وسط المآسي التي يعيشها لبنان ، لا بدّ للمرء من أن يضحك بين الحين والآخر. يضحك من أجل ألاّ يبكي لا أكثر ولا أقلّ. يضحك أوّلا من كون المتورطين بشكل مباشر أوغير مباشر في أغتيال اللبنانيين الشرفاء، بل أشرف اللبنانيين من رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما وحتى الوزير والنائب بيار أمين الجميّل يتظاهرون مطالبين بالحقيقة. هؤلاء أنفسهم يعطلون الحياة السياسية والأقتصادية في البلد من أجل منع قيام المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستكشف الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. هل بلغت الوقاحة بالمتهمين بالمشاركة بطريقة أو بأخرى في الجرائم التي طاولت أيضاً الحبيبين سمير قصير وجبران تويني والمناضل العربي الحقيقي جورج حاوي رفع صور الضحايا التي يتباهون بالتخلّص منها؟ يضحك المرء أيضا تفادياً للبكاء عندما يرى قبل أيّام النائب ميشال عون، الذي أرسل بعض الأولاد والجهلة لرفع صور الشهداء بغية المساهمة في تغطية الجرائم، يقول أن للمعارضة، التي تعتصم منذ أوّل ديسمبر- كانون الأوّل الماضي وسط بيروت لتعطيل الحياة فيها، نفساً وصبراً أطول من نفس quot;البسيناتquot; أي القطط. كان ملفتاً، على الرغم من أنّ لا بدّ من الأعتذار من القطط، أن صحفاً عدة في بيروت تجاهلت أشارة عون الى quot;البسيناتquot; ومقارنة نفسه بquot;البسيناتquot; من منطلق أن المطلوب عدم كشف كم أن لا علاقة لهذا النائب بالسياسة وبحدّ أدنى من اللغة الحضارية، بأيّ لغة حضارية... وبما يدور في لبنان.
في النهاية ليس مطلوباً أكثر من وضع عون في مكانه الحقيقي وفي حجمه الحقيقي. أنّه مجرّد اداة لدى quot;حزب اللهquot; الذي يدير حالياً اللعبة الهادفة ألى ألحاق لبنان بالمحور الأيراني- السوري الذي لا طموح لديه سوى أستخدام ما يعتبره أوراقاً في العراق وفلسطين ولبنان من أجل التفاوض مع quot;لشيطان الأكبرquot; الأميركي و quot;الشيطان الأصغرquot; الأسرائيلي. كلّ ما تبقى تفاصيل. ميشال عون تفصيل وكان في الأمكان، وحتّى من الأفضل، تجاهله لو لم يكن الدور الذي وُظّّف من أجله لا يساهم في الأساءة ألى لبنان واللبنانيين وفي تغطية الحملة الشرسة التي يتعرّض لها لبنان والتي تستهدف ألغاءه من أجل ألغاء المحكمة ذات الطابع الدولي التي يفترض بها أن تنظر في أغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يمتلك ميشال عون وغير ميشال عون نفساً طويلاً. النفس الطويل عائد من دون شك ألى القدرات التي توفّرها أيران من أجل أستمرار عملية القضاء على لبنان أستكمالاً للحرب الأسرائيلية على البلد الصغير. ولكن من أجل ماذا هذا النفس الطويل، نفس quot;البسيناتquot; على حد تعبير الأستاذ عون؟ هل من أجل القضاء على لبنان وقول كلام من النوع المضحك المبكي عن الدين وتناسي الظروف والعوامل التي أدّت ألى تراكم الدين وزيادته بدءاً بالممارسات التي كان بطلها رجال سوريا في لبنان من سوريين ولبنانيين بدءاً برستم غزالي وقبله معلّمه quot;المنتحرquot; غازي كنعان وأنتهاء بالصغار الصغار الذين تورّطوا في فضيحة quot;بنك المدينةquot;، مروراً، بطبيعة الحال بالفضيحة التي أسمها الكهرباء ومن يدفع ومن لا يدفع فاتورة الكهرباء من بين المواطنين اللبنانيين. أنّها فضيحة تتناول كلّ من عمل على عرقلة أيّ عملية شفافة تستهدف الأتيان بالتيّار الكهربائي ألى جميع اللبنانيين على أن يدفعوا جميعاً المترتّب على كلّ منهم، أنطلاقاً من مبدأ المساواة في المواطنية بدل أن تظلّ الكلفة مقتصرة على قسم من اللبنانيين ذنبهم أنّهم لا يحملون السلاح ولا ينتمون ألى تلك التركيبة الأمنية التي غطّت فضيحة quot;بنك المدينةquot;. هذه الفضيحة ستكشف عاجلاً أم آجلاً وسيتبيّن كيف يستخدم أمثال النائب عون في تغطيتها مثلما يستخدمون في تغطية كلّ الجرائم الأخرى التي أستهدفت لبنان بدءاً بمحاولة أغتيال الوزير والنائب مروان حماده وأنتهاء بأغتيال بيار أمين الجميّل مروراً بأغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني الذي عرف كيف يوظّف quot;النهارquot; في معركة الأستقلال، من دون نسيان ما تعرّضت له الزميلة ميّ شدياق والوزير الياس المرّ لا لشيء سوى لأنهّما شاهدان على الظلم الذي تعرّض له وما زال يتعرّض له لبنان.
