مرة أخرى تقبع محنة الكورد الفيلية في أعماق النسيان، ومرة أخرى يتم خذلانهم بعد تلك التضحيات الجسام.
مرة أخرى يتم التنكيل بشهداء الكورد الفيلية ويستهان بكل ما قدمته هذه الشريحة للعراق، ويقينا أن محنة الكورد الفيلية شكلت الأرضية التي تم تأسيس نهاية الطاغية عليها حيث سطروها بتضحياتهم الجسام وبدماء شبابهم الزكية.
مرة أخرى بعد إن تعرض الكورد الفيلية تحت سمع ومرأى بصر العالم وأسماعه، لأبشع عملية أستلاب أنساني سجلها التاريخ الحديث، لم تزل صورتها تخجل الإنسانية لصمتها وسكوتها المريب، وصورتها أقمارهم الأصطناعية وشبكات الأعلام الدولي الذي تم أخراسه بثمن بخس، وأمام مهادنة مع النظام حول الجريمة الإنسانية التي تهز الوجدان، فلم يسبق لشعب إن تم تجريده من هويته وجنسيته وأمواله المنقولة وغير المنقولة، وتم تعريض شبابه للتجارب الكيمياوية، وتم أبعاد الشيوخ والعجائز الى الصحارى، وتم حجز الاف الشباب ومن ثم إعدامهم والقضاء عليهم بصمت، أمام قوانين العالم ومنظماته الدولية ولوائح حقوق الإنسان التي كانت تداري لغة الطاغية وسيولة أمواله التي تتدفق على مكاتب المهتمين بقضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي والسياسيين، نفس القانون الذي يمنع أبقاء مواطن واحد دون جنسية، في حين أصيب هؤلاء بدهشة المقابر وأصابهم صمت الموتى مع الكورد الفيلية.
الكورد الفيلية الذين لم تجد قضيتهم فسحة أنسانية في الإعلام العروبي المتشدق بالحرية والرأي الأخر واحترام حقوق الانسان وكرامته، ولا وجدوا من صحافة الأعراب ودول الجوار ما ينشر حقيقتهم، وكأن الجميع أتفق على غض النظر عن أظهار بشاعة الجريمة الإنسانية التي اقترفها طاغية العراق بحق هذه الشريحة الممتلئة عبقاً وطيباًُ وعطاءاً للعراق.
ونفس المحنة التي تعرضوا لها أيام الطاغية تعيدها عليهم اليوم دوائر وسفارات حين تطالبهم بشهادة الجنسية (العثمانية)، شهادة السلطات التي تعاقبت على حكم العراق، وشهادة الجنسية التي مزقناهم ووضعناها تحت اقدام اخياتنا من امهات الشهداء وحرائر العراق، وشهادة الجنسية تلك الوثيقة البائدة التي استعملها صدام البائد للتنكيل بالعراقيين وتسفير العوائل العراقية العفيفة وتشتيتها، لم تزل تلك الشهادة موضع أعتزاز وتقديس من دوائر الدولة والسلطات الجديدة، ولم تزل تتصدر قائمة المطالب في كل ظرف أو معاملة.
مرة أخرى رغم سقوط الطاغية وتبجحنا برحيل نظامه لم تزل أموال الكورد الفيلية بأنتظار قرارات يتذكرهم فيها مجلس النواب العراقي، وتستذكرهم فيها الحكومة، فتعاد الحقوق الى من سلبت منه، ويتم ترتيب ما ضاع من حقوق لهم وما فاتهم من حقوق الأنتفاع طسلة هذا الزمن المرير، وأن يتم الأرتفاع بمستوى المحنة التي لحقت بحياتهم ودمرتهم وشردتهم.
مرة أخرى يتم خذلان الكورد الفيلية، وهم لم يفكروا بأستلام السلطة، ولانافسوا احداً على وزارة سيادية، ولاوقفوا بباب الأحزاب يريدون تشكيل ميليشات تابعة لهم، ولا استغلوا محنة العراق كما أستغلها غيرهم، ولم تزل عيون الأمهات اللواتي ودعن عشرات الشهداء من عائلة واحدة، يترقبن قراراً ينصف الشهداء ويعلن حقاً للعالم أنهم اعطوا ارواحهم لهذا العراق الذي نريد.
