من المقرر ان تعقد الجلسة الثامنة لمحاكمة صدام حسين وزمرة من أعوانه في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وسط أنباء متضاربة عن من يرأس الجلسة، بعد الإنتقادات الكثيرة، وأغلبها موضوعي، لإدارة الجلسات الماضية من قبل القاضي رزكار محمد أمين، الذي نسي من يمثل في المحكمة. فقد أفادت الأنباء بأن إستقالة رئيس المحكمة نهائية ولا رجعة فيها، وأن القاضي سعيد الهماشي سيرأس الجلسة القادمة، بينما أعلنت لجنة إجتثاث البعث أن هذا القاضي مشمول بقانونها. ومع أن الهماشي نفى ذلك، ووصف موضوع اتهامه بالانتماء الى البعث الصدامي بانه افتراء وكذبة، مشيرا الى وجود عناصر داخل المحكمة ترغب بابعاده لعرقلة سير جلسات المحكمة لمعرفتهم المسبقة بنزاهته وعدالته واستقلاليته، افاد مصدر قضائي بأن القاضي رزكار محمد أمين ما يزال لحد الآن رئيساً للمحكمة حسب قانون المحكمة، لأنه لم يتم النظر في إستقالته من قبل مجلس الوزراء- الجهة الوحيدة المخولة بقبول إستقالته او رفضها. واليوم أعلن أن القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن سيرأس جلسة يوم غد.
وأياً كان القاضي الذي سيرأس جلسات المحكمة المذكورة نود أن نُذَكِرَ من نسي بان المحكمة تشكلت خصيصاً لمقاضاة عتاة المجرمين العراقيين من أقطاب النظام المقبور على الجرائم التي إرتكبوها، ومنها جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية .وقد سميت بادئ الأمر (المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الانسانية)، ثم أبدل أسمها الى ( المحكمة الجنائية العراقية العليا ) وقد حُصر أختصاصها بجرائم الأبادة الجماعية والجرائم ضد الأنسانية وجرائم الحرب وأنتهاكات القوانين للفترة من 17 تموز/ يوليو 1969 ولغاية 1/5/2003، ويحكم عملها القانون رقم 10 لسنة 2005، الذي وفر للمتهمين - بحسب قانونيين مستقلين- ضمانات تعدت وتخطت الضمانات المذكورة في قانون اصول المحاكمات الجزائية..
وإنطلاقاً من المهمة التي وجدت من أجلها وأوكلت لهيئتها سميت المحكمة في بعض وسائل الإعلام بـ quot;محكمة العصرquot;.. لكن المحكمة تحولت منذ الجلسة الأولى الى عكس ذلك تماماً، لدرجة سماها بعض المراقبين بحق quot; مسرحية قضائيةquot;، فسحت المجال للجلاد أن يقاضي ضحاياه، والمسؤول الأول عن ذلك هو رئيس المحكمة القاضي رزكار محمد أمين، الذي تمادى في حياديته، وإفراطه في هدوئه وبرودة أعصابه وسعة صدره، مما سمح ،شاء أم أبى، توجيه المتهمين إساءات وإهانات متكررة بحق الشعب العراقي وشهدائه من ضحاياهم..
لا نشك إطلاقاً بنزاهة القاضي رزكار محمد أمين وكفاءته القضائية في المحاكمات الجزائية العادية.إنما في هذه المحكمة غير العادية،كشف عن عيوب كثيرة، لا أقلها حياديته القاتلة لصالح المتهمين، حتى بدى وكأنه نسي نفسه كقاض عراقي، يحاكم بإسم الشعب متهميم عاثوا في العراق فساداً وخراباً،ودمروا شعبه وأذلوه، زارعين أرجاء العراق بالسجون والمعتقلات،ومارسوا فيها أبشع صنوف التعذيب والتصفيات الجسدية التي تقشعر لها الأبدان، وكانوا ينوون تسليم العراق أرضاً بلا بشر، والأدلة على ذلك لاتعد ولا تحصى،والقاصي والداني يعرفها، ومنها جريمة حلبجة الكردية العراقية، التي راح ضحيتها أكثر من 5 اَلاف شهيد، وعمليات الأنفال، التي حصدت أرواح أكثر من 180 ألف شهيداً،معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ،أغلبهم دفنوا أحياء، ومئات الآلاف من ضحايا سحق إنتفاضة اَذار 1991،معظمهم من الشباب،الذين صورت الأجهزة القمعية عمليات إعدامهم على بشاعتها،وقامت بتوزيعها ترهيباً للآخرين، وإنتهاء بتصفية مئات اَلاف السجناء والمعتقلين قبيل سقوط النظام في 9 / 4 / 2003 بساعات.وتشهد على ذلك مئات المقابر الجماعية ومئات اَلاف اليتامى والأرامل والثكالى والمفجوعات والمشوهين والمقعدين و.. و.. من ضحايا جرائم المتهمين الذين يحاكمون حالياً على واحدة منها أمام المحكمة..
ألم يسمح رئيس المحكمة بتماهيه ببرودة أعصابه، حد البلادة، وسعة صدره، غير الطبيعية، لمثل هؤلاء المجرمين بالتطاول بكلام بذيء ومهين لا للشهود والمشتكين عليهم ولشهداء الشعب،الذين وصفهم برزان بـquot;السفلةquot; و quot;الكلابquot;،فحسب، بل وعلى المحكمة نفسها، بدءأً من هيئة الإدعاء العام وإنتهاءاً بالقضاة، وبضمنهم رئيس المحكمة، واصفين إياهم بـquot; الغربانquot;، وquot; المجرحينquot; و quot;الخاضعين quot; للإحتلال، وغير ذلك، ولم يرد عليه رئيس المحكمة..مما أثار،أكثر من مرة،إحتجاج هيئة الإدعاء، وإعلان أحد القضاة إنسحابه من المحكمة..
