جاء في كتاب تجارب الدنيا وحوادث الحياة أن الظلم المُسلَّط يدب فجأة في الأركان الهادئة الآمنة المتسامحة التي تنعم بمستوى جيد من العدالة، فيصيب أهل تلك الأركان بالذهول والقلق ونسبة من الرعب، فيعم الصمت في تلك الأركان: بيوتها ومنتدياتها ومكاتبها وشوارعها.

‏ويبقى الظلم المُسلَّط يتمدد ويكبر، وتطول أنيابه ومخالبه، فيضيق أهل تلك الأركان انزعاجاً وغضباً وكُرهاً بسبب كراماتهم وأعراضهم وعيشهم، فيصبحون كالقدور التي تغلي أجوافها وأغطيتها مغلقة.

‏فينمو السخط بكل شبر في تلك الأركان، ويستحوذ على همم وبسالة وشجاعة أهلها، فيخرج منهم في البداية شخص فدائي فقط، يواجه بإيمانه وجسده ونسبه فك ذلك الظلم المُسلَّط، فيقتله الظلم، ويترك جسده ممداً في العراء البارد، فيتألم له الجميع حتى يصل الألم إلى عروق المال والذهب والأسواق.

فينتفض ناسها، ويُبدون سخطهم علانية، ويتبعهم الباقون من أهل الأركان، فيتوحدون بالرأي، ويتحدون بالمصير، فيثورون مجتمعين ومنفردين من كل اتجاه ومن كل بيت ومن كل شارع في وجه الظلم بكل غضب وشجاعة.

إقرأ أيضاً: ‏وقف الحرب الأوكرانية الروسية

فيحتار فيهم ويهابهم أصحاب ذلك الظلم، فتراهم يزيدون من ظلمهم وقسوتهم، فلا يتراجع ولا ينثني ولا يخاف منهم أهل الأركان، ويستمرون بتكاتفهم وكفاحهم، إلى أن تهتز قلوب وأقدام أولئك الظالمين خوفاً ورعباً، فيرفعون راية الاستسلام متأسفين معترفين بأنهم كانوا طغاة ظالمين.