عُرف الأعراب بشدتهم وغلظتهم فوصفهم القرآن بأسوأ النعوت، وجاء في مقدمة ابن خلدون الفصل 25 في أن العرب لايتغلبون إلا على البسائط: (وذلك أنهم أهل انتهاب وعيث) وفي الفصل 26 في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب: (والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خُلقاً و جبلةً و كان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم و عدم الانقياد للسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له).

قصد العرب أقاصي الأرض لترويع الآمنين والأبرياء فيها، فاغتصبوا المال واستباحوا الأراضي وسلطوا سيوفهم على رقاب الناس حتى استحال أصحاب الوطن الحقيقيون إلى أجانب في ديارهم يدفعون الجزية ويُحاربون في عقيدتهم وتُغيب لغتهم و تُطمس هويتهم.

ومن سوء حظ مصر أنها وقعت من ضمن البلدان التي طالها التوسع العربي الإسلامي الذي وصل ظلماً و عدواناً إلى أسبانيا ، ففي عام 640 ميلادية غزا عمرو بن العاص مصر وفرض على أهلها إما الدخول في الإسلام أو الحرب، وإن أرادوا العيش بسلام دون دخول الإسلام فعليهم دفع الجزية، فذاق أهل مصر ألوان العذاب والتنكيل والقتل على أيد ولاة وعمال دولة الخلافة الإسلامية الذين توالوا على مصر ظالم بعد ظالم، حتى غيروا لغة الدواوين في مصر من القبطية إلى العربية،وما زال مسلسل الإرهاب ضد الأقباط والكنائس في مصر مستمراً على مرأى و مسمع العالم حتى عهدنا هذا.

في العام الميلادي 1872 وُلد أحد أبرز الليبراليين المنادين بإستقلال مصر عن دولة الخلافة الإسلامية المتخلفة وهو المفكر أحمد لطفي السيد الذي يسميه المصريون أستاذ الجيل.

توفي أحمد لطفي السيد عام 1963 ميلادية عن عمر ينيف على التسعين عاماً ، كان خلال عمره المديد قد دافع عن قضيتين جوهريتين الأولى حرية الفرد في الفكر والاعتقاد والثانية الاستقلال المصري التام عن الاحتلال الإسلامي العربي وإعطاء مصر طابعها الأصلي وروحها المحلية و الاعتزاز بالهوية المصرية وعدم إذابتها في الانتماء العربي أو الإسلامي، ومن أقواله المشهورة قوله: quot;نريد الوطن المصري والاحتفاظ به، والغيرة عليه كغيرة التركي على وطنه والإنكليزي على قوميته، لا أن نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع وسط ما يسمى بالجامعة الإسلاميةquot;.

درس أحمد لطفي السيد الحقوق في مصر و من ثم درس الأدب والفلسفة بجامعات سويسرا التي التقى فيها بمحمد عبده، وفي العام 1907 أسس السيد مع نفر من زملائه حزب الأمة و تولى هو في ذلك الحين رآسة صحيفة quot;الجريدةquot; الناطقة باسم الحزب، وكان السيد في كتاباته صلباً واضحاً في مواقفه تجاه الأتراك وحرية مصر بشكل عام ، وإن بدا أكثر ليناً و تسامحاً تجاه الإنجليز إلا أن هذا لم يمنعه من المشاركة في حركة سعد زغلول التي طالبت بالإستقلال و التي نتج عنها نفي سعد زغلول و قيام ثورة 1919.

كما وترأس أحمد لطفي السيد الجامعة المصرية لما يربو على الخمسة عشرة عاماً ضمت خلالها الجامعة أساتذة مثل طه حسين و حفلت بالعديد من التطورات الثقافية والسياسية والاجتماعية أهمها التحاق أول دفعة من الفتيات بالجامعة وافتتاح كليات الهندسة والتجارة والزراعة والطب البيطري.

من أهم إنجازات أحمد لطفي السيد إنظمامه إلى هيئة دراسة مقترحات الحلفاء لتشكيل منظمة دولية جديدة تحل محل عصبة الأمم، وتعيينه وزيراً للخارجية في حكومة إسماعيل صدقي.

مؤخراً وتحديداً في العام 2003 أعلنت نخبة من الليبراليين المصريين عن تأسيسها حزباً تحت اسم quot;مصر الأمquot; يدعو هذا الحزب إلى حذف كلمة العربية من المسمى الرسمي للدولة لتكون quot; جمهورية مصرquot; فقط عوضاً عن quot;جمهورية مصر العربيةquot; و إلغاء المادة الدستورية التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة و يطالب بتعليم اللغتين الهيروغليفية والقبطية لطلبة المدارس في سبيل الرجوع إلى القومية المصرية و تغليب الروح الوطنية على الارتباطات الإقليمية.

و يرجع سبب ضمور التوجه الليبرالي في مصر إلى أولاً: وصول العساكر إلى الحكم في 23 يوليو 1952 حيث يصف الليبراليون هذه الحركة بالانقلاب و لا يطلقون عليها صفة الثورة ، وثانياً: جماعة الأخوان المسلمين التي تقوم على فكرة الرجوع لدولة الخلافة الإسلامية وعدم الاعتراف بسيادة الدويلات الموجودة حالياً ، وهنا نتذكر ما أدلى به المرشد العام للأخوان المسلمين محمد مهدي عاكف في مقابلته الشهيرة مع صحيفة الشرق الأوسط بداية هذا العام عندما قال: quot;طظ في مصر وأبو مصر واللي في مصرquot; وقوله: quot;الجنسية هي الإسلامquot;.