طالبان في أفغانستان ليست مجرد تنظيم مسلح يقتل ويفجر ويخرب ويصفي معارضيه، ولكنه قبل ذلك فكر وأسلوب حياة عانى منه الشعب الأفغاني طيلة حكم (إمارة طالبان) من عام 1996 وحتى سقوطها وفرار أمراء مؤمنيها عام 2001، وكانت فرحة عموم الشعب الأفغاني عارمة لهذا السقوط الذي خلصهم من نظام لا يمكن تصديق أو تصور ممارسته طوال السنوات المذكورة التي حرمت التماثيل ونسفتها،وفرضت الشادور على الأنثى الأفغانية من سن الطفولة إلى الكهولة،وأجبرت الشباب من سن السادسة عشرة على تربية اللحى وقتل من يمسك بدون لحية، وفي الوقت نفسه الاستمرار في زراعة وتجارة وتصدير الحشيش على اعتبار أن أغلب مستخدميه من الغربيين الكفار والملحدين وهذه أفضل وسيلة لتدميرهم، وفي الوقت ذاته يتم استعمل عوائد هذه التجارة في تقوية بنيان الإمارة الإسلامية التي أعلنت الملا محمد عمر أميرا للمؤمنين ليس في أفغانستان فقط ولكن لعموم المسلمين في كافة أقطار العالم، مما يفترض أن المليار وربع مسلم ينبغي تنفيذ نفس قوانين إمارة طالبان الإسلامية، فللمؤمنين إمام واحد وحيد هو الملا محمد عمر الذي كان عمره عام 1996 لا يتجاوز خمسة وثلاثين عاما، ولم يكمل أية دراسات دينية تؤهله لأي مستوى من الفقه والتشريع، ناهيك عن كيفية فهم المليار وربع مليون من المسلمين لتعاليمه وهو يصدرها بلغة محلية (البشتو) التي لا يفهمها عموم الشعب الأفغاني؟.
عادت الحركة في الشهور الأخيرة لممارسة أعمال التفجير والاغتيالات وغالبا بحق مدنيين أفغان وعاملين بمنظمات دولية، مما يعني أن فلول هذه الحركة الظلامية تحاول تنظيم صفوفها لإحياء إمارتها من جديد وكأن العالم الإسلامي ينقصه أفكار وممارسات متخلفة، والدليل على خطورة تلك المرحلة إن نجحت إمارة طالبان في العودة للحياة، ذلك التسجيل الصوتي الذي أذيع في شهر رمضان الماضي للمدعو(الملا معصوم أفغاني) الذي يحمل صفة (رئيس شورى العلماء في حركة طالبان)، فقد دعا (فضيلته) quot; عموم سكان أميركا من المسلمين بمغادرتها بسرعة هائلة فان عذاب الله سينزل في أميركا...أخرجوا من أميركا واتركوا أميركا واهربوا من أميركا)، وبشّر المؤمنين قريبا بغزوة بدر الكبرى التي ستقع في أميركا!!! ولم ينصح الملا حوالي ثمانية ملايين مسلم أميركي أين يذهبون وكيف يعيشون هم وعائلاتهم، في حين أن غالبية المسلمين طموحهم الأول هو الوصول إلى أميركا والعيش فيها!!!.
ومن بشائر الخير للمسلمين إعلان بعض الجماعات المسلحة ما يسمى (إمارة إسلامية في العراق) في بغداد وخمس محافظات عراقية، حسب بيانهم quot; ردا على دولة الأكراد في الشمال (إقليم كردستان) وفيدرالية الشيعة في الوسط والجنوبquot; والدعوة لمبايعة أمير المؤمنين الجديد الشيخ أبو عمر البغدادي، وليس من المعروف أين تلتقي وأين تتقاطع صلاحيات أمير المؤمنين الجديد هذا مع صلاحيات أمير مؤمنين طالبان الملا محمد عمر!!. ومن تسريبات مصادر أمير المؤمنين الجديد، أنه سيطبق الأحكام التالية: قطع اللسان لشارب الخمر، وقطع الأذن لسامع الموسيقى، وقطع اليد والرجل للسارق،والجلد حتى الموت للزاني، ومنع لبس الملابس الغربية كالبنطلون والقميص وضرورة لبس الدشداشة (الجلابية) والحطة والعقال بألوان معينة يحددها مجلس شورى الإمارة، وإلغاء وهدم دور السينما والمسارح وصالات الموسيقى، وكما يبدو من هذه الأحكام أن هذه الإمارة سوف تستعين بخبراء ومشرعين من تنظيم (المحاكم الإسلامية في الصومال) التي بدأت فعلا بتطبيق هذه الأحكام في مناطق نفوذها بما فيها منع وتحريم استعمال الانترنت.
هذا المد الظلامي لا يقتصر على الصومال والعراق وأفغانستان، فمن يصدق أن أنصار حزب التحرير الذي يتبنى فكرة قيام الخلافة الإسلامية تمكن قبل أسابيع قليلة من تسيير مظاهرة في رام الله الفلسطينية لعدة ألاف من أنصاره مطالبا بإقامة الخلافة الإسلامية لأن (الخلافة هي الحل) كما يرى، وبشّر أحد الخطباء المسلمين في العالم أجمع بأن (إقامة الخلافة الإسلامية أصبحت قاب قوسين أو أدنى)، مع عدم توضيحه هل سيقيمونها على الطريق الأموية أم العباسية أم العثمانية؟ وما دخل هذه الخلافة بخطف الصحفيين الأجانب والهجوم على الكنائس والمدارس المسيحية في غزة؟.
ولا يقتصر هذا الفكر التحريضي المتخلف على أمراء المؤمنين المذكورين، فالعديد من نظرائهم في أوربا والولايات المتحدة وأستراليا يتبنون هذا الفكر بأشكال مختلفة، لكنها تصب في ميدان إشاعة الكراهية والفرقة والصراع، كما جاء في حديث أمير مؤمنين آخر في أستراليا هو الشيخ حامد الهلالي مصري المولد الذي شنّ هجوما قذرا على النساء غير المحجبات أيا كانت جنسياتهن بما فيهن طبعا الأوربيات والأستراليات والأمريكيات، ولم تكن تصريحاته مثار استنكار أسترالي فقط، فقد هاجمها بعنف زعماء مسلمون في رسالة مفتوحة وطالبوا بتنحيته، كما أدانت الرابطة الأسترالية المتحدة للنساء المسلمات تصريحاته ومواقفه، خاصة أن نفس أمير المؤمنين سبق أن اعتبر إرهاب الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة بأنه (مشيئة الله)!. ومقابل هذا التخلف الظلامي والحقد الأعمى يأتي الموقف الديمقراطي الحقيقي على لسان رئيس الوزراء الأسترالي الذي ردّ على من طالبوا بترحيل الشيخ الهلالي إلى بلده مصر قائلا : (إن الهلالي ألآن مواطن أسترالي ولا يمكن ترحيله).
إن ممثلي هذا التيار الإسلامي المتخلف الذي يحث على الانعزال والقتل والكراهية، يسيء للإسلام أكثر من أساءته للغير، فهم فعلا خطفوا الإسلام مما جعل تصوراتهم التكفيرية قاتلة للمسلمين قبل غيرهم، وهذا يستدعي العمل الجاد بين كافة التيارات الإصلاحية بما فيها تيارات الإسلام الحقيقي الوسطي المعتدل لاستمرار هزيمتهم الطالبانية، فاستمرار هذه الهزيمة مصلحة للإسلام والمسلمين!!.
[email protected]
التعليقات