المثقف الشيعي (3)
هذه ا لتسميات : ــ
1 : الرافضة، الذين يرفضون بيعة الشيخين، يرفضون زمنهما المقدس، زمنهما المسجِّل في السماء كـ (مثل) أعلى للحياة والسلوك والأمل .
2 : السبأية، أتباع المخرب اليهودي الكبير عبد الله بن سبأ، بل من مختلقاته وإبداعه اليهودي التخريبي القاصد، نحن نتوء في جسم أمة المصطفى سلام الله عليه .
3 : أحفاد أبن العلقمي، ذلك الذي خان الوطن، الذي باع العراق للمغول!
4 : نسل زواج المتعة، ذلك الزواج الباطل شرعا .
هذه التسميات ليست تسميات تهميش، تحجيم، تقليص، بل تسميات طرد من حومة الدين، بل هي أخراج في بعض معانيها ومضامينها من دائرة الحس الأخلاقي النبيل . هي تسميات مرسومة، تسميات مختارة للتربية، ومختارة لرسم موقف نهائي من الشيعة، لا تمحو عارها صلاة ولا صوم، لا يمحو عارها جهاد ولا تضحية، لا يمحو عارها عطاء ودفاع عن الدين بالمال والنفس والعلم!
أليست هي إذن عملية نفي أبدي؟
يستكمل النفي هذا دائرته بتحريم ذبيحة الشيعي، تحريم أكلها، دمها، صوفها، وبرها، ذلك أن اللحم يبني الجسم، يشدُّ العظم، وليس من الصحيح أن يدخل اللحم المذبوح على يد المسلم الشيعي داخل الجسد المسلم السني كي لا يلوث الدم الطاهر، الدم الأزرق، الدم السماوي، كي لا يدنس الجسد الطاهر، كي يبق الجسد الأخر يحافظ على أصالته السماوية، نقاءه الديني، شفافيته المستقاة من كليات العرش السماوي .
اللحم في عرف العربي البدوي ا لصحراوي يتخذ مديات جوهرية على صعيد ا لجسد، هو قوام الجسد ... بناؤه ... هويته ... قوته ... تاريخه ... هو سر بناءه، وسر ديمومته، سر مقاومته ...
فهل يعقل أن يتأسس جسد المسلم السني بلحم مذبوح علي يد آثمة؟
هل من المعقول أن يتأسس جسد المسلم السني بلحم رافضي، خائن الوطن، نتاج المؤامرة اليهودية الكبيرة القذرة قبل أ كثر من أ لف عام؟
القاضي عبد القاهر البغدادي في كتابه السيئ الصيت (الفرق بين الفرق) يحرِّم زواج السني من شيعية، وزواج شيعي من سنية!
لماذا؟
هل يمكن أن يلتقي ماءان أذا صح التعبير؟
ماء مستل من فطرة الإسلام وماء مستل من خبائث عبد الله بن سبأ؟
تلك عملية تشويه لخلاصة البشرية التي صاغها قدر الله منذ زمن بعيد وأرادها أن تستمر حتى تقوم الساعة .
أليست هي عملية نفي كاملة؟
ثم ماذا؟
تستكمل عملية النفي الأبدي دورتها بتحريم الصلاة خلف (الشيعي)، فالصلاة معراج المؤمن كما يقول الخطاب الديني، وهل من المعقول أن تُسلَّم هذه الأمانة المقدسة بيد مشاغب؟ مشاغب يتلاعب في روعة التاريخ، ويعمدها برهبة التشكيك والتساؤل الخبيث؟، وهل من المعقول أ ن تصح صلاة في قائمة المقبولات الربانية وهي تؤَّدى خلف تاريخ يرفض خلافة يزيد بن معاوية، ويحرك غريزة الثورة على الخليفة ظل الله في الأرض؟
ليس من المعقول ولا المقبول، حتى لو أن الشيعي قاتل إسرائيل ألف عام ... نعم، تبقى صلاته مغموسة في وحل الرفض، في مستنقع الخيانة الوطنية، لا شفاعة منها، ولا طهارة فيها، ولا شرطها من شروط الفقه، ولا أركانها من أركان المورث عن نبي المسلمين حتى لو تماهت معها في الظاهر، لان باطنها نجس وآثم وقذر .
