كل كاتب أو أغلب الكتاب يحس بشي من الفرح أو السعادة لما يجد هناك من يتجاوب مع ما يكتب، وربما يزداد فرحا وسعادة فيما إذا وجد أن أحداث الواقع الملموس تسند ما كتب وما طرح من آراء وتصورات، خاصة على مستوى الكتابة السياسية، وقد كنت وعدت القراء الأعزاء أن أكتب عن المكتب الاستشاري للسيد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد أن كتبت ثلاث مقالات بعنوان ( ماذا سيقول المالكي لبوش )، وحاولت العزوف عن الكتابة بذلك ناكثا وعدي للقراء الكرام ــ خاصة وإني مشغول بنص طويل عن لغة الجسد البشري وقد أنجزت ما يقارب نصفه، علما أن هناك ترجمة إنكليزية لملخصه ــ ولكن عندما طالعت نص المؤتمر الصحفي للسيد ا لمالكي مع بوش، ورأيت أن هناك أ كثر من تسعين بالمائة مما صرح به السيد المالكي مطابق لما كنت قد كتبته في هذه المقالات الثلاث، حمدت الله، ووجدتني منساقا بقوة أن أفي بوعدي للقراء الأعزاء، خاصة العراقيين منهم.
ليس بدعا أن يكون للسيد الرئيس مكتبا استشاريا، بل هو عرف سياسي حكومي معروف بل عكسه هو الشاذ والمرفوض، ولكن المشكلة تكمن في المستشارين، وذلك على مستوى قدراتهم، نزاهتهم، تجاربهم، علاقاتهم، منزلتهم....
ليس المهم أن يكون هناك مستشار إعلامي للسيد رئيس الوزراء، ولكن من المهم أن يكون هذا المستشار من ذوي الخبرة العلمية والعملية، أن تكون سابقة في مجال الإعلام العالمي والمحلي والاقليمي، لم يكن عبد الناصر غبيا لما أختار محمد حسين هيكل مستشارا إعلاميا، فالرجل يتكلم أكثر من لغة، وسبق له أن ذهب إلى كوريا كمراسل حربي، وغطى أحداث إيران في ثورة مصدق والكاشاني، وكان من الصحفيين المعروفين في الحرب العربية الإسرائيلية في البداية، وله ثقافة سياسية واسعة، فهو صاحب أ فق وصاحب معرفة ومدرسة بالتحليل السياسي، ولم يكن كاتبا في جريدة بائسة لا تتعدى حدود انتشارها مدينة بسيطة مثلا! ولماذا مستشار صحفي واحد؟ لماذا لا يكون للسيد رئيس الوزراء لجنة من الصحفيين المحترفين؟ سيقولون : ليس في العراق صحفيون من هذا النوع، وكأنك تدعونا أن نستعين بالعلمانيين!
نعم، على السيد رئيس الوزراء أن يستعين بالعلمانيين إذا كانوا مخلصين، وذوي خبرة ومعرفة ودقة ومهارة، أليس ذلك من صلب الإسلام؟
ليس المهم أن يكون لرئيس الوزراء مستشار سياسي، ولكن المستشار السياسي ليس ذلك ( الحزبي ) الذي يجيد معركة داخل الحزب للإطاحة بهذا والإتيان بذلك، لتأجيل مؤتمر حزبي ليس في صالحه، وزج مجموع من الأقارب والأصدقاء في المؤتمر اللاحق من أجل أن يرتفع رصيده داخل المؤتمر، بل المستشار السياسي هو الذي يدرك المعادلة العالمية، ويتمتع بقدرة كبيرة على ( التوقع السياسي )، وفي تصوري أن السيد المالكي وهو يريد أن يختار مستشاريه السياسيين في المستقبل سوف يسأل أي واحد من هؤلاء عما طرحه من توقعات سابقا، وعما عرضه من تحليلات لما يجري في العالم، وكم قدم في هذا المجال...
أليس من المعقول أن يكون مستشار السيد رئيس الوزراء السياسي من ذوي الاختصاص بالجغرافية السياسية مثلا؟ لا أعتقد أ ن العراق خلو من شخصية تشبه أو تقارب شخصية المفكر المصري الراحل ( جمال حمدان ) كي يجلس إلى جانب السيد رئيس الوزراء ليدلي له برأيه عما يمكن أن تتمخض عنه نظرية الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط ــ مثلا ــ
ليس المستشار السياسي ذلك الذي يجيد اللعبة الحزبية داخل حزبه، بل هو الذي يستشرف العالم، ويعرف اللعب السياسية العالمية، وله تجارب في التحليل السياسي تشهد له توقعاته وتصوراته المكتوبة والمعلنة.
ليس المهم أن يكون للسيد رئيس الوزراء مستشار ثقافي، ولكن أعتقد أن السيد رئيس الوزراء يفتش عن مستشار ثقافي عارف بنظرية الثقافة من علماء مختصين في علم الاجتماع والنفس والتاريخ.
ليس المهم أن يكون هناك مسئول تشريفات في مكتب رئيس الوزراء، ولكن المهم أن يكون هذا المسئول ذا شخصية جذابة، يتقن فنون الأتيكيت، ويدير الحاضرين بابتسامة نشطة، ودبلوماسية ناعمة، هل من الكفر لو أن الذي يدير مكتب التشريفات شابة جميلة وقورة متخرجة من معهد السكرتارية مثلا؟
ليس المهم أن يكون لرئيس الوزراء مستشار في الاعمار، ولكن سيكون كارثة أ ن يكون هذا المستشار تاجرا أو مقاولا...
لا أستبعد القول بان نجاح السيد رئيس الوزراء، سواء كان المالكي أو غيره إنما يعتمد على ما يعتمد عليهم من مستشارين، ذكاء، حنكة، تجربة، ثقافة، علما، ثم أن يكونوا من ذوي اليد النظيفة، ولم يُعرف عنهم أنهم يدقون باب كل رئيس وزراء يأتي كسبا لوظيفة أو مال!!
أليس وصية الإمام علي عليه السلام للأشتر تقول ذلك؟
كم هو جميل أن يضم مكتب السيد رئيس الوزراء مسلم ومسيحي وصابئي ويزيدي؟
كم هم جميل أن يضم مكتب السيد رئيس الوزراء الاستشاري إسلامي وماركسي وقومي؟
كم هو جميل أن يضم مكتب رئيس الوزراء كتاب وشعراء ومفكرين...
كم هو جميل أن يكون لرئيس ا لوزراء مستشارون قريبون من الحكام والملوك العرب، كي يكونوا نافذة معرفة وتواصل وتفاعل؟