كنت قد ابتعدت عن الكتابة بامور العراق لبعض الوقت، لانني شعرت ان مانكتبه عبثٌ فالعراقيون مشغولون بمصائبهم وأحزانهم ولقمة عيشهم، والمتنفذون لايقرأون وان قرأوه لايفهمونه الا بما تستطيعه عقول غالبيتهم التي تعلمت بالحوزات والجوامع والاضرحة، والتي تتمنى وتعمل على العودة الى اخلاق االعصر الاسلامي بثيابه وعمائمه وصدقات بيت ماله والابقاء على الوضع الذي سنه الله بان يكون البشر طبقات غني يتصدق وفقير ذليل يستلم الصدقات ويغلقون عقولهم عما يحدث للعالم في زماننا الحديث وكأن الافيون قد ابقاهم هناك حيث فسطاط المسلمين يتحدى بسيوفه فسطاط الاعداء وخيولهم المطهمة..
انهم يحاربون تنظيم القاعدة الذي يموتون على يديه ويقتلون بمفخخاته يوميا، لكنهم يمارسون ذات اسلوب الحياة القاسي والبدائي مع المرأة ومع مباديء حقوق الانسان..
ان مادعاني للكتابة اليوم بهذا الموضوع هو رسالة استغاثة بعثتها لي مهندسة عراقية عمرها 28 عاما ارادت الحصول على جواز سفر لكنها لم تحصل عليه لعدم وجود رجل محرم لها من عائلتها - وكأنها امرأة غير كاملة الأهلية كأن تكون مجنونة أو قاصر - بينما هي امرأة راشدة ومتعلمة تعمل وتعيش بشكل طبيعي ومحترم رغم انها يتيمة الاب ولا أخ لها وقد مات من مات من اقربائها في زمن الموت اليومي حتى لم يعد لها محرمٌ يوافق على منحها جواز سفر كما تطلب منها الجهات المسؤولة ..
لمن سأوجه نداء النساء من امثال هذه المهندسة؟ ومن سيستجيب؟
بل من هو القادر على فرض سلطان القانون وحقوق الانسان في بلد تمزق بين ضعاف النفوس من المتعصبين والطائفيين وبقايا البعثيين مؤججي الفتنة والاحزاب المتلبسة بلباس الدين وارادة الولايات المتحدة التي لم تفهم الشعب العراقي ولم يفهمها وكأنها سر من اسرار الكون العجيب وغيرها ممن يتمسحون بكلمة الوطنية والديمقراطية من المجرمين والمنتفعين؟
لا يمكن لحكومة أي كانت ان تحل ازمة شعبها وهي لازالت اسيرة فكر ديني متعصب، ونحن نرى العمائم كل يوم تزداد في عراق يسمونه عراق الديمقراطية، اية ديمقراطية هذه؟ وهل يحق لأصحاب العمائم والمحجبات الحديث عن ديمقراطية وهم لازالوا يتمسكون بفكر القرون الاولى؟
أية ديمقراطية مضحكة يتحدثون عنها؟ وهم يغرقون بظلام الافكار البالية ويتآمرون على كل ليبرالي منفتح ويهمشونه ويبعدونه عن الساحة السياسية والاعلامية ولو تمكنوا من اغتياله لاغتالوه؟
لابد وان يحدد مفهوم كلمة ديمقراطي بالقواميس السياسية من جديد، لتتخلص هذه الكلمة مما علق بها من خطأ ومما تمسّح بها من متخلفين ومتعصبين ووصوليين، حيث صار يمتطي هذه الكلمة كل وصولي انتهازي ومنافق سياسي دنيء، فهل السيد مقتدى الصدر ديمقراطيا؟ وهل نسينا انه قد ضم بصفوفه بعثيين حاقدين مارسوا حتى تشويه الجثث والهجوم على الابرياء من المسيحيين والصابئة المندائيين وعلى طالبات الجامعات؟
هل نسيتم ايها العراقيون ماحدث لطالبات وطلاب جامعة البصرة قبل عامين؟ والذي يحصل للحلاقين والتجار وغيرهم يوميا؟
ام ان السيد عبد العزيز الحكيم مشجع ضرب القامة واللطم وضرب الزنجيل ديمقراطي؟ وهل نسيتم انه حين استلم مجلس الحكم وفي ايامه الاولى اراد الغاء قانون االأحوال الشخصية ونسي كل مشاكل العراق، وكأن قضية المرأة و حقوقها هي سبب نزيف الدم العراقي وهي سبب كل المشاكل العراقية؟
عن اية ديمقراطية تتحدث النساء المحجبات بالبرلمان؟ وقد شجع وساهم بعضهن بتظاهرة قبل صدور الدستور تطالب بعدم مساواة المرأة بالرجل؟
اية ديمقراطية وليبرالية تتحدثون عنها وانتم تمنعون النساء من حقوقهن التي كن يتمتعن بها حتى في زمن الطاغية الذي اعتقدناه اسوء زمن ولن يأتي علينا اسوء منه؟
أية مهزلة اريد لنا بها بعد نظام دموي استمر لاكثر من اربعة عقود؟
كان لنا امل بسقوط النظام وبناء عراق جميل وكبر الامل حين رأينا صدام يخرج متعفنا من حفرته مؤكدا على انه اخس واحقر رئيس عرفه التأريخ، وكان لنا امل بعودة الحقوق لاصحابها وتضميد الجراح على عمقها وغرس الورود .. ولكن ...
من المسؤول عن قتل الامل فينا؟
لم تكن القاعدة ولا مجرمو البعث وحدهم المسؤول عن كل مايجري، انما عقول من يحكمون تتحمل المسؤولية الاكبر ...
كلمة ليبرالي او ديمقراطي كلمة ارقى من ان تتمسح بها عمائم الزيف من مشجعي اللطم وضرب القامة وتعذيب الجسد بسلاسل الحديد وكأننا من شعوب القرون الغابرة، ارقى من دعاة استفزاز الناس بأشعار ركيكة مليئة بكلمات الثأر والانتقام والدم وتقطيع الاوصال، وهي بعيدة كل البعد عن مظاهر الطائفية البغيضة التي تستفز الاخر وتوغل بالقتل والتهجي، كما ان كلمة حقوق الانسان لاتمت بصلة لمن يفرض الحجاب على المرأة ولايعترف بحقوقها المقررة لها بالمعاهدات والوثائق الدولية ويعمل على ضرورة مساواتها بالرجل ورفع الحيف عنها بعد كل المعاناة والتضحيات التي قدمتها منذ اكثر من اربعة عقود.
فلمن بعد كل الخراب وفساد الضمائر والعقول نوجه شكاوانا ومن يسمع اصوات المقهورات والمقهورين من العراقيين؟
[email protected]