راحت على طوال الشوارب من العربان الذين توهموا قرونا طويلة أن حقهم القيادي أصيل ومضمون ولا مجال للمنازعة فيه. تغير التاريخ دون أن يتغيروا، ومثل هذا السكون سبب رئيس لانهيار وسقوط الحضارات التي كانت تميل إلى الارتخاء والدعة بينما الماء يسير من تحتها. النساء كن مثل النمل يعملن بهدوء وصمت لكن بدقة وإصرار، وتسللن إلى مواقع قيادية من غير مصادمة الرجال.
ولأن السلطة، في بعض جوانبها خصوصاً في أطر العمل المهني الاحترافي، غدت مرتبطة بالإنتاجية وليس الجنس زادت حظوظ النساء من الكعكة القيادية بينما تبخرت سطوة الرجال التاريخية المرتبطة بالصوت الجهير والبنية المفتولة إذ أغنت وسائل الاتصال عن الصراخ الذي تجافيه الحضارة، وسيطر العقل على العضلات التي أصبحت ضمن أدواته الهامشية والبدائية المظهر. قلة من الأذكياء الذين دخلوا رحم هذه المنافسة اقتنعوا أن حلق الشوارب يحررهم من الربط التاريخي بالهيمنة الاستعبادية للرجال، ويضفي عليهم مسحة حضارية. الأذكياء الآخرون الذين عز عليهم التملص المطلق من إرثهم العريق حفوا شواربهم حتى لم يبق منها سوى أثر شفاف!
راحت على طوال الشوارب لأن زمن الوجوه الخالية من الشعر قد أشرف وحتى لايحدث بعض اللبس، فإن المعني بذلك النساء حصراً؛ إنه زمن الأصوات الرخيمة، والوجوه الرقيقة، والشعور الطويلة أما الرجال فدورهم تجهيز الملفات، وحمل الحقائب، وقيادة السيارة، وفي أحسن الأحوال حمل الكاميرات التلفزيونية.
بدايات الظهور النسائي في التلفزيون غلب عليه الاستهلاك الأنثوي. ولم يقتنع الرجال بجدية منافسة المرأة بل أنهم اعتبروا تصدرها لنشرات الأخبار يندرج ضمن حملات استقطاب المشاهدين، أو علامة على تراجع معايير المهنية.
حرب الـ33 يوما في لبنان برهنت أن حضور المرأة العربية في الإعلام لم يكن شكلياً بل إنه محرك الصنعة ومادة وقودها الفاعلة والجميلة. الناعمة الرقيقة ريما مكتبي المذيعة في قناة quot;العربيةquot; تخلت عن أمان المكتب واختارت أن تستظل بالطائرات الحربية، وتستهدي طريقها من أضواء الانفجارات. ظهرت شعثاء غبراء تلاحق الحدث بحماس ويقين، مقدمة نموذجاً رائعاً للاحترافية، ومظهرة صلابة فريدة في مواجهة الموت قد لايتوافر عليها المحاربون أنفسهم. زميلتها نجوى قاسم لحقت بها لأنها أدركت أن الخبر لايصنع في الاستديو بل يبث منه فقررت أن تكون فاعلة لا مجرد ناقلة. مراسلة quot;الجزيرةquot; كاتيا ناصر الحدثة السن، كما هو حال ريما مكتبي، شكلت مع ريما ثنائياً تقاصر دون حوافه عتاولة الإعلاميين من الرجال، وكذلك فعلت بشرى عبد الصمد.
هذا ليس تجاهلاً لمراسلات عريقات مثل شيرين أبو عاقلة وجيفارا البديري أو مراسلات محطات التلفزة في لبنان لكن أهمية ريما وكاتيا المبادرة وحداثة السن، ودلالة الاختيار عند نجوى قاسم. لقد كسبن الحرب بضراوة في الوقت الذي خسر فيه جميع زملائهن الرجال الذين ألفوا السكون، وظنوا أن مناطقهم محصنة.
سعودياً تبرز ريما الشامخ نموذجاً ريادياً وفريداً فهي الأبرز بين جميع الذين غطوا العمليات الإرهابية في السعودية، وترافقت جرأتها مع اختراق حواجز اجتماعية ومهنية ماتزال مقتصرة على الرجال وإن سبقتهم ريما بمسافة.
ماتزال المرأة تواصل اختراقاتها للمحميات الرجالية بما في ذلك البذلات الرسمية، ولعل عزاء الخليجيين أن النساء قد يستولن على الوزارات لكنهن لن يجعلن من الثوب quot;الدشداشةquot; زياً لهن، وبذلك يبقى لهم بعض المناطق الخاصة إضافة إلى الشوارب والكروش!
[email protected]