خسـرو علي أكبـر- باريس
من المعروف أن االفكر الشوفيني لايزول بالتزامن مع زوال الإنظمة الشوفينية التي تبنته وسعت الى ترسيخه في الحياة المجتمعية، . ويمكن إعتبار النموذج الايطالي مثالا تاريخيا بارزا في هذا الصدد، فقد تم دحر النظام الفاشي بزعامة موسوليني دون أن يعني ذلك في أي حال من الأحوال زوال الفكر الشوفيني من المجتمع الايطالي، إذ ظل منتشرا والى يومنا هذا في أوساط بعض المثقفين والكتاب وحركات سياسية شبه محظورة. إلا أن مايميز الخطاب الشوفيني في المجتمعات المتقدمة عن نظيرها في العالم الثالث، هو التصدي الفكري له في النموذج الأول ودحض أطروحاته وتفنيد مزاعمه ودعاويه الزائفة، أما في مجتمعاتنا الشرق أوسطية، فقد ورثت الحركات الدينية وللأسف الشديد غوغائية هذا الخطاب وأدرجته في النسخة الرديئة من خطابها الميتافيزيقي.، فتحول الآخر من أجنبي حاقد والى زنديق كافر.
و يصدق الأمر على الشوفينية العروبية التي لاتطيق وجود الآخر إلا في منزلة أقل من منزلتها، والتي مازالت أسيرة منطق المفاضلة والتفاخرالزائف الذي يعفيها من النقد الذاتي، فهي وبسبب الغوغائية الحديثة، أعادت إجترار مقولاتها البالية، لذا نصادف بين الحين والآخر صحفيين وسياسيين عربا، مازالوا يعيشون في أوهامهم ولم يدركوا بعد أن الشعوب قد أحالت الخطاب الشوفيني الى المتاحف والمزابل، كما أنها دشنت مرحلة جديدة من الإنفتاح على الثقافات الأخرى قوامها الترجمة والحوار البنّاء.
ويبلغ الخطاب الشوفيني ، درجة من العماء يصير من الصعب حينها معالجته فضلا عن محاورته، ولنأخذ الدكتاتور المخلوع صدام حسين مثالا في هذا الصدد، فهو لم يستجب لمحاولات القاضي التي طلبت منه الدفاع عن نفسه باعتباره متهما بارتكاب جرائم وحشية ضد الانسانية، بل تمادى في إلقاء خطابه التافه، ومايهمه هو الدوران حول ذاته المريضة بغض النظر عن إستجابة وردود فعل الآخرين، والحالة تصدق على رموز هذا الخطاب، فهم يتعمدون إثارة النعرات القومية،. وتندرج تهمة كالشعوبية وماشاكلها من المفردات المستلة من القاموس البعثي المنقرض، في صلب خطابها. وقد كتب أحدهم مقالات مليئة باأكاذيب تسعى الى الحط من شأن الشعوب الأخرى، وهو بذلك أساء لنفسه أولا، إذ بذل جهدا صب في الإتجاه المغاير لمبتغاه، فحاول أن يبرهن على شوفينية الآخر (الفارسي) لكنه أثبت شوفينيته، وأساء لمهنة الصحافة التي تستوجب الدقة والموضوعية وطرح الأدلة والبراهين في القضايا الحساسة، وهنا توضيح لبعض النقاط :
1- ماذا يعني مصطلح الشعوبية ومن هم شعوبيو القرن الواحد والعشرين؟ فمن المعروف من الناحية التاريخية أن هذا المصطلح شاع في العصرين الأموي والعباسي، وكان يراد منه أبناء القوميات غير العربية ومن أيدهم من العرب في المطاليب السياسية والاقتصادية، أما إعتماد هذا المصطلح في الخطاب العروبي الشوفيني فإنه ينطوي على مفارقة كبيرة تثبت مدى تخلف وجهل رموز هذا الخطاب وتقيدهم بالنزعة الماضوية، وكأنهم لم يفهموا بعد أن مبررات توظيف هذه التهمة ضد القوميات الأخرى قد تلاشت بسبب استقلالها الذاتي وتأسيس الدولة العصرية.

ولم يميّز مروجو الخطاب الشوفيني بين الشعوبية كحركة سياسية واجتماعية تكوّن العناصر غير العربية أغلبيتها الساحقة، وتبلورت تجربتها في ظل نظام سياسي يحكمه العنصر العربي (في العصرين الأموي والعباسي)، وبين النزعة العنصرية للنخب االسياسية والثقافية لمجتمعات تنتمي الى مفاهيم الدولة العصرية، وباختصار أن هدف العنصري هو تحقير الآخر وعدم الإعتراف بحقوقه وتثبيته في الهامش (كأقلية غير مرغوب فيها أو مواطنين من درجة ثانية)، أما مطاليب الحركة الشعوبية فيمكن تلخيصها بالسعي الى كسر طوق التهميش.
أما المقاربة بين الشعوبية والماسونية، فهي تنطوي على مغالطات ومفارقات كثيرة ففيما عاشت الأولى في عهد زمني محدد، انتهت مع انتهائه، فان استمرار الحركة الماسونية لايعني على الاطلاق أنها تتابع ذات البرامج والأهداف التي إعتمدتها منذ تأسيسها في القرون الماضية،، والقول بأنها تتابع نفس الأهداف والبرامج هو وهم من أوهام الشوفينية العربية، ومما له دلالة في الموضوع ذاته أن الدول العربية التي حكمها ملوك إتهمهم الشوفينيون بالانتماء للماسونية هي الدول الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط.

2-
يكاد يجمع النقاد المتخصصون في الأدب المقارن على وجود نزعات عنصرية في المرحلة الكلاسيكية وفي آداب جميع شعوب العالم، ويمكن الإستشهاد بعشرات الأبيات الشعرية لعمالقة الشعر العربي، وسيكون من السخف إتهام النخبة الحاكمة والمؤسسة الدينية في قطر عربي ما بتهمة معاداة الفرس لطباعة ديوان شاعر جاهلي لأنه يضم أبياتا تحتقر وتقلل من شأن الفرس مثلا، وإذا جاز ذلك من باب الفرض والإحتمال فستكون النخبة الحاكمة في ايران متهمة وفق هذا الاستنتاج بمعاداة الفرس والتعصب للعرب كونها أصدرت من خلال مؤسساتها الثقافية عشرات الدواوين لشعراء عرب، من العصرين الجاهلي والاسلامي وتضم قصائد تحتقر الفرس وتتفاخر بجهلها:

3-
ليس من باب الدفاع عن الرئيس الايراني السابق وانما من باب قطع الطريق على المأزومين العرب الذين يحاولون زرع الحقد والكراهية بين الشعوب، أذكّر كاتب المقال أن
اعتراضه على الرئيس خاتمي بسبب إصراره على اطلاق تسمية الخليج الفارسي هو إعتراض عديم القيمة ولامبرر له، ويكفي الإطلاع على كتابات العديد من المؤرخين العرب وفي مقدمتهم الكاتب الشهير جرجي زيدان وماورد في الصفحة 43 من الجزء الثاني من كتابه quot; تاريخ التمدن الإسلاميquot;:laquo;بحر فارس ـ ويراد به عندهم كل البحور الميحطه ببلاد العرب من مصب ماءدجله في العراق الي ايله فيدخل فيه مانعبر عنه اليوم بخليج فارس و بحرالعرب و خليج عدن و البحر الاحمر و خليج العقبه... raquo;.