مرة أخرى لم تزل رغم كل هذه السنوات الممتلئة بالمرارة والعنف والموت تضيع قضايا الكورد الفيلية، ليس ضياعاً وتنكراً فقط أنما هناك من ينبري يطالبهم بالصمت، فيقول : اليسوا كورداً وقد تحققت الفيدرالية لهم ؟؟ أليسوا شيعة وقد صارت الأحزاب الشيعية في السلطة ؟؟ أليسوا مع الحركة الوطنية وقد صاروا وزراء ونواب في البرلمان، فليصمتوا فأنهم أخذوا اكثر من حقوقهم !! فأي مغالطة تلك وأي ظلم بشع تتعرض له الكورد الفيلية !
لم تزل اللجان التي تم تشكيلها تحيك لهم الطرق التقليدية والوسائل البائدة والقوانين العتيقة التي ستحقق لهم ضمان حقوقهم بعد سنوات أخرى، فليصبروا حتى تحل هذه السنوات الجمر قضيتهم التي نسيها العديد من أبناء العراق .
ولكنهم لحد اللحظة لم يزل بعض اولادهم دون سندات ودون جوازات سفر، ولم تزل دوائر متعددة تطالبهم بشهادة الجنسية (السيف) الذي شحذه صدام وجز رقابهم وأستباح حلالهم، ولكنهم لم يزلوا ينظرون لأملاكهم وبيوتهم ومتاجرهم بعيون ممتلئة بالدمع، وهم يشاهدون عناصر وضباط الأمن العام والخاص تحتلها وتستغلها وتشغلها وتعمل بها ولايريدون إن يخرقوا القانون وهو اليوم ابطأ من سير السلحلفاة في التطبيق.
مرة أخرى نتنكر لهم ولانستذكر معهم المحنة الإنسانية الكبيرة التي تعرضوا لها، ولانداوي جراحهم بأيجاد العلاج السريع والشافي، ولا وجدوا من يهدأ وجعهم ويكفكف دموعهم فيقرر النواب على الأقل تخصيص راتب تقاعدي رمزي للشهداء.
مرة أخرى نخذلهم ونتنكر لكل الوعود التي قطعناها لهم، ومرة أخرى نكلفهم أن يضعوا الحقوق في مجمدات النسيان، وأن يصبروا فلعل الزمن القادم كفيل أن يجعل قلوبنا أكثر رقة وإحساساً فنقر لهم بالحقوق، ويقرر مجلس النواب إن لهم شهداء هم حطب العراق، ويقرر النواب أن لهم حقوق لايمكن تأجيل اعادتها اليهم، ويقرر النواب أنهم ملح العراق، ويقرر النواب ما يميزهم من مكانة عراقية ننشف بها دموع من لم تجد رفات وليدها حتى اليوم، وأن مقابرهم الجماعية لم تزل مجهولة حتى اللحظة، وأنهم في ضمائر اهل العراق عربه وكورده وتركمانه وكلدانه وآشورييه وأرمنه، وأن تكون القرارات التي يصدرها البرلمان لاتحيلهم على قائمة انتخابية أو حزب سياسي، فقد كان عطاؤهم للعراق، وأن تكون القرارات متناسبة مع ما تحمله الكورد الفيلية من جرائم الطاغية، وحين نستطيع إن نعيد ابتسامة الأمهات حين نبرهن لهن إننا اولادهن وأننا اخوانهن بحق وان الغربة التي ارادها لهم صدام والتي بعثرت حياتهم لايمكن إن تكون حاجزاً يشتت حياتهم، فالعراق وطنهم واهلهم وارضهم وحقهم، كل العراق دون إستثناء فهم كانوا لكل العراق، حينها نكون قد اعدنا لهم بعض ما في ضمير العراق من دين لهم.
مرة أخرى يتناساهم البعض ويحاول تبرير هذا النسيان والإجحاف بأحالة ملفاتهم على حكومة اقليم كوردستان، ومرة أخرى نعود لقضية التبريرات والالتفافات لكنها جميعاً لاتعيد لهم حقاً مسلوب ولا أعمارا ذهبت دون عودة ولاظلماً أزيح عن كاهلهم، ولاغصة في القلب صارت متحجرة لم تزل جاثمة فوق صدورهم، ولا قبوراً وشواهد معروفة لأولادهم، مرة أخرى نعود بهم الى الوعود التي ما تحققت وما تبرعمت فعلاً تحت زحمة الانشغال بمكافحة الإرهاب وضجة الكراسي والمناصب والمحاصصة، لكنهم يقفون دون ضجيج فقد قدموا النفس والمال والاستقرار لهذا العراق.