كلما تأملت ما يجري في دول الشرق الأوسط من فوضى وعشوائية وتخبط وقتل ودمار، تأكدت أكثر بأن القادة السياسيين ومجتمعاتهم في هذه الدول لم يصلوا بعد مرحلة العقل والحكمة، وإنما هم مازالوا في مرحلة المراهقة الفكرية والسياسية تحركهم الأهواء والغرائز البدائية، حتى ولو تظاهروا بالعقل والعلم والمعرفة. والمشكلة أن هؤلاء القادة يقودون شعوبهم المغلوبة على أمرها إلى الكوارث باسم الله والإسلام والأمة والوطنية.

هذه مرحلة صعبة جداً ومؤلمة جداً من مراحل التاريخ لا بد وأن تمر بها أية أمة خلال تطورها الحضاري، حيث تبدأ بالطفولة، مروراً بالمراهقة والصبيانية إلى أن تبلغ سن الرشد وعندها تستخدم العقل بعد أن تلقت المزيد من الكوارث عبر عملية التحولات الحضارية. لذا نرى المجتمعات الغربية المتقدمة هي وحدها التي بلغت مرحلة العقل بعد أن اجتازت مراحل النمو الصعبة، بينما المجتمعات الإسلامية والعالم الثالث مازالت تتخبط بالجهل، تجرجر أقدامها في الخلف، تؤمن بالخرافات وأساطير الأولين، تسيرها الأهواء. ففي هذه المجتمعات المتخلفة تسيطر عليها النزعات الدينية المتشددة، والأنكى أنهم يعتبرون الزعيم الديني-السياسي معصوم من الخطأ، وأن قراراته هي من الله والويل لمن يتجرأ وينتقده، فتهمة الكفر والإلحاد والردة والمروق والزندقة والخيانة والعمالة للأجنبي جاهزة له بالمرصاد.
في 12 تموز/يوليو من هذا العام، وبأمر من quot;القائد الضرورةquot; السيد حسن نصر الله، قام حزب الله اللبناني بقتل عدد من الجنود الإسرائيليين واختطاف اثنين آخرين وأسرهما، بحجة مقايضتهما مع أسير لبناني واحد في سجون إسرائيل. وكانت اللعبة مكشوفة، إذ تزامن هذا الإجراء مع عقد مؤتمر الدول الصناعية الكبرى في بتروسبورغ، الذي كان من جدول أعماله مناقشة برنامج إيران النووي، واحتمال أخذ إجراءات ضدها، والغرض من عمل حزب الله هو إشغال المؤتمر المذكور بالأزمة اللبنانية. وكانت النتيجة وبالاً على الشعب اللبناني، وقائمة الكوارث باتت معروفة. والغريب أن هذه الكارثة التي دعا حزب الله إسرائيل لإنزالها على لبنان، عدها الشارع العربي quot;نصراً إلهياًquot; كبيراً وهزيمة كبرى لإسرائيل!!. ولكن أخيراً اعترف السيد حسن نصر الله بلسانه قائلاً: quot; لو كنا نعتقد، ولو بنسبة واحد بالمئة، أن خطفهما (الجنديين الإسرائيليين) سيؤدي إلى ذلك لم نكن لنقدم بالتأكيد على هذا الفعلquot;..

واعتقدنا يومها أن السيد قد تعلم درساً من هزيمته وسوف يفكر عشرين مرة في المستقبل قبل إقدامه على خطوات أخرى مماثلة من شأنها أن تقود شعبه إلى كوارث جديدة. ولكن وكما يبدو أن العقل في هذه المنطقة من العالم في إجازة طويلة المدى، والأوامر تأتي له من أسياد السيد في إيران وسورية الذين يدفعون له quot;الأموال الطاهرةquot; من الخمس والزكاة. quot;لقد عادت حليمة إلى عادتها القديمةquot;، ولكن هذه المرة، وبدلاً من التحرش بإسرائيل، وجه حزب الله مغامرته ضد الحكومة اللبنانية المنتخبة، وبالذات ضد رئيسها السيد فؤاد السنيورة بغية إسقاطهما، بحجة أن هذه الحكومة عميلة للغرب، وكما قال مرة أنها حكومة السفير الأمريكي (كذا). بدأت الحملة باستقالة وزراء الشيعة، ثم تبعتها جريمة اغتيال وزير الصناعة الشهيد بيار الجميل، المناهض للنظام السوري لكي يفرضوا إسقاط الحكومة دستورياً وذلك بتغييب عدد أكبر من الوزراء، إما عن طريق الاستقالة أو القتل. وهذا يعني أنهم يحتاجون تغييب وزير آخر فقط لكي يسقطوا الحكومة. ثم كانت حملة محاصرة الحكومة.

وبمثل ما جاء تحرش حزب الله بإسرائيل متزامنا مع مؤتمر بترسبورغ لصالح برنامج إيران النووي، كذلك جاء خروج هذا الحزب على حكم القانون والعصيان ضد حكومة السنيورة متزامنا مع قرار المحكمة الدولية للنظر في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري، لإنقاذ سوريا المتورطة في الجريمة. ولو كانت سوريا بريئة حقاً من هذه الجريمة، لكان من صالحها أن تطالب هي قبل غيرها، بإجراء هذه المحاكمة الدولية لكي تثبت براءتها من التهمة. ولكن كما يقول المثل (يكاد المريب يقول خذوني)، فسوريا تعرف أن هناك أدلة ضدها ومتورطة في اغتيال المعارضين اللبنانيين، لذلك تعمل كل ما في وسعها بما فيها تحريك حزب الله لخلق المشاكل للحكومة اللبنانية المنتخبة وابتزازها وإسقاطها من أجل إنقاذ الحكومة السورية من الفضيحة.

من كل ما تقدم نعرف أن حسن نصر الله لم يتعلم أي درس من أخطائه السابقة، ومازال مصراً على حرمان لبنان، البلد الصغير الجميل، من الأمن والاستقرار. فكما قال رئيس تكتل laquo;المستقبلraquo; النيابي، النائب سعد الحريري laquo;ان حزب الله مسؤول بالدرجة الأولى عن نزع فتيل الانفجار من الشارعraquo; وإن laquo;جوهر المأزق الذي يعيشه لبنان حاليا هو في وجود مخطط سوري ترعاه إيران لوضع اليد مجددا على الشرعية اللبنانيةraquo;. كما وصرح سماحة الشيخ محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان، أن ما هو قائم حاليا من اعتصام أمام مجلس الوزراء إنما هو لدوافع مذهبية نتجت عن تحريض خارجي. (الشرق الأوسط، 6/12/2006).

فيا ترى من المستفيد من هذه الفوضى التي أشعل فتيلها حزب الله؟ يتهم حزب الله حكومة السنيورة بالعمالة للغرب، لأن هذه الحكومة وجدت من مصلحة الشعب اللبناني أن يكون لبنان على علاقة جيدة مع الغرب. وهذا التحرك الذي يقوده حزب الله لإسقاط الحكومة ليس في خدمة لبنان، بل في صالح إيران وسوريا. إذ كما يؤكد رئيس تحرير صحيفة quot;كيهانquot; الإيرانية حسين شريعتمداري أن quot;حزب الله هو إيران في لبنانquot;، ويقول عنه أمير طاهري في وول ستريت جورنال quot; أن حسن نصر الله يقبل يد خامينئي كلما التقيا، ويحرص أثناء زيارته الرسمية إلى طهران على أن يلتقي وحده دون سواه القائد الأعلى الإيراني على خامينئي ليتلقي منه الأوامرquot;؟. (مجدي خليل، إيلاف، 230/10/2006).
وهذا يعني أن السيد نصرالله يخدم مصالح إيران وسوريا على حساب مصلحة الشعب اللبناني المغلوب على أمره. ولذلك نحن نسأل السيد نصر الله، أليست هذه عمالة مفضوحة وبامتياز شديد؟ وأين العقل من كل هذا؟ أليست هذه صبيانية ومراهقة سياسة بأوضح صورها؟ وهل إذا قادت تصرفات نصر الله لبنان إلى كارثة أخرى كما حصل بعد مغامرته غير المحسوبة العواقب مع إسرائيل في تموز/يوليو الماضي، فهل سيطلع علينا ليعلن ندمه ثانية ليقول أنه لو كان يعتقد، ولو بنسبة واحد بالمئة، أن تصرفه هذا سيؤدي إلى ذلك لما أقدم على هذا الفعل؟ أم سيأخذه العز بالإثم ويعتبر الكوارث المنتظرة quot;نصراً إلهياًquot; آخر؟