وقد جاء في موسوعة المورد، قسم الأدب والعلوم صفحة 66 الطبعة التاسعة عشرة الصادرة عام 1966، عن البحرين مايلي: laquo;البحرين: مجموعه جزربالقرب من شاطي الغربي للخليج الفارسي 000/115 اكبرها جزيره المنامه... raquo;. وكذلك يوردالدكتورانيس فريجه في ترجمته لكتاب الدكتور فيليب حتي quot; بيروت 1969quot; تركيب الخليج الفارسي. أما الدكتور عبد المنعم سعيد فقد أكد في مساهمته في كتابquot;تطوير العلاقات المصرية العربيةquot; الصادر عن مؤسسة الدراسات والبحوث السياسية عام 2002 على عدم وجود وثيقة تاريخية واحدة يمكن الإستناد عليها في تغيير إسم الخليج الفارسي، وحتى في خطابات الزعيم جمال عبد الناصر وقادة الثورة تم أستعمال تسمية الخليج الفارسي. وأذا كان تغيير التسمية يثير الألم لدى الشعب الايراني فعلينا أن نعترف بالحقيقة وان نمتلك الشجاعة في الاعتراف بالحقائق الموضوعية. كما إعتمد تسمية الخليج الفارسي الكثير من المثقفين العرب وفي مقدمتهم الفيلسوف العربي عبد الرحمن بدوي والمفكر العراقي الراحل هادي العلوي والبرفسور المغربي عبدالله تازي. وبذلك يكون الدفاع عن التسمية المعتمدة في المواثيق الرسمية العالمية حقا طبيعيا وبديهيا لايران ولرئيسها السابق السيد محمد خاتمي، وهو أمر يمكن مناقشته من ناحية قانونية ودولية عبر السبل السلمية وليس من خلال أطلاق التصريحات النارية المتشنجة.
4-
من المستبعد أن تصدر من خاتمي تصريحات تدعو للقطيعة مع الثقافة العربية نظرا لمشروعه الجاد في حوار الحضارات، ولقاءاته المتواصلة مع كبار الشخصيات الثقافية والفكرية العربية وعلى متهميه بالشعوبية أن يذكروا المصدر مراعاة للدقة والموضوعية.أما أن تكون الشاهنامة فخرا للايرانيين ومصدرا للإعتزاز، فذلك أمر في غاية البداهة، والفقرات التي يطبل لها منتقدو الفردوسي المتسمة بالطابع العدائي ضد العرب هي، في حقيقة الأمر فقرات مشكوك فيها، وهي في كل الاحوال مرفوضة من شاعر بحجم الفردوسي وفي ملحمة خالدة هي من مفاخر تراث الانسانية، لكن المحير في الأمر هو تغييب كل الأبعاد الانسانية العظمى والتركيز على الجانب المظلم من التاريخ القديم.
ونورد هنا نص الفقرات التي وردت في خطاب الرئيس الايراني خاتمي، وبإمكان القراء العرب مراجعة المزيد من تصريحات الرئيس الايراني عبر إرشيف الصحف الرسمية العربية التي تصدر في إيران والموجودة على شبكة الانترنيت ليتبين بنفسه حجم الأكاذيب التي يروجها أيتام الفكر الشوفيني العروبي.
فقرات من خطاب خاتمي: quot;
ان الفردوسي هو رمزإحياء الهوية الثقافية للشعب الايراني، وهو إضافة الى سرده للأساطير الايرانية بلغة فاخرة، كان نموذجا للحكيم الذي إستلهم الحكمة والعلوم والفكر الاسلامي. لم يهتم الفردوسي في ملحمته بتاريخ الملوك والأباطرة وإنما صب إهتمامه على القيم السامية كالوفاء والشهامة. الشعب الايراني هو في طليعة الشعوب المسلمة التي قدمت إنجازات كبيرة في مسيرة الحضارة الاسلامية... اللغة والأدب هما ركيزتان مهمتان في هوية الشعوبquot;.

من حق الايرانيين، إذا، الإفتخار بإسهامهم في الحضارة الاسلامية ولكن ما لايحق لهم هو إعمال مقارنات تفاضلية تقلل من دور الآخرين في الحضارة الاسلامية. واللافت في مقال أحد كتاب quot;ايلافquot; والمنشور بعنوان quot; حوزة قم الدينية تتبنى تدريس مناهج الشعوبية!quot; أن جميع الفقرات التي أرادها أن تكون دليلا على عنصرية الايرانيين تخلو في الحقيقة من أية مفاضلة ومقارنة. واللافت أكثر هو إصدار احكام نقدية صارمة على عمل أدبي عظيم يعتبر من كنوز الأدب الانساني، فهل سأل كاتب المقال نفسه عن مؤهلاته وقدراته الأدبية التي تتيح له تقييم الشاهنامة وهو الذي لايجيد حتى لغته الأم إذ يحفل كل مقال من مقالاته بمعدل ثلاثة أخطاء في السطر الواحد! أم أن مؤامرة شعوبية كانت هي السبب وراء اخطائه. فالحديث عن الشاهنامة يتطلب معرفة حقيقية وعميقة بالأدب الفارسي والعودة الى المصادر الأصلية لا الإستشهاد بمقولات شوفينية منشورة في صحيفة غير نزيهة يديرها واحد من رموز الثقافة البوليسية الصدامية البائدة.

5-
الحوزة الدينية التي يتهمها كاتب المقال بالشعوبية هي التي أصدرت من الكتب العربية التراثية ما يفوق أصدارات جميع الدول العربية مجتمعة في المجال ذاته، وهي التي ترجمت الأعمال الكاملة لأحد رموز الفكر القومي العربي quot;محمد عابد الجابريquot; ومؤلفات المفكرين العرب الكبار مثل البرفسور محمد أركون والدكتور نصر حامد أبو زيد (الكتب صدرت عن مؤسسة آيينه بجوهش:مرآة الفكر بمدينة قم). والمرشد الأعلى السيد خامنئي هو من صرّح في إحدى زياراته الى إقليم خوزستان أن الشعرالشعبي العربي في هذا الإقليم يضاهي في رقيه وجودته الشعر العربي المعاصر. وقد ساهم كاتب السطور مع شاعر عربي خوزستاني في ترجمة نماذج عديدة من quot;دارميات ومواويل quot;الى اللغة الفارسية نالت إعجاب الشعراء الايرانيين. وانطلاقا من أدب الحوار على زميلنا الأهوازي أن لايسخر من شعب برمته بسبب إرتفاع نسبة الأدمان والجرائم فالفقرة التي نوردها هنا والمقتبسة من مقاله المنشور في الأول من أبريل تدل على انحطاط اللغة الصحفية والعقليه السياسية وتفتقر الى الطرح المنطقي وتكاد تندرج في باب المهاترات: quot;وأما قوله أن الأمة الإيرانية تصلح لتكون على هرم الثقافة العالمية! أليس هذا أمر مبالغ به.ترى هل يقصد سماحته بتلك الثقافة التي يريدها أن تكون على قمة هرم الثقافة العالمية هي ثقافة الحشاشين والمدمنين الذين يملئون شوارع وساحات المدن الإيرانية ؟. حيث أن آخر إحصائية رسمية إيرانية تأكد ان عدد المدمنين المسجلين رسميا بلغت بحدود الثلاثة ملايين مدمن وان كمية المخدرات التي تستهلك يوميا في طهران وحدها أكثر من أربعة ملايين طن من مختلف أنواع المخدرات.
أما جرائم القتل و الجرائم الاجتماعية الأخرى فقد تضاعفت نسبة معدلاتها عشرات المرات عما كانت عليه في عهد النظام البهلوي. وأصبحت عمليات تهريب الفتيات والنسوة الإيرانيات وبيعهن في أسواق الدعارة في دول الجوار من أهم ما تشكو منه الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية الإيرانية.إذن اين هي الثقافة الإيرانية التي يتباها بها خامنئي والتي يريدها ان تتربع على عرش الثقافة العالميةquot;.
وأخيرا على الكاتب أن لاينتقي من هنا وهناك تصريحات لرموز النظام الايراني ويشوهها من خلال ترجمة غير دقيقة ومحرّفة ويدعمها باستشهادات لشوفيننين عرب للبرهنة على (شعوبية!) شعب بكامله. ففي ذلك إساءة لنفسه ولقضيته. وعليه أن يتذكر أن هناك كتابا ومثقفين ايرانيين وانطلاقا من حرصهم على الحوار البناء مع الشعب العربي سيفضحون الأكاذيب وسيفشلون المخططات الخبيثة التي تحاول أن تثير نعرات بال عليها الدهر.