ما هو مصداق هذا الدائرة المحكمة من النفي، النفي الذي يبدأ بالروح وينتهي عند المادة، النفي الذي يبدأ من العقيدة لينتهي بالتشريع، النفي الذي يبدأ من الظاهر لينفذ إلى الباطن؟
عمليات الذبح الجماعي في المسلين الشيعة مستمرة منذ مجزرة الحسين حتى هذه اللحظة، لم تقف يوما، لم تسترح أبدا، في عهد بني أمية، في عهد بني العباس، في العهد العثماني، في العهد المملوكي، في زمن ما يسمى الحكومات الوطنية!
لم تكن مجازر طالبان في شيعة شمال أفغانستان مستحدثة، كان لها تاريخ، ولم تكن مجازر صدام في شيعة الجنوب العراقي مستحدثة، بل هي امتداد لمجازر الشيعة على يد الحجاج، ولم تكن مجازر الشيعة في بلاد الشام مستحدثة، ليست صنيعة تلك الفتوى الرهيبة (ومن لم يحكم بكفرهم فهو كافر)، بل هي خلاصة على طريق تاريخ أسود، ينبع من فلسفة النفي المطلق لهذه الكتلة البشرية المسلمة، هي عملية تنفيذ عملي لتلكم التسميات الخبيثة القاسية النافية، عملية وفاء لتلك التسميات المنحوتة في متن (العقيدة!) .
المثقف الشيعي نصيبه أوفر من هذا النفي، أوفر من غيره من الشيعة، لأنه ينتج أفكار، لأنه يصدر في لوحته من نزعة شيعية متغلغلة في الأعماق، يصدر في قصيدته من خزين شيعي مترسِّب في قاعه اللاشعوري، يصدر من تمثيله على المسرح من إيحاء هذه التجربة الغنية بالفكر والدم المباح والعطاء والبذل، يصدر من معماره الرائع من وحي كربلاء، من وحي تلك القباب الذهبية الساطعة بالحضور الأبدي، يصدر من سياسته من تلك المسيرة المتكاملة، سيرة أفذاذ يكمل بعضهم بعضا ... هناك تعمل تجربة علي، غليان نهج البلاغة، هناك تعمل جماليات الصحيفة السجادية، هناك يعمل نداء زيد بن علي، هناك تعمل أخلاق الأمام الكاظم، هناك يعمل الموقف الرائع لشيعة علي يوم قرروا حقن دماء المسلمين من غول المغول، فكان المغول فيما بعد فاتحين إسلاميين، ينشرون رسالة محمد في الأصقاع الصعبة، هناك يعمل صدى ثورة العشرين، هناك يعمل إصرار الإمام الحسين!
المثقف الشيعي نصيبه من هذه التسميات على صعيد تطبيقي أكبر من الباقين، لان تجربة التشيع الرائدة تعمل في أعماقه أ كثر من غيره، فكان نصيبه من الإعدامات والفقر والطرد والتهميش ما لا تستوعبه مجلّدات ... نعم مجلّدات .
أليس هناك مقاتل الطالبيين؟
وهو مجرّد لمحات!
مجرد لمحات ...!
ما هو الموقف المطلوب من عملية النفي هذه؟
هل نمارس الضد النوعي؟
هل نمارس عملية النفي ذاتها بالاتجاه المعاكس؟
هل تسمح لنا بذلك هوية التشيع الجميل؟
أن الموقف الجوهري لا يتجسّد باستهجان هذه التسميات، بتسخيفها، ولا نكتفي بالرد عليها وتفنيدها، بل بخلق ثقافة جديدة، ثقافة واعية، يتحمل مسؤوليتها المثقف الشيعي بمباركة العلماء الأعلام .
ترى ما هي معالم هذه الثقافة؟
يتبع
التعليقات