منذ أن تولى السيد نوري المالكي مسؤولية رئاسة الوزراء أظهر جهودا تدعو للإعجاب في مواجهة مشاكل العراق بوضوح وصراحة وشفافية، وما دعوته إلى مشروع المصالحة الوطنية، إلا أحد مفردات هذه الجهود التي كان الشعب العراقي ينتظرها بفارغ الصبر، وليس سرا إذا قلنا أن مشروع المصالحة بما يحمل من دعوة جادة إلى الحوار العراقي / العراقي، وإلى الحوار بين الحكومة والجماعات المسلحة التي لم تتورط بدم العراقيين بهدف إنقاذ البلد مما هو فيه من أزمة مخيفة، إنما قد يشكل الفرصة الأخيرة على هذا الطريق. ومن هنا تتحدد وظيفة كل الأطراف ذات العلاقة بدعم المبادرة وشد عزيمة السيد رئيس الوزراء لمواصلة العمل على هذا الطريق. وبكل صراحة تشخص هنا مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها، والسبب بسيط ولا يحتاج إلى كثير من التفكير والتساءل، فهي اللاعب الأكبر في البلد، بل وفي المنطقة كلها، وهي التي أعلنت عن مسؤوليتها الجادة بتحرير العراق من الحكم الديكتاتوري ومساعدة الشعب العراقي على بناء حكومته الديمقراطية التعددية، وهي متواجدة على أرض العراق بثقل عسكري كبير، وسياسي فاعل، وهي التي تشرف على الكثير من المشاريع السياسية والبرلمانية، وبالتالي، هي الرقم الأكبر ، أو اللاعب الأكبر في القضية برمتها.
أن مشروع المصالحة الذي طرحته حكومة المالكي يجب أن يحظى بدعم أمريكي مضاعف، يتجاوز التأييد الكلامي والإعلامي، فإن المشروع بحد ذاته يعود هو الآخر بالنفع الكبير على حكومة بوش نفسها، فضلا عن كونه مشروعا يهم كل العراقيين، بل وكل المنطقة ، فمن المعروف إن الشارع العراقي بدأ يظهر تململه من الإدارة الأمريكية، مشككا بجدية مواقفها من العملية السياسية الهادفة إلى إحلال الديمقراطية، ونشر السلام الاجتماعي، وخلق عراق مستقر آمن، ومن هنا، ستكون الولايات المتحدة الأمريكية تقدم أدلة قوية على تعزيز هذا التشكيك فيما إذا اكتفت بالدعم الكلامي والإعلامي لمشروع المصالحة الوطنية الذي طرحه السيد نوري المالكي.
أن الولايات المتحد ة الأمريكية تملك الكثير من المفاتيح التي يمكن أن تستخدمها لدعم هذه المبادرة، وفي المقدمة أن تفتح المجال لهذه الحكومة بالعمل بحرية، وعدم التدخل في خططها الرامية إلى إنجاح مشروع المصالحة، وفي سياق ذلك، أن تقدم لها كل الممكنات المعلوماتية اللوجستيكية والمخابراتية في حربها ضد القتلة الإرهابيين، الذين يعدون العقبة الأولى إزاء كل محاولة لإحلال السلام والأمان في العراق.

أن الولايات المتحدة الأمريكية مدعوة للضغط الجدي على بعض الأنظمة التي تساهم بشكل وآخر بدعم الإرهابيين، وليس من شك أن حكومة السيد بوش تملك معلومات مفصلة عن هذه الحقيقة المرة.

أن مشروع المصالحة ثورة سياسية، ثورة أخلاقية، وهي المدخل الطبيعي بل الوحيد لإنقاذ البلد من فوضى عارمة،قد تنذر بخطر يعم البلد كله، ثم ينتشر في العالم العربي والإسلامي تباعا، ومن ثم، وكل ذلك ينذر بوضع عالمي متأزم، وخطير.

أن حكومة السيد المالكي لا تملك عصا سحرية لإنجاح مشروع المصالحة، بل يحتاج إلى دعم كل دول الجوار، خاصة القريبة منه، اللصيقة بحدوده، ونعتقد يمكن للدول الخليجية أن تقوم بدور فاعل ومؤثر في هذا المجال، وفي تصورنا أن من واجب حكومة بوش أن تفتح ملف هذه المشروع مباشرة مع دول الخليج وحثها على دعم المشروع رسميا، وبكل ثقلها، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما تلعب دورها في لبنان وبعض دول القارة الإفريقية. وليس من شك أن زيارة السيد المالكي إلى المملكة العربية السعودية، وما سوف يتبعها من زيارات لباقي الدول، تكشف عن رغبة السيد رئيس الوزراء بدعم ومساندة هذه الدول لمشروعه العراقي الكبير، وبذلك يكون من المناسب جدا، أن تدخل حكومة بوش على هذا الخط، بالتواصل الجدي مع هذه الدول للغاية ذاتها.
تفيد الاستطلاعات أن بوش يعاني من تدهور في شعبيته، وينعكس هذا على مستقبل حزبه كما هو معلوم، وهناك شبه اتفاق أ ن شعبية بوش وشعبية حزبه متوقفة على مقدار نجاحه حكومته وفشلها في العراق، ومن هنا نرى أن دعم هذه الحكومة للسيد رئيس الوزراء ا لعراقي، إنما يصبب في صالح بوش، وصالح مستقبل الحزب الذي ينتمي إليه.
إن دعم الولايات المتحدة الأمريكية الجدي والفاعل لحكومة المالكي بشكل عام،وعلى صعيد مشروع المصالحة الوطنية بشكل خاص، ضرورة استراتيجية بالنسبة لمستقبل أمريكا في كل المنطقة، فهناك شبه أجماع على ربط مستقبل إمريكا في منطقة الشرق الأوسط بما سوف تنجزه في العراق، وذلك على مستوى الأمن، وإنجاز فكرة النظام الديمقراطي، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب...
لقد زار السيد بوش العراق، واجتمع بالسيد المالكي، وبارك له تسلم قيادة العراق، ووعد بان أمريكا جادة بدعم حكومة السيد المالكي، ولكن كما نعتقد أن هذا الدعم يجب أن يتحول من الكلام إلى الفعل، وذلك لا يكون إلا بوضع كامل الإمكانيات والممكنات بين يدي السيد المالكي، وبدون تدخل بخطط الحكومة، ومن خلال مصارحة دول الجوار بضرورة الوقوف إلى جانب الحكومة العراقية.