تشير الدلائل الأولية أن زيارة السيد رئيس الوزراء العراقي للملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ناجحة، على الأقل يمكن أن نصل إلى هذا الاستنتاج من الترحيب الحار من قبل الحكومتين بالسيد المالكي، كذلك تصريحات المسئولين من أعلى المستويات التي باركت وأيدت مشروع المصالحة الذي طرحته حكومة السيد المالكي، بل وإعلان كبار القادة هناك عن الاستعداد الكامل لدعم المشروع، على طريق تحقيق الاستقرار في العرق، وليس من شك أن مما يصب في هذا المجال، أن يقرر الجانبان العراقي والسعودي، والعراقي الإماراتي على توسيع مجالات التعاون الاقتصادي بين الطرفين، الأمر الذي قد يبشر بخير.
أن قرار حكومة المالكي ليس خطوة بل إستراتيجية، فأن جلب الاستثمارات السعودية والكويتية والإماراتية إلى العراق لا يتعدى تشغيل هذه الأموال وتسييلها في العراق وحسب، بل هي تعني وبالصميم تواجداً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً في العراق، تواجد فاعل، ومتحرك، ومساهم، وليس في ذلك ما يضر باستقلال العراق، ولا يضر بمستقبل العراق، بل بالعكس، إن ذلك سوف يعزز من سيادة العراق على مصيره، واستقلال قراره ا لسياسي والاقتصادي.فلم تعد الاستثمارات قضية أموال، بل قضية حضور بمعنى الكلمة. وبهذه العملية يكون السيد المالكي قد أكد حضور العراق في دائرة انتمائه العربي، وحضور العالم العربي قي أهم مقطع من مقاطع الجغرافية العربية وفي أهم خزين من خزائن الذاكرة في التاريخ العربي، وفي أهم مجال من مجالات الغنى العربي.
لقد أبدى السيد المالكي تفهما عميقا في كيفية التعامل مع مشاكل العراق، وعلى رأسها مسألة السلام الاجتماعي والأمن الاجتماعي، وقد أدرك أن كل ذلك مرتبط بشكل وآخر بتكريس حقائق الأشياء ــ وإن كنت أكره هذا المصطلح ــ وفي مقدمة هذه الحقائق أن مشاكل العراق ليست داخلية، بل هي خارجية أيضا، وإن الحل لا يأتي من الداخل فقط، بل إضافة إلى ذلك يأتي من الخارج أيضا، لا نريد أن نتحدث بلغة ملغزة هنا، فإن قرار أي نظام من أنظمة العالم ليس خالصا، فكيف بالقرارات التي تريد حكومة المالكي إتخاذها في مثل هذه الظروف الصعبة؟ أنه حتما في حاجة إلى الجار، الجار الذي يتفهمك وتتفهمه، ومن هنا كانت مطالبة السيد المالكي بدعم الجار السعودي والكويتي وبين هذا وذاك الإماراتي لجهود حكومته لإسناد العملية السياسية في العراق، وفي القضاء على الإرهاب، وتأييد مشروع المصالحة، إنما يدل على أن السيد المالكي يسير في الخط الطبيعي، ويتحرك في سياق الممكنات المعقولة. لا أريد أن أقول أن السيد المالكي وضع الكرة في ملعب السعودية والكويت والإمارات، فليس ذلك من سياسته كما يبدو، بل أقول أن السيد المالكي وضع هذه الأنظمة الجارة أمام مسئوليتها التاريخية والسياسية، عالميا وأقليميا ووطنيا، ومن هنا يقيننا أن هذه الأنظمة سوف تسارع لاتخاذ ما يلزم لدعم الحكومة المالكية...
فهل سيكون هناك خط ساخن بين كل من بغداد من جهة وبين جدة والكويت والدوحة من جهة أخرى؟
خط ساخن يتم عبره التفاهم المستمر، والتشاور المستمر، والتواصل المستمر...
الخط الساخن سوف يضيف دليلا آخر على جدية الجميع لحل مشاكل العراق وعودة المنطقة إلى وضعها الطبيعي وخدمة شعوب المنطقة بلا تمييز.