مهما قيل عن كفاءة القاضي رزكار محمد أمين، وإمتلاكه لتجربة وخبرة قضائية، إلا أنه لم يدرك لحد اليوم بأنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة سير جلسات المحكمة بالشكل الطبيعي، وأخفق في السيطرة على وقائعها، الأمر الذي ساهم بتحويلها من محاكمة لعتاة المجرمين الى quot;مسرح quot; تدور على خشبته مشاهد مسرحية خائبة، تخللتها وقائع إساءة بالغة للشعب العراقي ولشهدائه، فضلاً عن شهود المحكمة والمشتكين على المتهمين، لعب فيها دوراً كبيراً محامو الدفاع، وعلى رأسهم وزير العدل القطري السابق،ليس فقط بإسئلته الغبية والساذجة والمضحكة، بل وبطعنه المتكرر بشرعية المحكمة ونزاهتها، أثناء جلسات المحكمة نفسها،التي يشارك فيها فعلياً كمحام لصدام حسين، وقد فات رئيس المحكمة إلفات نظره بأنه يضيع وقت المحكمة، ولا يحق له الطعن بشرعية المحكمة مادام قبل الدفاع عن المتهم الذي تحاكمه،مثلما تجاهل مراراً تصرفات المتهمين، بإيحاء من المحامين، لصرف المحكمة عن الغرض الذي وجدت من أجله،وعرقلة جلساتها وتأجيلها بشتى اساليب التسويف والمماطلة..
لا أحد من المنتقدين لإدارة القاضي رزكار محمد أمين لجلسات المحاكمة بالشكل الذي جرى لحد الآن يريد التدخل في شؤونه كرئيس للمحكمة، إنما من حق العراقيين أن يطالبوه بالحزم في ضبط الجلسات، والمحافظة على سيرها بشكل طبيعي، وفرض إحترام المحكمة، وصون هيبتها، وسمعتها، ومنع أي تطاول وإساءة للشهود وللمشتكين، وعدم السماح بأي إهانة أو تجريح للشعب ولشهدائه من ضحايا جرائم المتهمين.. إن الحزم في ضبط جلسات المحكمة وفرض إحترامها على الجميع هو من واجبات رئيس المحكمة، ولا يتعارض إطلاقاً مع مهمة بحثه عن الحقيقة من خلال تطبيق النصوص القانونية بحيادية وبدقة وأمانة ونزاهة.
في تصريح لصحيفة عراقية أعلن القاضي رزكار محمد أمين بأن سماحه لصدام حسين بالتحدث في الأمور السياسية خلال جلسات المحكمة quot; نابع من صدري الرحب ولأني هادئ بطبعيquot; وquot;أنا لست سياسياً،فإذا دخل القاضي باب السياسة خرج من باب القضاء والقانونquot;..من خلال متابعتي لم أجد أحداً طلب من رئيس المحكمة ان يكون سياسياً، إنما الجميع يطالبونه الدفاع عن الشعب العراقي وشهدائه،ومنع المتهمين من التطاول أو الإساءة إليهم، مادام يحاكمهم بإسم الشعب، وإلا فأية حيادية هذه، وأي مبرر لموقف رئيس المحكمة وهو يستمع متبلداً ولم يرد على برزان الذي وصف الشهداء بـquot;السفلةquot; و quot; الكلابquot;، وعلى صدام حسين، الذي وصف نفسه وأعوانه بـquot; الأسودquot; ومن يحاكمونه ويشهدون على جرائمه بـquot; القرودquot; ؟!!..
كل الدلائل تشير، ووفق ما مقرر، بان تستأنف المحكمة جلستها الثامنة غداً الثلاثاء، وسط أنباء متضاربة عن قبول إستقالة القاضي رزكار محمد أمين بسبب الإنتقادات التي وجهت إليه،وعابت عليه ضعفه وقلة كفاءته، وquot; الضغوط التي يتعرض إليهاquot; من قبل الحكومة العراقية (كذا!!)، وأن قاضياً اَخراً سيحضر بدلاً منه لإكمال القضية، بينما لم يعلن مصدر رسمي قبول إستقالة القاضي رزكار لحد الآن.
وسواء صحت هذه الأنباء أم لا ،وبغض النظر عن القاضي الذي سيترأس الجلسة القادمة، والجلسات الأخرى، فأن المطلوب من رئيس المحكمة،أياً كان،ومهما كان،ما دام سيحاكم المتهمين بإسم الشعب العراقي،أن لا يسمح إطلاقاً بالإساءة والتجريح والإهانة للشعب ولشهدائه الأبرار.وعليه أن يضبط الجلسات بحزم، ويحافظ على سيرها بشكل طبيعي، ويفرض إحترام المحكمة على الجميع.. وإلا فإنها ستتحول الى سيرك،وهرج ومرج-كما حصل في جلسات سابقة.. إذا تكررت المشاهد المسيئة لن يسكت شعبنا، وعلى القاضي أن لا يسمح بذلك، وإلا فمن الأحسن له ولنا ان يتنحى، ليحل محله من يحاكم المتهمين بإسم الشعب حقاً وفعلاً !

* كاتب عراقي، السويد