أرسلت لي أمان من الإمارات تريد الأمان وتسأل إن كنت من عناصر حزب التحرير؟
فأجبتها أن من المهم أن أقول ما لست أنا، قبل البدء بتعريف من أنا؟؟
فأنا لست تحريري ولا إخوان. لست سلفي ولا خلفي. لست فقهي ولا صوفي. لست حزبي ولا مشايخي. لست رجعي ولا تقدمي. لست بعثي ولا قومي. لست ناصري ولا نصراني. لست عروبي ولا كردي ولا عجمي. لست علماني ولا إسلامي. لست شيعي ولا سني.
أنا إنساني على دين إبراهيم حنيفا مسلما دينا قيما وما كنت من المشركين.
أنا سوري المولد. عربي اللسان. مسلم القلب. ألماني التخصص. كندي الجنسية. عالمي الثقافة أتكلم بلسانين من التراث والمعاصرة. وأطير إلى المستقبل بجناحين من العلم والسلم
العلم ديدني، والحقيقة مذهبي ـ أو هكذا أزعم ـ والأرض إقامتي. والله ربي رب العالمين. فليس عندي وطن..
السماء لحافي. والأرض دثاري، وجعلت رزقي حيث كرامتي والأمان. مهاجر إلى ربي من ديار البعث إلى يوم البعث.
أسافر حيث أرزق، وأسكن حيث كرامتي فألزق.
شعاري العلم والسلم، في أكاديمية أنشأتها على ثبج البحر الأخضر الإلكتروني، أتباعها من الجنسين، من ذكر وأنثى فهم يزدادون.
نقطف من كل بستان زهرة. ومن كل فيلسوف فكرة. ومن كل مبدع لمعة. ومن كل عالم جملة، ولو كانوا في جزيرة سخالين وبتاغوانيا وكمشتكا، من أية ملة كانوا أو نحلة، مسلما تعبد، أو ناسكا تزهّد، أو كان من جماعة الدلايا لاما؛ أو فلول المهاريشي مهاريش يوجي في هندستان، أو من قوم الإنكا والأزتيك، في قمم الأنديز أو غابات يوكوتان، فهذا دأب الحقيقة وليس دأبنا؛ فتلامذتي من كل ملة ونحلة، وقوم وأمة، وجزيرة وزاوية، من جبال الأطلس وأغادير في المغرب، إلى حلب وكردستان وارض الألمان، قد تبتلوا للفهم، وانتدبوا أنفسهم لنشر السلام بين الأنام، يعيدون ذكرى إخوان الصفاء وخلان الوفا.
نزعم لأنفسنا أننا نتأدب بآداب حضرة صوفية لم توجد بعد، ففيها فتح الله من نافذة علمه علينا من مشكاة أكثر من عالم، سواء من أيام المماليك البرجية، أو من عناصر الثورة الفرنسية.
والكواكبي ما فتح الله فتحة في جمجمته؛ فأضاءت بعد ظلام، لولا اتصاله بفكر الثورة الفرنسية؛ فكتب كتابه في (الاستبداد ومصارع الاستعباد)، ولكنه كتاب يعلوه الغبار، ويضرب مفاصله السوس والصدأ، في ثقافة كليلة بليدة بينها وبين العلم والفعالية مسافة ثلاث سنوات ضوئية.
أكرر ما قاله أبو حامد الغزالي يوما أشقق كل مسألة، وأتفحص عقيدة كل ملة، شيوعيا مراّ كان، أو ملحدا ضالا، أو بعثيا متآمرا، أو قوميا تائها، أو ناصريا من المخابرات، أو سلفيا انتحاريا للمتفجرات، أو خرافيا يعتنق مذهب المعجزات، أو تحريريا خلق للجدل والعناد، بعث من الرماد في أقصى الأرض، بعد أن اندثر في أدنى الأرض، أو يزيديا يعبد الشيطان، أو كاثوليكيا يرى أن الله انشطر لثلاثة بدون أن ينشطر، فأتفحص عقيدة كل ملة، ودعوة كل نحلة، محاولا اكتشاف أسرار الخلاف، والوصول إلى منهج الحقيقة في العلوم، كما فعل ديكارت في كتابه (المقال على المنهج) ـ أو هكذا أزعم لنفسي ـ فنقترب أو نبتعد منها بقدر، فهذا ما يشفع لنا يوم الدين.
طلبنا للحقيقة... أكثر من عثورنا عليها...
متذكرين قول (ليسنغ) من فلاسفة التنوير أن الله لو وضع الحقيقة في يمناه، والشوق الخالد للبحث عنها في يسراه، إذا لجثونا بضراعة على ركبنا نطلب ما في يسراه، لأن الحقيقة النهائية ملك له وحده..
كتبت في عشرات الحقول المعرفية المختلفة، في محاولة تأسيس فكر موسوعي، وأزعم لنفسي أنني شققت وعبدت الطريق لثلاث أمور يحتاجها العالم الإسلامي هي (النقد الذاتي والعقل) و(الطب والإيمان) و(اللاعنف والسياسة)
فأما الأولى فهي لي؛ فكتبت في (الطب محراب الأيمان) الذي سرق مرات ومرات، فكنت رائدا في هذا المنحى وما زلت، وأتمم حاليا محاولتي السابقة، بوضع موسوعة لاحقة، كي يصبح طريقا واسعا سريعا، وكان من قبل الضيق البطيء، فما زلت حفرا وتوسيعا في آلاف الأبحاث، كما يفعل حفارو قناة باناما.
وأما الثاني فهو كتاباتي (في النقد الذاتي)، وكتبت فيها جزءا خطيرا حورب ثلاثين سنة، حتى فسح من الحركات الإسلامية والوسط التقليدي وأئمة المخابرات.
وأنا بصدد الجزء (الثاني) و(الثالث)؛ فأما الثاني فهو جاهز سوف أقبض فيه على جذور الفكر الإسلامي التقليدي فأهزه من غفوة، وأنشطه من إعاقة، وأنفض ماعلق جسمه من تراب وبدنه من كسل وترهل.
وأما الثالث فلن يفسح قبل قرنين، كما حصل مع رسالة الكاهن (مسلييه) التي ذكرها الفيلسوف الشكاك مونتاني، وحكا المؤرخ (ويل ديورانت) قصته بالتفصيل...
وأما الاتجاه (الثالث) في اللاعنف فأدين به لجودت سعيد، الأستاذ المتفاءل، فأنا منه بمنزلة أفلاطون من سقراط، وأعترف له بالأستاذية، فهو شق الطريق إلى مذهب اللاعنف، وهو غاندي العرب وهو الشركسي، في محاولة تبين طريقة الأنبياء في تغيير الإنسان والمجتمع سلميا، وهو قلب لدورة التغيير، كما فعل كوبرنيكوس في قلب دورة الشمس والقمر، وهو بكلمة أخرى إعلان عن ولادة العقل بعد طول كسوف، بدل قانون العضل الذي يحكم الغربان من عالم العربان.
دمرني الله ثم أحياني، بعد أن خطف مني ليلى ونهاري، فذهبت ملهمتي إلى التراب، وكم ابتلعت هذه الحفر من وجه عتيق وحسن رقيق ومذهب وثيق.
وأرسلني ربي عبر بحور من المعرفة إلى المعقول واللامعقول بل والهذيان، كما حصل مع (جون ناش) في (العقل الجميل Beautiful Mind) بل وأكثر إلى عالم أنوبيس السفلي حيث شارون وزورقه في عالم الأموات، ثم أعادني في معراج بدون إسراء ومعراج، وأعطاني بعد أن حرمني، وأفاض علي بعد أن عذبني، فله أشكر وأحمد وأعبد وأحفد. فأطمع أن يدخلني جنة نعيم. ويريني سدرة المنتهى..
سمع أزيز صدري في السحر، وناديته أنني مغلوب فقال فانتصر، وقرأ دموعي على خدي بمداد منهمر؛ فأرسل لي من عالم الغيب من مفردات النداء نداء.. فرحمني كما رحم أيوب، وآتاه أهله ومثلهم معهم، رحمة من عنده وذكرى للعابدين..
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات