بعيدا عن أية فذلكات قانونية أو سياسية أو إعلامية، فإن المحاكمات الجارية حاليا ضد أقطاب ورموز النظام العراقي البائد في العراق قد دخلت في نفق مسدود من الفشل، والخيبة، والإحباط، وسوء الإدارة، وعدم إحترام لا التاريخ ولا دماء الشهداء الذين سقطوا في مقارعة النظام البعثي ومن أجل تحقيق الديمقراطية و سيادة الحرية في العراق؟، فتلك المحاكمات بطريقها المسدود وبغوغائية فريق محامي الدفاع خصوصا قد شكلت حالة شبيهة بمسلسلات المكسيك التلفزيونية التي لا تنتهي وتدور في حلقات مفرغة مستمرة من الحب والجنس والجريمة والكوارث..! وكذلك حال المحاكمات الدائرة حاليا؟، فالعراق يغلي بأحداث دموية جسام وهو يعيش اليوم على إيقاعات حرب أهلية وشيكة ومدمرة، فيما يتسابق الدفاع والمدعي العام في التنافس على أولوية ( البيضة والدجاجة ) في الخلق والتكوين!.
المجرمون الذين يجلسون اليوم في قفص الإتهام مارسوا من الجرائم والتقتيل والتشريد بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة ما لم يمارسه أحد من أعتى القتلة في تاريخ البشرية الحافل بالمجرمين من الحكام؟ ومع ذلك فقد نجح الإعلام في عكس الصورة وتصوير أولئك القوم وكأنهم ( ملائكة )!! ومناضلين!! ومتحدين للهيمنة الأميركية؟ تصوروا عندما يدافع رئيس محكمة الثورة القراقوشية الإرهابية ( عواد حمد بندر السعدون )!! عن قراراته السابقة بالإعدام بالجملة والمفرق وعلى ( الطاير)!! ثم يبرر ذلك بالدفاع عن العراق؟ وكل العراقيين يعلمون من أن ( محكمة الثورة ) لم تكن لتستحق لقب ( محكمة ) بل تستحق لقب وتسمية ( مجزرة )! فالداخل مفقود والخارج مولود! وحجم الإنتهاكات المخزية فيها لا تجعل من يدافع عنها وعن حكامها اليوم مشتركا بالجريمة! بل يمكن إعتباره خارج سياق الإنسانية؟ فمحامو الدفاع في محكمة الثورة كانوا يتسابقون من أجل إنزال حكم الإعدام بموكليهم!!، وقرارات الإعدام كانت تتخذها لجنة ما كان يسمى بالسلامة الوطنية في مجلس الأمن القومي والمكونة من كل من : ( عزة الدوري أبو الثلج، وطه ياسين رمضان، وطارق عزيز، وسكرتير صدام السابق عبد حمود حميد!!! ويرأسها طبعا صدام حسين!! ) وكان القاضي ( البندر ) ينفذ تلكم القرارات المزاجية بإعدام الأرواح البشرية ثم ينام مرتاحا!! وكثيرا ما كانت قرارات الإعدام وتنفيذها تستبدل ويعدم أبرياء مفترضين ويطلق سراح المتهمين المفترضين بفعل قوة الرشوة!! ولكن المحاكمات الجارية حاليا لم تأت على ذكر هذه النقطة المحورية والهامة؟ كما أن الجلادين من حكام ( محكمة الثورة ) الذين سبقوا أو خلفوا البندر لم يأت أحد على ذكرهم وكانت أحكامهم مثالا للإرهاب السلطوي مثل ( مسلم الجبوري) أو ( هادي وتوت )...! ومحامو الدفاع الذين تزايدوا بإضافة المحامية اللبنانية الجديدة بعد المحامي القطري والفلسطيني لا يعلمون شيئا عن تلكم الأمور؟ و حتى إن علموا فالتفسيرات والتبريرات جاهزة.. إنها الحرب المقدسة ضد الإمبريالية والصهيونية؟ كما أن قضية و مجزرة الدجيل رغم بشاعتها تظل واحدة من أبسط قضايا وملفات النظام البعثي البائد السوداء، وقد أظهرت المجرمين والمتهمين وكأنهم يدافعون عن العراق والأمة العربية وهم يسلخون بجلود مواطنيهم من الفلاحين والبسطاء بذريعة أن رئيسهم تعرض لإطلاق الرصاص في المنطقة!! فهل النخيل والبساتين المجروفة هي من شارك في الإغتيال؟ وهل النساء والأطفال والشيوخ لهم أدنى علاقة بما تم؟ وهل يعدم العشرات من الأبرياء بجريرة أفعال قام بها حزب سياسي معارض؟ أم أنها عقلية الإنتقام التي فشل الإدعاء العراقي العام الضعيف والمشوش في إبرازها وبما أتاح المجال لمجموعة الدفاع الغريبة والعجيبة و المشعوذة في اللعب على الكلمات ومحاولة الظهور الإعلامي البائسة أو ركوب موجة البطولات الهوائية وخصوصا ذلك المحامي القطري الذي لا يعرف حتى أصول وقواعد الكلام الفصيح باللغة العربية رغم أنه كان وزيرا!! وللعدل.. يا حلاوة؟... كان من الممكن أن تبدأ عرض قضايا وجرائم البعث البائد منذ بداية أيام التسلط الفاشي في عام 1979 حينما أعدم صدام وزمرته رفاق العقيدة البعثية في المؤامرة المعروفة والمفبركة التي أعدم فيها 22 من كبار قياديي البعث وظلت العديد من صفحاتها مجهولة حتى اللحظة؟ وهي قضية لها جذورها وخلفياتها الوطنية الجامعة والتي قد تفسر ألغازها العديد من المصائب التي حلت على العراق فيما بعد؟ وكان من الممكن أن تبدأ المحاكمات بقضية ( الأنفال ) وذبح الشعب الكردي عام 1988 رغم ما يحمله ذلك الملف من إحراج للعديد من القوى الدولية؟ لقد كنا نتمنى أن نرى ( جلادو البعث ) في محاكمة شاملة وسريعة وتاريخية من أمثال ( علي كيمياوي ) وزمرته وهم يكشفون أدوارهم الإجرامية الرهيبة في تدمير العراق وتكسيح الأمة العربية بدلا من متابعة بعض قادة الصف العاشر من حزب البعث وهم ينفون عن أنفسهم تهمة المشاركة في تجريف بساتين الدجيل!! كنا نتمنى أن تفتح ملفات ( غزو دولة الكويت ) تلك الجريمة القومية والتاريخية الكبرى التي شكلت منعطفا في تاريخ الستراتيجية السياسية الكونية!! ولكننا رأينا بدلا من ذلك إستجوابات مملة، وشخصيات مهزوزة، ونقاشات عقيمة!!... ويبدو أن مسلسل الفشل العراقي قد إمتد ليشمل كل شيء متحرك في العراق... فجرائم البعث العراقي أكبر كثيرا من أن تختصر في بساتين مجروفة وفي عشرات من المذبوحين... لقد ذبح البعثيون الأمة من الوريد حتى الوريد... ومع ذلك ما زال هناك من يدافع عن القتلة!!.. إنه العالم العربي المنكوب بعقلية البطولات الوهمية وتمجيد القتلة والمجرمين.
التعليقات