية الاخيرة والتي فاز الأخوان المسلمون فيها ب 88 مقعدا. حسب ما ذكره يونان لبيب رزق للعربية نت بتاريخ 5 ديسمبر 2005 quot;عدد الذين يحق لهم التصويت أكثر من 50 مليون ، عدد المقيدين في جداول الانتخابات 31 مليون، عدد الذين صوتوا بالفعل 7 ملايين، حصل الأخوان على 30% من أصواتهم يعني حوالي مليون و200 الف صوت فهل هذا الرقم يمثل ال 75 مليون مصريquot;
حصد الأخوان 88 مقعدا ب 2ر1 مليون صوت في حين أن أقل التقديرات تقول أن الأقباط يملكون حوالي خمسة ملايين صوت وهذه هي قوتهم السياسية التصويتية الحقيقية ولكنهم في الواقع غير ذلك لأنهم تائهون، يائسون ، مدروشون، مشتتون، خاملون، غير منظمين.
إن سباق الأسلمة في مصر يشبه سباق السيارات بين الحكومة والتيارات الإسلامية على من يأسلم مصر أسرع، والأقباط والعلمانيون ودعاة المجتمع المدني صامتون.
إن الصمت هو العدو الأول للديموقراطية والحريات والحقوق، وكما قال مارتن لوثر كينج quot; ما يحزنني ليس فعل الأشرار وإنما صمت الأخيارquot;. الصمت هنا جريمة سياسية وأخلاقية ووطنية.
هناك وهم عند قطاع قبطي كبير أن مشاكلهم سوف تحل بالصلاة والمعجزات والتضرع إلى الله.. وهذا وهم كبير، فالمعجزات عمل إستثنائي والذي لا يؤدي عمله فصلاته غير مقبولة وغير مستجابة. هل يتصور أحد ولو للحظة إنه يمكن أن ينجح في أمتحان دراسي بالصلاة فقط بدون المذاكرة؟ هل يتصور أحد أن تشخيص الأطباء إنه يحتاج إلى جراحة عاجلة ويقول لهم لا أحتاج لأنني سأصلي؟، لماذا هذا التقصير القبطى فى العمل السياسى فى حين انهم ناجحون بشكل ظاهر فى المهن المرموقة والعمل الحر؟ الهروب إلى الصلاة، عندما تتوافر الآليات الحقيقية للعمل والحل، هو طريق الضعفاء ولكن مواجهة الواقع والإندماج فيه وتحدي القبح هو نوع من الاستشهاد اليومي.
الضعيف والجبان والانانى هو الذي يخاف مواجهة الواقع ويخشي دفع ضريبة التغيير ويتقوقع ويتعلل بحجج دينية ولكنه للأسف يدفع ضريبة أكبر بأنعزاله وتقوقعه.
إذا كنا ندعو الأقباط إلى كسر العزلة التي فرضتها عليهم الحكومات الإسلامية خلال 1400 عام فيما يتعلق بأنفتاحهم على العالم الخارجي، فبالأولي ندعوهم لكسر العزلة التي فرضوها عليهم وفرضوها هم على أنفسهم فيما يتعلق بمواجهة الواقع المرير في الداخل.
خلال أيام سوف ينتهي الموعد السنوي للتسجيل في الجداول الانتخابية، على كل قبطي أن يذهب ليحصل على بطاقة انتخابية ويستعد للمشاركة في أي انتخابات قادمة. على الأب أن ينبه زوجته وأولاده، على الأم أن تفعل كذلك ، على مؤسسات المجتمع المدنى دور كبير فى دفع الاقباط والنساء للعمل السياسى لتفادى مستقبل مظلم يتربص بمصر.

قبل أن نصرخ ونشتكي ونولول، علينا أن نفعل ما نستطيع عمله، أن نشارك بفاعلية في العمل السياسي، أن ندفع المجتمع المدني للأمام.. أن نتحالف مع القوي العلمانية والليبرالية، أن ندعم نضال المرأة المصرية ضد الحكومة المصرية المتأسلمة والتيارات الدينية الظلامية، أن نتحرك بنشاط وكثافة بممارسة كافة الآليات السلمية والقانونية لأنتزاع حقوقنا المهدرة.
هذا هو التحدي الأول، العمل بكل نشاط وهمة في الداخل لعرقلة صعود الدولة الدينية ،ولنبدأ هذا الأسبوع في التسجيل في الجداول الانتخابية، حتى نكون مستعدين كقوة انتخابية فاعلة وإيجابية .

التحدي الآخر هو في التعامل الإيجابي مع المجتمع الدولي والقانون الدولي، وهذا التحدي واجب على أقباط الداخل وأقباط المهجر ، فبالنسبة للداخل من حق كل مصري أن يلجأ إلى كافة الوسائل القانونية والسلمية المحلية والدولية من أجل الحصول على حقوقه، ولا يعد ذلك إفتئاتا أو قفزا أو مخالفة لأي قواعد سياسية أو مفاهيم وطنية، هذا حق أساسي ومبدئي لكل مصري. على كل قبطي داخل مصر أن لا يخاف من أن يقول الحقيقة لأي طرف داخلي أو خارجي طالما إنه يقول الحقيقة.
الأخوان المسلمون على سبيل المثال يتوسلون الحوار مع أمريكا والغرب بكافة السبل، في حين تجمد اليسار والناصريون والقوميون عند شعارات معاداة أمريكا، ويهاجمون القوي الليبرالية التي تتقابل مع مثيلاتها فى الغرب، ويرهبون الأقباط في الداخل من مغبة الأتصال الخارجى، ويتهمون أقباط المهجر رغم أنهم مواطنون غربيون لهم كل الحق في الاتصال بحكوماتهم ،وفي النهاية يتم فتح القنوات السرية والعلنية بين الأخوان وأمريكا والغرب في حين تم عزل الأقباط، رغم أنهم تحت إضطهاد وإنتهاك لحقوقهم الأساسية.. ....هذا العبث يجب أن ينتهي.

أما بالنسبة لأقباط المهجر فهذا هو صلب عملهم الأساسي من آجل مصر ومن آجل شعبهم، وهو الأتصال بكل الجهات الدولية من آجل دفع مصر نحو طريق الإصلاح والديموقراطية والمواطنة الحقيقية للجميع، على كل قبطى فى الخارج أن يكون سفيرا فوق العادة لشعبه ينقل معاناته إلى كل الجهات الدولية المعنية وإلى المواطن العادى من آجل حشد الراى العام العالمى وراء هذه القضية العادلة.
العمل الأساسي لأقباط المهجر بالنسبة لبلدهم الام هو مساعدة كافة المصريين مسلميين ومسيحيين بدفع مصر نحو طريق التقدم، والحقوق المتساوية للجميع، وآليات ذلك تشمل الأتصال بكافة القوي الدولية والمنظمات الدولية التي تساعد مصر على تحقيق هذا الهدف النبيل.

التحديات كثيرة وجسيمة ولكن يحدونا الآمل دائما في مستقبل أفضل، فقط علينا أن نتحرك بسرعة نحو العمل الإيجابي حتى لا ندفع في المستقبل ثمنا باهظا لتراخينا.
[email protected]