صارت اللعبة مكشوفة. هناك محور أيراني- سوري يمتلك أهدافاً واضحة تصب في أتجاه واضح يتمثّل في أدارة ثلاث حروب أهلية في العراق ولبنان وفلسطين من أجل تحسين موقع طرفي المحور في عملية التفاوض مع الأميركيين والأسرائيليين. وما لا يمكن تجاهله في أي وقت أن هذا المحور كان يمكن أن يكون مكشوفاً أكثر مما هو مكشوف لولا أستعانته بأداتين الأولى مسيحية والأخرى سنّية لتغطية أهدافه الحقيقية . ميشال عون ليس سوى أحدى هاتين الأداتين. أما ألأداة الأخرى فهي quot;حماسquot; التي أظهرت الأسابيع الأخيرة أنّها موجّهة من خارج، أي من دمشق وطهران تحديداً. لو لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لى عون، كيف يمكن لمهرّج برتبةquot;جنرالquot; السكوت عن الحرب التي تسبب بها quot;حزب اللهquot; الصيف الماضي وأن لا يطرح ولو مجرّد سؤال عن الخسائر التي تسببت بها هذه الحرب التي كان لبنان ضحيّتها الأولى والأخيرة! ولو لم يكن الأمر كذلك، كيف يمكن لحركة مثل quot;حماسquot; أن لا تطرح ولو سؤالاً واحداً عن كلفة أسر جندي أسرائيلي قبل ستّة اشهر وهل هناك ما يبرر أستشهاد ما يزيد على ثلاثمئة فلسطيني من أجل أسير أسرائيلي تبدو دولته على أستعداد للتضحية به في كلّ لحظة. ولنفترض أن أسرائيل مهتمّة بالأسير، هل هناك ما يبر الأقدام على مثل هذا العمل الأرعن ما دام الأحتلال قادراً على أسر عدد لابأس به من النواب والوزراء المنتمين ألى quot;حماسquot; واذلالهم بشكل يومي ومتابعة مشروعه الأستعماري المتمثل في بناء quot;الجدار الأمنيquot;؟ هل الأوامر الصادرة من دمشق وطهران تبرّر كل هذا الذلّ اللاحق بالشعب الفلسطيني. هل مطلوب تغطية الذل الذي لحق بكلّ فلسطيني عن طريق أفتعال حرب أهلية فلسطينية- فلسطينية؟ الحرب الأهلية في فلسطين لا تغطي الذل. والحرب الأهلية في لبنان لن تلغي المحكمة الدولية ولن تقود ألى توفير موقع أفضل، على الصعيد الأقليمي، للمحور الأيراني ndash;السوري الساعي ألى صفقة مع أميركا وأسرائيل.
يمكن فهم السياسة الأيرانية الهادفة ألى تكريس الدور الأقليمي لدولة تعتبر نفسها الوريث الشرعي لحضارة قديمة تعتبر أنّ من حقّها الهيمنة على المنطقة. كذلك يمكن فهم التبعية السورية لأيران في ظلّ فشل النظام في أقامة علاقات طبيعية مع محيطه والعزلة التي يعاني منها والمأزق الذي وقع فيه بعد سوء تقديره للنتائج التي ستترتب على أغتيال رفيق الحريري. ويكن أيضاً فهم quot;حزب اللهquot; من زاوية أنّه لواء في quot;الحرس الثوريquot; الأيراني وأمتداد للوجود الأيراني على المتوسط وضمانة لوجود تماس بين أيران وأسرائيل عبر جبهة جنوب لبنان. ما لا يمكن فهمه كيف تستطيع جهات لبنانية وفلسطينية أن تكون أدوات في اللعبة الأيرانية- السورية؟ كيف يمكن فهم تصرّفات ميشال عون من دون الأستعانة بسوء النيّة أو بحسن النيّة، لا فارق، للقول أن هذا الشخص لا يستطيع أن يكون شيئاً آخر غير أداة. دور الأداة هو الدور الوحيد الذي يحسن تأديته. هذا ما يستطيع قوله من يريد أن يكون حسن النية في تفسير تصرّفات شخص لم يتسبب حتى الآن سوى بالأذى ولا شيء غير الأذى للبنان واللبنانيين. كم عدد اللبنانيين الذين هجّرهم عون في العامين 1989 و1990 ، كم عدد اللبنانيين الذين هاجروا منذ تغطيته الخطأ القاتل في حق لبنان الذي أرتكبه quot;حزب اللهquot; في تمّوز- يوليو الماضي... خطأ، بل جريمة، التسبب في حرب همجية أسرائيلية على لبنان والسعي ألى الهرب من جريمة الحرب ونتائجها ألى جريمة شن حرب ما زالت مستمرة على لبنان واللبنانيين!
هل يفهم الأستاذ عون وأمثاله أن الجريمة لا تغطى بجريمة أخرى حتّى لو كانت أكبر منها وأن رفع صور رفيق الحريري وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي وجبران تويني ومي شدياق سيجعل اللبنانيين يخلطون بين المجرم والضحية؟ مثل هذه الألاعيب المكشوفة التي وصفتها عائلة الشهيد بيار أمين الجميّل بquot;الفجور السياسيquot; لا تنطلي على أحد. تنطلي فقط على أمثال تلك النكتة المجة التي أسمها quot;الجنرالquot;... تلك النكتة التي جعلها الذين وفروا لها الأمكانات المطلوبة تطول أكثر مما يجب!