quot;ليس لحكومتنا معنى ما لم يكن مؤسسا على شعور عميق بالإيمان الديني، ولا يهمني ما هوquot; ايزنهاور

شهد الثلاثاء الفائت إحدى أوسع عمليات الاقتراع الإنتخابي في الولايات المتحدة الامريكية، حيث اشتملت على انتخاب مواطني نصف الولايات كما ضمت الرعايا الأميركيين المقيمين في الخارج، وهو ما يُطلق عليه يومquot;الثلاثاء الكبيرquot;، وذلك للاختيار ما بين المرشحين الى الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في نوفمبر القادم، وبحسب الترجيجات المتوقعة فإن المنافسة ستكون شديدة بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما من الجانب الديمقراطي و بين ماكلين ومايك هوكابي وميت رومني من الجانب الجمهوري،علما ان هذا الاخير ما لبس ان انسحابه يوم الجمعة الفائت وذلك لمصلحة والوطن والحزب كما أشار في تصريحاته.

وبغض النظر عن الأسماء والأشخاص والآليات الانتخابية والاجراءات العملية للديموقراطية، التي غالبًا ما تهتم بها وسائل الإعلام، فإن الانسان القابع في منطقتنا الشرق أوسطية، ينظر بترقب وحذر للأمر، لأن الانعكاسات الداخلية وافرازات الانتخابات لا شك وانها ستطال سياسة الولايات المتحدة الخارجية واستراتيجياتها العسكرية في المنطقة، وتحديدًا في العراق وفلسطين ولبنان... وما يترتب على ذلك من أثر في عمليات التسوية، حيث بدأت الأوضاع في المنطقة تدخل الى ثلاجّة الإنتظار الى ما بعد هذه الانتخابات المنتظرة ونتائجها.

وتعد الانتخابات بمثابة إستفتاء شعبي اميركي حيال سياسة الادارة الاميركية الخارجية والداخلية على حد سواء، وهو أمر يُعدُّ من أحد أهم الانعكاسات الإيجابيةquot;للديموقراطيةquot;الداخلية في الدول العلمانية الديموقراطية، لأن الانتخابات حقيقية وتعكس رأي الناخبين، كما أن نتائجها تساهم بشكل مباشر في تغيير الاستراتيجيات الخارجية للدولة، و تضع مسؤوليها أمام المحاسبة، وهي تشكل إعادة تقييم للحزب الحاكم وسياسته، وهو أمر تفتقره الكثير من الدول الأخرى.

ومن خلال قراءة تاريخية للصراع بين الأحزاب الرئيسية في الولايات المتحدة نجد الخلفية أيديولوجية الكامنة وراءها، فبالرغم من أنه لا يوجد دين رسمي معلن للدولة وهي تُصنف من بين الدول العلمانية، غير انها تتخذ من عبارةquot;توكلنا على اللهquot;شعارا وطنيًّا لها ؛ فالمعتقدات محرك هام في البنية الانتربولوجيّة للشعوب ولا يمكن إنكارها بحال من الأحول، وقد أثبتت الشواهد التطبيقية ان بعض الرؤساء الاميركيين أكدّوا أن للرب مصلحة إلهية مقدسة بشؤون الولايات المتحدة، كما أن للرؤساء مسؤولية ربانية لحماية الدولة، إضافة إلى أنهم يعتمدون على النصوص الانجيلية الدينية عند تأدية قسمهم.

وإذا ما أردنا أن نوّصف النموذج الاميركي للحرية العقائدية فإن من الممكن أن نجد جذوره في الفكر المسيحي المعمداني تحديدًا، فالطاعة لأعضاء ورعايا الكنيسة تكون تابعة لسلطة الدولة بالامور الدنيوية المدنية، وللربّ بالامور الدينية، وإذا ما حصل ثَمّة تعارض بين أمر الدولة وأمر الرب، فإن الاحتجاج على الدولة يكون بالاعتصامات السلمية.


وعن الآراء الاميركية حول علاقة الدين بالدولة يشير ريتشارد لاند، رئيس المؤتمر المعمداني الجنوبي و ممثل الانجليكيين أمام رؤساء الولايات المتحدة وأعضاء الكونغرس، في كتابه الولايات المنقسمة في أميركا في معرض تساؤله عن : هل لاميركا دور رباني خاص؟ الى ان هناك رأيان متضادان حول هذا الموضوع ؛ الأول يؤكد على ان ربط الدين بالدولة يسبب المشاكل أما الرأي الثاني فيجد في ان الفصل بينهما هو الذي يكرس المتاعب، ليصل الى أن الاتجاه الصائب في الموضوع وهو في حماية الحريات الدينية وضمان حقوق الأفراد في التعبير عن معتقداتهم.

