التعديلات الدستورية المصرية... quot;حدوتة يوميةquot;
التحليل الأنيس في توريث ابن الرئيس!
القاهرة - من علي الرز:
أجمل ما في المواطن المصري أنه ينتظرك باستغراب حتى تكمل كلاما طويلا لم يفهمه، ثم يعتذر منك في نهايته ويقول: quot;معلهش حضرتك، بس أفهمquot;. أي أنه لم يلتقط الإشارة المطلوبة في كلامك كي يتصرف بمقتضاها.
وraquo;بس أفهمlaquo; احتجنا إليها كثيرا ونحن نتابع من القاهرة حملة التصريحات المحمومة ضد الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة وربطها بسعي الرئيس حسني مبارك إلى raquo;توريثlaquo; ابنه جمال رئاسة الجمهورية، فمن يقرأ تصريحات بعض المعارضين وتحليلات شخصيات فكرية وإعلامية ينتهي إلى خلاصة واحدة مفادها أن التعديلات raquo;مهدت الطريق أمام جمال لترؤس مصرlaquo;.
التعديلات إذن، مهدت للتوريث.. هكذا بدأت الحملة في مصر بالتساوق مع اعتراضات أميركية تحديدا، وكي raquo;نفهمlaquo; كان لابد من جولة أفق مع مختصين لكشف الرابط بين العنصرين:raquo;التعديلlaquo; وraquo;التوريثlaquo;.
كيف بدأت الضجة فعليا بالنسبة للاستفتاء؟ سؤال طرحناه في بداية جلسة ضمت عددا من الزملاء من توجهات متباينة ويعملون في صحف مختلفة، فأتانا جواب لا علاقة له بما كنا ننتظره، إذ اتفقت الآراء، رفضا وتأييدا على أن جوهر مشكلة التعديلات الأساسي كان في النقاشات التي سبقت إعداد المواد الـ 34 المطلوب تعديلها وليس في المواد نفسها.
ففي النقاش خلاف على مصادر الدستور، وهل يكون الإسلام (والقرآن الكريم) المصدر الرئيسي للتشريع كما هو حاليا أم تكون الديانات السماوية هي مصدر التشريع كما يطالب به جزء كبير من الأقباط في الداخل والخارج؟
هذه القضية أشبعت نقاشا وتوزعت امتداداتها بين الفقهي والدستوري والسياسي، فهناك من قال إن raquo;المصدر الرئيسيlaquo; لا تعني المصدر الوحيد، وهناك من ذهب إلى أن من يطالب بتغيير هذه المادة raquo;مدفوع من جهات خارجيةlaquo;، وهناك من رأى أنه لا بأس من صيغة جديدة تبقي الحصة الكبيرة للغالبية وتأخذ في الاعتبار حقوق الأقليات في الوقت نفسه.
raquo;بس أفهمlaquo;، سألت وأنا أنتظر جوابا على قضية أخرى، فأكمل الحضور طرح النقاط الخلافية في التعديلات وأهما اثنتان: الأولى تتعلق بالمواطنة التي هي أساس النظام الديموقراطي (وليس الاشتراكي)، وهذه المادة هدف المشرّع من خلالها إلى تأكيد المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع وإبعاد كأس الحزازيات الطائفية في مجتمع هو بالفعل آخر من يحتاج إليها. البعض طبعا استهجن هذه المادة لأن raquo;المصري مصري ولا يحتاج إلى شهادة دستورية أو استفتاء على هويتهlaquo;، والبعض الآخر رأى أنها هدفت إلى تطمين الأقباط الذين ربط بعضهم بين مادة raquo;المواطنةlaquo; والنقاشات التي رافقت البحث في مصدر التشريع من دون إدراجها في التعديلات. والخلاف حول هذه النقطة كان واضحا.
والنقطة الأخرى مصدر الاحتجاج كانت في استبدال مادة لمكافحة الإرهاب بقانون الطوارئ، حيث يلغى القانون وتحل محله اجراءات تواكب الحملة العالمية على الإرهاب. هنا، كان لدى الكثيرين خشية من أن يتم التعسف في استخدام هذه المادة على أساس أن النقاشات التي دارت في مجلسي الشعب والشورى تطرقت إلى أحقية التنصت على الهواتف وتعقب الرسائل وملاحقة من يشتبه في تهديده للوحدة الوطنية أو سلامة الوطن. صحيح أن المادة لم تتضمن هذه التفاصيل لكن الناس ينتظرون تقنين ما تحتويه خصوصا أن بعضهم يرى في تهديد raquo;سلامة الوطنlaquo; تفسيرات تبدأ raquo;بسارق بيضةlaquo; وتنتهي بواضح متفجرة.
فهمنا جوهر الاعتراض، وفهمنا قصة التشريع وraquo;الترويعlaquo; ومخاوف بعض المجموعات والخوف السياسي من هذه raquo;المخاوفlaquo;، ولكن ما هو الرابط بين التعديل والتوريث؟ وهل زادت نسبة الأحزاب في raquo;الشعبlaquo; والشورى إلى الدرجة التي يصعب فيها على أي حزب لم يحصل على 5 في المئة من مجموع مقاعد المجلسين أن يقدم مرشحا إلى رئاسة الجمهورية، أي أصبحت سبعة أو ثمانية بما يتيح فقط للحزب الوطني الحاكم أن يقدم مرشحه؟ يجيب الزملاء إن التعديلات، وعلى العكس من ذلك، خفضت النسبة إلى ثلاثة في المئة وأصبحت المادة كالتالي:raquo;للأحزاب السياسية التي مضى على تأسيسها خمسة أعوام متصلة على الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيح واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات على نسبة 3 في المئة على الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى، أو ما يساوي هذا المجموع من أحد المجلسين أن ترشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا وفقا لنظامها الأساسي متى مضت على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقلlaquo;.
إذا كانت القضايا الخلافية في التعديلات الدستورية لا علاقة لها بالتطورات الرئاسية المقبلة، وإذا كانت المادة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية أعطت الأحزاب هوامش أوسع في الترشح فأين الرابط بين التعديل و...التوريث؟ raquo;بس أفهمlaquo;.
يهمس أحد الزملاء في أذنك:raquo;ابتسم أنت في مصر، والتوريث غير موجود أساسا لا في الدستور ولا في تعديلاته، و... مش ضروري تفهم!laquo;.
التعليقات