اللعبة السياسية / 7
في أتون الصراع الرهيب من أجل القوة والمصلحة تتفنن العقول السياسية والإرادات السياسية والقوى السياسية والدول والأنظمة و الحكومات في خلق الآليات والأساليب والطرق، وهذا التفنن لا يقف عند حد، يتطور ويتجدد ويتغير حسب الظروف والممكنات والقدرات.
أن تخلقَ شيطانا مؤذيا موجعا لعدوك، وتتبرع في الوقت ذاته بأن تخلص أو تنقذ هذا العدو من هذا الشيطان إنما تمارس لعبة سياسية ماهرة، هذه اللعبة لها تطبيقاتها الكثيرة في مجال الصراع السياسي بين الدول والأنظمة والأحزاب، وكثيرا ما تلجأ إلى هذه اللعبة دول صغيرة ضعيفة في إقلاق دول كبيرة متمكنة، ذات قدرات عالية، في سياق الصراع الذي هو القانون الأكبر في التاريخ.
هذا الشيطان قد يكون خفيا، وقد يكون علنيا، ولكنه شيطان صعب المراس، يتحرك بخفة، يمتلك من فنون الحيلة ما لا يمكن معه ضبطه والخلاص منه بسهولة، ولكن هذا الشيطان في الوقت ذاته هو بيد الدولة أو النظام المصمم له، أو المستفيد منه، الموجِّه له، لا يخرج من قبضته، ولنسمه بالطرف ( الماسِك / بكسر السين ). .
هذا الشيطان قد يكون حزبا، قد يكون عصابة منظمة، قد تكون عشيرة، قد يكون مليشيا عسكرية، قد يكون طائفة... قد يُؤسَّس وقد يكتشف، ولكن في النتيجة الأخيرة هو شيطان، لاعب ماهر، يقلق الآخر، يثير أعصابه، لا يدعه يستقر، يفاجئه، يداهمه، يربك راحته...
ولكن هذا الشيطان هو بيد الطرف الآخر من المعادلة، أي الطرف الماسك كم سميناه، يوقفه بلحظات، يسيطر عليه بسرعة، مرهون الوجود أو مرهون القدرة، أو مرهون العمل بهذا الطرف، أي الطرف الأخر من المعادلة، مكشوف بكل تفاصيله تقريبا للطرف الذي أسَّسه، أو الذي أكتشفه...
هذا الشيطان جاهز ولكن حسب الطلب، لا يتصرف من عنده، اللهم إلا بحدود المسموح له من الطرف الماسِك، ولكنه من ناحية أخرى ماكر، يقلق دولة كبرى كما قلت في ظروف خاصة، وحالات معينة.
هل مارست سوريا الأسد هذه اللعبة مع أمريكا مثلا عبر لبنان؟
هذه العدو ربما يكون على الحدود، ربما يكون من الداخل، ربما بين هذا وذاك، ولكنه يلعب، يمارس لعبته بذكاء، يختفي ويظهر، يظهر ويختفي، ربما ناعم الملمس، ربما خشن الملمس، ربما بين هذا وذاك حسب المطلوب في وقته.
أتحدث عن هذه اللعبة السياسية في مجال صراع بين دولة كبرى مثل أمريكا، ودولة صغرى مثل سورية ولنا أن نقيس على أمثلة أخرى.
الطرف الماسك يلجأ إلى هذه اللعبة لأنه لا يقدر على المواجهة الفعلية مع الدولة الكبرى، سوف يخسر حتما في أي مواجهة اقتصادية أو عسكرية مع الطرف الآخر، الطرف الكبير.
ترى ماذا يريد هذا الطرف الماسِك ــ سوريا مثلا ــ وهو يخلق هذا الشيطان المؤذي لدولة كبرى ـ ولتكن أمريكا على سبيل المثال ــ؟
هل يريد طرد هذه الدولة من محيطه الإقليمي حيث لهذه الدولة تواجد فاعل ومؤسِّس في هذا المحيط يهدد أمنه واستقراره وتواجده؟
أم يريد جره إلى المساومة على مصلحة أو مصالح معينة لم تقبل الدولة الكبرى المساومة عليها أصلا؟
أم يريد إرغامها على الاعتراف بدوره في المعادلة التي يشترك معها ولكن على أساس الندية والمثل وليس التبعية والطاعة العمياء؟
من الصعب تحديد المطلوب هنا كحالة ثابتة، ولكن يمكن كشفه وتسليط الضوء عليه من خلال المعلومات المتوفرة، وتحليل المعطيات التي تتصل بمجمل العملية، من ممارسات ومواقف متبادلة بين الطرفين. ولكن ليس من المعقول أن تكون هذه اللعبة بهدف إنجاز انتصارات كبيرة بحجم تأسيس وضع إقليمي جديد بالكامل، إيجاد دول جديدة، تفتيت دول عريقة، أو طرد دولة كبيرة متغلغلة في أعماق الوضع الإقليمي هناك، بل هذه اللعبة تُمارَس لتحقيق أهداف تتناسب في قيمتها ومدياتها مع قدرات ذلك الشيطان المجنّد.
هذا الشيطان ــ والتسمية هنا سياسية وليست دينية ــ لا يملك قوة ضاربة، لا يملك قوة مزلزلة، ولكنه مؤذ، مزعج، مُقلِق، ومن نقاط القوة التي يتمتع بها أنه في مأمن من ضربة قاصمة على يد الطرف الأقوى ! وذلك لأن هذه الضربة قد تكون مستحقاتها أكثر ضررا، كأن تسبب حربا لا قبل للدولة الكبيرة بها.
اللعبة كلها مكشوفة، الدولة الكبرى تعرف ذلك جيدا، تعرف الكثير عن هذا الشيطان، وتعرف الكثير عن مجساته، وتعرف أنه مجرد مخلب قط، يخدش، يعبث، يقلق، وتعرف بالتحديد وربما بشي من التفصيل عن الدولة التي صنعت هذا الشيطان، ودورها النهائي والمصيري بحركة وتحركات ومستقبل هذا الشيطان، كل شي معروف، ولكن هناك عجز من مواجهة ذلك رغم القوة القاهرة، لأن الظروف لا تسمح بذلك.
هنا يأتي دور آخر، الدور المكمل، ذلك أن الطرف الضعيف من المعادلة يطرح على الدولة الكبرى مشروع إراحتها من هذا الشيطان، يتبرع لها برفع هذا الكابوس من على كاهلها، ولكن بحساب !
ترى ما هو هذا الحساب؟
إشراك في الدور الإقليمي؟
التضييق على عدو على الحدود؟
تحقيق مصالح اقتصادية؟
ضمانات بعدم المهاجمة؟
معاملة بالمثل، أي كما تتعامل هذه الدولة الكبرى إيجابيا مع هذا النظام أو ذاك؟
كل شي في وقته، وكل شي مرهون بمجمل الوضع العالمي والإقليمي، ويتوقف على مصالح الطرفين، فيما ينتظر الشيطان الصغير مصيره الذي لا يمكن التكهن به تفصيلا.
هل تملك إيران شيطانها أو شياطينها الصغار في العراق؟
هل تملك سوريا شيطانها أو شياطينها الصغار في العراق؟
هل تملك السعودية شيطانها أو شيطانيها الصغار في العراق؟
هل تملك تركيا شيطانها أو شيطانيها الصغار في العراق؟
وهل سوف تنتهي اللعبة مع أمريكا مع كل هذه الدول الصغيرة لكي ترتاح من مزعجات ومؤذيات هذه الدول على حساب الشعب العراقي المسكين، حيث ينتظر تلك الشياطين هي الأخرى مصيرا مجهولا؟
التعليقات