فالجمهوريون من المحافظين لا سيما في الآونة الأخيرة كرسّوا مبدأ دمج الله مع الوطن، معتبرين أن للامة الاميركية دور خاص منوط بها وهي تحظى بنعم الله، في حين أن الليبراليون لا يرون ان لله غرض خاص متعلق بأميركا وأن ما حُقق من انجازات سببه اجتهاد الانسان.

إن الجذور العقائدية لتَميُّز دور الأميركين كأمة يعود إلى بداية قيام المستوطنات التي عُرفت بإسمquot;الطهرانيةquot;أوquot;الطهوريةquot;، وهم أولئك الافراد الذين فشلوا في تطهير الكنيسة في انكلترا من فسادها فهاجروا الى اميركا لبناء نموذج لبلد آمن، تكون بمثابة قدسًا جديدة لهم، من هذا المنطلق انبعثت فكرة ان لأميركا أمة فريدة لها أهداف ربانية، هذا الجانب موجود ربما في اللاوعي المجتمعي أما على الصعيد العملي فإن اي شعب على وجه الأرض ليس بعدا اقليميا وجغرافيا وحسب بل إن الشعوب قضايا وأرواح.


بطبيعة الحال هناك العديد من المفكرين الحاليين، يسعون الى تقديم أرضية مشتركة بين الليبراليين والمحافظين، حول دور الله والأديان في أجندة السياسية العامة الاميركية، بحيث تتبلور إمكانية ممارسة الإيمان بالله وبالدين، الى جانب المحافظة على علمانية الدولة و فصل اعمال الكنيسة عن السلطة السياسية، فأميركا إن أرادت فعلا ان تبقى علمانية فلا بد لها من تكون محايدة دينيًّا بعيدًا عن محاولة فرض الرب من قبل طرف على أي طرف من الاطراف الأخرى.

إن المشكلة لا تكمن في الخلفيات الفكرية والحضارية والفلسفية للشعوب، إنما في جعل هذا النموذج هو الذي على بقية الشعوب ان تحتذيه.. لأن ذلك سيؤدي الى عنصرية وشوفينية واصولية مقيتة.

فالشعب الأميركي اختبر العديد من الآلآم خلال فترة حكم رئيسه الحالي، فقد اختبر ألم الارهاب في حادثة البرجين و اختبر ألم الحرب في العراق وأفغانسان، كما اختبر ألم الطبيعة في الاعاصير المتكررة، وهومطالبٌ اليوم وأكثر من أي وقت مضى في تحقيق نزعة السلام، بالاختيار الواعي الذي يضمن له صورته كشعب متطور ومحايد ومحبّ للسلام، من خلال وقف شلالات الدم والحروب التوسعية، ووقف الأنشطة النووية وبث النفايات السامّة المضرة بالبيئة واحترام حقوق الانسان من خلال اقفال سجن غوانتنامو...
إن الشعب اليوم بإمكانه أن يختار قيادة تنبذ الحرب والتوسع وتؤمن بحقيقة السلام، وان تكون على مسافة واحدة من جميع الدول من خلال النظر الى العالم الخارجي بانفتاح وحيادية...

لازلت أذكر انه وأثناء تواجدي في إحدى المؤتمرات العلمية أواخر عام 2001 وأثناء دردشتنا مع الأكاديميين الأميركيين حول الانتخابات المحتدمة وقتها، بين بوش وآل غور، فقد أبدى الأميركيون الذين ينتمون إلى جذور عربية رغبتهم في فوز بوش، وعندما سألت إحداهن عن سبب تأييدها لهذا المرشح، أجابتني : أعتقد بأن بوش والمحافظين، سيتطلعون الى قضايانا الانسانية العربية بشكل أكثر عدالة.
فابتسمت لها قائلة : ربما من قلة عدالتنا بحق أنفسنا أن نستجدي العدالة من الآخرين، ولا اعتقد ان للعدالة اليوم مكان في الديبلوماسية الخارجية للدول حيث لا يمثل الكائن الانساني أكثر من مجرد رقم على لائحة الاستهلاك في جداول الاقتصاد العالمي!
طبعا يبقى الامل معقود بالسلام....فمن حق الانسان في اي بقعة من بقاع الأرض ان يقول: لا لإدارة سياسية تؤيد الحروب تحت اي مسمى كانت، لا لسياسة تشيّئ الانسان وتحوله الى سلعة، لا للسجون والمعتقلات!!!

هامش

______________

للاطلاع على مزيد من الشواهد العودة الى القسم الأول من كتاب :
RICHARD LAND: THE DIVIDED STATES OF AMERICA? - 2007

كاتبة لبنانية
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية