أثارني، في الفترة الأخيرة، الاستخدام العشوائي لكلمة الأكراد في النصوص وفي الكتابات الصحافية العربية، خاصة في quot;إيلافquot;. ثمة من يكتبها الكرد أو يكتبها الأكراد، وهناك من يكتبها quot;الكوردquot;. وكذلك بالنسبة لكلمة كردستان التي يكتبها البعضquot; كوردستانquot;. وأعتقد أنه لا مجال للاجتهاد لتغيير كلمة الأكراد العربية وكردستان العربية إلى كورد وإلى كوردستان التي هي كتابة باللغة الكردية وفق ما ينطقون به ووفق ما تمّ عندهم من تطويع واستخدام للحروف العربية كي تتجانس مع لفظهم. لست خبيراً في اللغة الكردية ولكنني أستطيع التحدث بها، كما أستطيع قراءتها والكتابة بها. لذلك لا أريد أن يخطأ من يكتب بالعربية فيكتب بالكردية. آمل أن لا يُفسر هذا التعقيب أبعد من كونه مجرد أفكار سريعة ومعلومات أولية في اللغة. ولكن قبل الخوض في خطأ كتابة الكلمتين وضرورة الالتزام بقواعد وبصيغة اللغة العربية أود أن أدون بعض الملاحظات التي أثارتها مسألة اللغة التي نكتب بها خاصة لجهة نقلنا للكلمات الأجنبية.
اعتدنا في قراءتنا للنصوص العربية المكتوبة أن نجد أشكالاً عديدة لنقل الكلمات الأجنبية إلى العربية، حيث لا جامع أو اتفاق على شكل كتابتها؛ كل يكتبها على هواه وبالشكل الذي يريد. وعلى خلاف اللغة العربية نجد في معظم اللغات الأجنبية تلك الكلمات المنقولة إليها تكاد تكون متشابهة في الكتابة، أوعلى الأقل في مطبوعة واحدة، حينما تحدد هيئة التحرير صيغة ملزمة لكل النصوص التي تنشر فيها. على الأرجح تكون الكلمة المنقولة مطابقة في الكتابة للفظها، وهي سهلة النقل، إلى حد ما، في لغات تستخدم الحروف اللاتينية وتشكيلاتها المتعددة. أما في اللغة العربية التي تتميز بالتحريك فالنقل صعب وهو بحاجة إلى اتفاق تقره مؤسسة معترف بها. وإذا كان الأدب العربي القديم قد اتفق على كتابة شبه موحدة لكلمات مثل سقراط وارسطو وغيرها من الكلمات فإن الكتابة الحالية بدأت تغيّر كثيراً من تلك الكلمات وفق اجتهاد شخصي، بحيث أصبحت كتابة اسم الفيلسوف الألماني quot;كانتquot; تتبدل إلى قانط وإلى كانط،واسم يوليسيس إلى عوليس وعولس، وفخته إلى فيشته وفشته، وكذلك المئات من الكلمات الأخرى التي تربك القارئ فيعتبرها أحيانا أسماء لغيرهم من الأعلام.
صحيح ان بعض الحروف الأجنبية ليس لها مرادف باللغة العربية ولكن الاتفاق على صيغة موحدة في نقل تلك الحروف الى العربية يقلل كثيراً من الإرباك الذي يحصل. وأعتقد انه من السهل الاتفاق على ترجمة حروف مثل quot;جيquot; الإنجليزية بحيث لا تترجم إلى quot;كquot; فتكون الإنكليزية، أو أن يتم الاتفاق بأخذ أحد الصيغتين. وكذلك مع حروف أجنبية أخرى، كل يكتبها مثلما يريد من دون مرجعية.
أما فيما يخص الكتابة باللغة العربية وبحروفها في بعض اللغات غير العربية، التي تستخدم الأبجدية العربية، فذلك شأن الباحثين والمختصين بلغاتهم في كيفية تطويع الحروف العربية بما يلائم لفظهم. وقد عمل بعض الشعوب بهذا الخصوص وطوع إلى حد ما تلك الحروف. والواقع أن معظم اللغات الأوربية المحكية، على سبيل المثال، استخدمت الأبجدية اللاتينية وبإضافات وحركات على الحروف وبدمج حروف معينة لكي تلائم لفظها. وكان بعض تلك الشعوب لا يملك أساسا أبجديا يكتب بها. هكذا كان الأمر مع اللغة التركية والفارسية والكردية وشعوب أخرى في آسيا لم تكن تملك إبجدية خاصة بها.
في الواقع هناك لغات عديدة تستخدم الحروف العربية في الكتابة، على سبيل المثال الفارسية والكردية واللغة التركية، قبل آن تتحول آلي استخدام الحروف اللاتينية. والحقيقة أن اللغات غير العربية التي تستخدم الحروف العربية تواجه مأزق اللفظ، حيث الحروف العربية لا تفي بالغرض لكتابة العديد من الألفاظ مثل اللام المضخمة والكاف الإيرانية والواو والياء المختلفة عن العربية في نطقها، والعديد من الحروف الأخرى. وإذا كانت التركية المكتوبة بالحروف العربية قد تحولت إلى استخدام الحروف اللاتينية فإن لغات أخرى مثل الفارسية والكردية ناضلت طويلا لإيجاد مخرج للكتابة بإضافة علامات وزوائد على بعض الحروف لتقرأ بلفظ لغتها، كما وجدت حلاً في مشكلة التحريك، التي تجعل من العربية صعبة التعلم، بأن حولتها إلى حروف بدل الضمة والفتحة والكسره. ومع أن هذه التغييرات في الفارسية والكردية سهلت الكتابة وقربت اللفظ إلاّ أنها لم تحسم مشكلة الكتابة بالعربية. ويدور صراع لغوي بين محبذي استخدام العربية و محبذي التحول إلى استخدام الحروف اللاتينية. وهو صراع مثمر سيكون لصالح تطوير اللغة عندما يبتعد عن منطلقات شوفينية تتذرع بضرورة الانفصال من الإرث العربي واعتبار استخدام اللاتينية اندماجا في الحضارة الغربية المتطورة، كما حدث في تركيا إبان اعتماد الحروف اللاتينية التي أحدثت وما زالت نوعا من الاغتراب لدى الأتراك، من حيث تغيير الألفاظ ومن حيث الابتعاد عن تراث مهم للغاية مكتوب ويقرأ بالحروف العربية. هذا الاغتراب يحسه المرء بعد ما يقارب القرن في الأوساط الريفية وفي الأغاني التراثية وفي تنوع لفظ كثير من الكلمات.
نعود الآن إلى اللغة العربية التي ينقل إليها كتابنا بعض الكلمات الأجنبية.
كلمة أمريكا، على سبيل المثال، يكتبها البعض كما كتبتها ويكتبها البعض الآخر أميركا. وكذلك كتابة أيديولوجيا التي يكتبها البعض ايديولوجية، واليورانيوم يتحول إلى يورينيوم وكذلك كلمات مثل سوريالية وبيولوجيا وانثروبولوجيا..الخ. بل أن كتابة أسماء المدن والبلدان والكتاب والأعلام والسياسيين تأتي بطرق مختلفة، حتى في صحيفة واحدة تتغافل عن صيغة متفق عليها. كل يدلو بدلوه في نقل الكلمات دون أن يجري تحديدها والاتفاق عليها من قبل مصدر معترف به مثل مجمع اللغة العربية الذي يعيش منعزلاً، وربما يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ومع أن عدم الاتفاق على توحيد كتابة الكلمات الأجنبية يعتبر نقصاً في اللغة، فهو يربك القارئ ويجعله مغترباً عن لغته. فثمة كلمات لا يمكن أن تكتب بأشكال مختلفة باللغة العربية، ولا تقبل الاجتهاد مطلقاً:
مثال ذلك ما هو مشاع، بعض الشيء في الفترة الأخيرة، من استعمال كلمات مثل: quot;كوردquot; وquot;كوردستانquot;.
الكلمتان، على سبيل المثال، تكتب هكذا فقط باللغة الكردية التي تستخدم الحروف العربية، أما كتابتها باللغة العربية التي اعتدنا عليها فهي هكذا بدون شك:quot; كردquot; وquot; كردستانquot; بكاف مضمومة وليس باضافة الواو بدل الضمة، ويمكن الرجوع إلى النصوص العربية القديمة التي تؤكد ذلك وتكتب ذلك أيضا في وصفها القوم بالأكراد.
لقد حاول بعض كتاب المقالات العربية من الأكراد أن يميزوا أنفسهم باستخدام الكلمتين على نحو خاطئ، يخالف اللغة العربية، ونسخ على منوالهم بعض العرب الذين وجدوا في الكلمتين شيئاً من الجدة، وكذلك وجدها أولئك الذين يؤيدون الأكراد في نيل حقوقهم القومية، ولكنهم أخطئوا في التعبيرعن مشاعرهم بهذه الطريقة، وذلك باستخدام لغة غير عربية.كل لغة لها بنيتها وقواعدها، وليس هنا أي مجال لتغيير حروف الكتابة بدوافع خاصة ولكن مناقضة للغة نفسها.
ولكن من أين جاء تغيير الكلمتين العربيتينquot; كردquot;وquot;كردستانquot; إلى quot;كوردquot; وquot;كوردستانquot;؟
من المعروف ان اللغة العربية تمتاز بالتحريك. فيما اللغة الكردية الحديثة، التي تكتب بالحروف العربية، لا تشكّل. اللغة الكردية تستعمل بدل التشكيل الحروف المناسبة للحركات من الحروف العربية. وهكذا تستخدم الواو بدل الضمة والياء بدل الكسرة والهاء بدل الفتحة. لذلك تكتب كلمة quot;مُرادquot;، وهي عربية، quot; موراد quot; بالكردية. وكلمة quot;محمودquot; العربية quot;مه حمودquot; الكردية بتغيير الفتحة إلى الهاء. وكلمة فاضِل العربية تكتب فازيل بالكردية، أي أن الكسرة تحت الضاد تتحول إلى ياء والضاد إلى زاي.
هكذا يخطأ من يكتب باللغة العربية quot;كوردquot; وquot;كوردستانquot; الكرديتين بدل الأكراد وكرد وكردستان. ولست أدري لماذا نخطئ في كتابتها وقد دأبنا عليها، وثبتها التراث منذ أمد بعيد.
هذه مجرد ملاحظة آمل أن لا تفَسر أبعد من حدود اللغة.
التعليقات