أظن أن على الشعوب الإسلامية في كل أنحاء الأرض أن تفرح وتهلل وتخرج في مظاهرات (سلمية بالطبع) وان يدعو خطباء المساجد بعد استئذان الجهات العليا بالتأكيد إلى إقامة صلاة شكر في نفس الوقت في جميع مساجد العالم حمدا لله على التخلص من كل المشاكل التي ارتبط بالمسلمين فرادى وجماعات ودول في السنوات الأخيرة وعلى التخلص من الأزمة العنيفة مع الغرب وعلى التخلص من الأزمات المزمنة في دولهم الإسلامية والعربية سواء مع أنظمة الحكم المستبدة والأبدية التي تريد إقامة دولة الخلافة العائلية (إذ يبدو أن ذلك هو المفهوم العصري لدولة الخلافة الإسلامية التي ظهرت في صدر الإسلام) أو في انحسار الضغوط المعيشية المتنوعة والمتجددة في اغلب بلداننا العربية والإسلامية.

قبل أن تظن بي الجنون دعني أطمئنك أن الشيطان لم يمسني كما أن الكلام ليس من عندي وإنما هو مجرد تفسير أو قراءة فيما بين سطور الفتوى الجبارة التي خرج علينا بها قبل أيام الشيخ رشاد حسن خليل عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الازهر في مصر والتي قال فيها أن تجرد الزوجين من ملابسهما خلال وقت المعاشرة الزوجية حرام وانه يبطل زواجهما من الأساس وتصبح الزوجة طالقا ما يعني أن هناك ما لا يقل عن 70 في المئة من الزيجات في عالمنا الإسلامي باطلة حسب تقديرات البعض ومن ثم أن أكثر من ثلثي البيوت والأسر في الدول الإسلامية قائمة على الزنا باعتبار أن هؤلاء السبعين في المئة من الأزواج لا يزالوا أزواجا حتى كتابة هذه السطور ولا يزالوا يتعاشرون أيضا بما يتصورون انه على سنة الله ورسوله بينما هم في كل مرة يقتربون فيها من بعضهما يرتكبون الزنا الفاحش.

ولأنني حاولت واجتهدت بحثا عن تفسير لصدور مثل هذه الفتوى ومرتكزاتها الفقهية في حدود فهمي البسيط بديني الإسلامي ولم أجد لا نصوصا واضحة تقول بذلك (مثلما فعل اغلب العلماء في الدول العربية الذين سمعوا الفتوى وانكروا صدورها) ولا ضرورة من الأصل لشغل الناس بها في هذا التوقيت فأنني لم أجد أمامي بعد هذا الجهد البحثي سوى أن الرجل أراد أن يلهي جموع المسلمين خصوصا البسطاء منهم بقضية تشغلهم عن تطورات التحرش الاميركي بسوريا أو ربما طلب من الرجل أن يخرج علينا بفتواه المبتكرة ريثما يتم تمرير قانون بإسناد ولاية العهد (عفوا اقصد نيابة رئيس الجمهورية المصرية) إلى السيد جمال مبارك بينما يكون عموم الناس مستغرقين في كيفية تحليل زواجهم بزوجاتهم!!!. كما لم استطع منع نفسي من مناقشة بعض الأفكار التآمرية وراء طرح هذه الفتوى الآن منها أن الرجل يحارب الإقبال الجماهير على البطولة الأفريقية التي تستضيفها مصر حاليا عبر شغل الجمهور عن متابعة مباريات البطولة.

لكنني اختلف مع الغاضبين من الفتوى ومغزاها وارى أن هناك جوانب ايجابية فيها منها على سبيل المثال لا الحصر أنها تقدم لنا تفسيرا دينيا للانحطاط الأخلاقي والمجتمعي الذي تتخبط فيه اغلب مجتمعاتنا العربية هذه الأيام وسببه طبقا للفتوى أن اغلب الأجيال الموجودة حاليا في بلادنا أولاد حرام وهو ليس تعبيرا مجازيا وإنما حقيقة لأنه إذا كان هناك هذه النسبة من الأزواج يعيشون مع بعضهم في الحرام فان من ينجبونهم من أطفال أصبحوا الآن رجالا وشبابا أولاد حرام مصفّي، وهكذا يزول العجب من كثرة أولاد الحرام في بلادنا.
ومن الأمور الايجابية أيضا في الفتوى أنها ستؤدي حتما إلى تحلل الكثيرين من أي وازع ديني أو أخلاقي كان يلزمهم بالفضيلة ما سيشيع الانفتاح الجنسي في مجتمعاتنا على الطريقة الغربية لأنه سيكون من الصعب جدا حينها أن تجد رجلا مسلما أو سيدة مسلمة لم يقعوا في براثن الزنا الزوجي وفقا لما تفسره الفتوى وبالتالي لن يكون صعبا إقناع هؤلاء بعدم جدوى التمسك بالعفاف، ومع تزايد الإعداد وكثافة المعروض أتوقع أن تنخفض أسعار اللحم الأبيض المتوسط بما يجعله في متناول محدودي الدخل وربما معدوميه أيضا الذين عاش بعضهم حياته كاملة دون أن يجد الفرصة لمشاهدة لحوم المواشي فإذا بالدنيا تنفرج ليشاهد لحوم البشر!.

ترى أي سبب دفع الرجل وهو عالم لا يمكن لأحد أن يشكك في علمه لإطلاق مثل هذه الفتوى الغريبة التي لم يأت بها الأولون في وقت يعيش فيه المسلمون تحت وطأة العديد من الضغوط الخارجية والداخلية ويواجه فيه الإسلام حربا شعواء من أعدائه وهم كثر يصورونه فيه على انه دين الرجعية والتطرف وغيرها من الصفات المذمومة التي ليس في جوهر الدين منها إلا ما تحاول مثل هذه الفتوى أن تلصقه به.. وماذا يمكن للإسلام أو للدول الإسلامية أن تكسبه من إبطال زواج ملايين الزيجات إذا ما تم تطبيق هذه الفتوى التي اعرف أن ستهز الملايين من البسطاء الذي يعيشون حياتهم مذبذبين بين الفتاوى المتضاربة لعلماء يخشون من الحاكم أكثر من خشيتهم من الله فيحرمون الحلال ويحللون الحرام إرضاء لحاكم أو مواءمة لظرف سياسي دون أدنى اهتمام بتأثير فتاواهم النارية هذه على عشرات ملايين البسطاء من المسلمين الذين يثقون فيهم وفي أمانتهم على أداء الرسالة التي شرفوا بأدائها؟!
للأسف الإجابة ليست عندي ولا أظن أنها ستكون عند احد من المهمومين بمشاكل العالم الإسلامي والمتابعين للهجمة الشرسة التي يتعرض لها في الخارج وفي الداخل أحيانا، بل إنني اشك في أن تكون موجودة حتى لدى من يطلقون مثل هذه الفتاوى التي تفرق أكثر مما تجمع وتنشر العنف بأكثر مما تدعو للسماحة التي هي جوهر الدين كما افهمه.
بهاء حمزة
[email protected]