| ||
أمير طاهري
فيما يقيم الايرانيون يوم حداد على أرواح المتظاهرين الذين قُتلوا بأيدي القوات الإسلاميَّة، يتناقش قادة الحركة الاحتجاجية وراء الكواليس حول الاستراتيجيَّة. وإذ يشير بعض المدافعين عن نظام الخميني إلى تضاؤل حشود المحتجين، فإنهم يخلصون إلى أنَّ حركة الاحتجاج أخذت تفقد زخمها.
في الحقيقة، إنَّ الحركة حققت نصرًا كبيرًا بإنهاء الاسطورة القائلة أنَّ نظام الحكم يسيطر على quot;الشارعquot; من خلال quot;الجماهير الشعبيةquot;. فقد أظهرت أحداث الأيام الاثني عشر الماضية أنَّ المعارضة قادرة على تعبئة حشود أكبر وأقوى عزيمة. ولم يتمكّن النظام من استعادة السيطرة على quot;الشارعquot; إلا عبر نشر قوى أمن تعبّر عن حالة الطوارئ في البلاد.
وبات النظام يخشى الحشود التي استخدمها في السابق كوسيلة للتواصل السياسيّ.
وتبدى هذا الخوف يوم الأربعاء عندما ألغت السلطات تظاهرة أمرت بخروجها ضد التدخل البريطاني المزعوم في شؤون ايران.اذ أنالخشيةمن احتمالتمكن المعارضة من استغلال التجمعات التي تعرض خدماتها برسم الايجار غطاء لتظاهراتها هي، أقنعت النظام بصرف النظر عن الفعالية.
يقول احد مستشاري مير حسين موسوي رئيس الوزراء السابق الذي تحدى الرئيس محمود احمدي نجاد في انتخابات 12 حزيران (يونيو) الرئاسية المطوعون بها: quot;نعرف اننا نستطيع ان نستحوذ على الشوارع متى ما نشاء والسؤال هو ماذا يلي ذلك؟quot;
عموما أخذت تظهر ثلاث استراتيجيات في صفوف المعارضة.
اعتمد موسوي مقاربة الحد الأدنى على غرار استراتيجية القائد النقابي البولندي ليخ فاليسا إبان الثمانينات. وتتمثل هذه الاستراتيجية برفع مطلب واحد في اطار الدستور، مطلب يمكن في حال تلبيته أن يغير قواعد اللعبة.
ويدعو موسوي الى انتخابات جديدة.
ويحظى مطلب موسوي بتأييد واسع على امتداد الطيف السياسي، ويقول حتى بعض مؤيدي احمدي نجاد انهم قد يوافقون على اعادة الانتخابات ليتمكن زعيمهم من الفوز بأغلبية حتى أكبر.
نظام الحكم رفض التفكير في اعادة الانتخابات. مع ذلك يمكن ان يبقى الخيار على الطاولة لبعض الوقت. واستمهل مجلس صيانة الدستور - وهو هيئة ذات 12 عضوا عليها ان تُقر نتيجة الانتخابات - خمسة ايام اخرى للمصادقة على فوز احمدي نجاد.
لن تبدأ ولاية احمدي نجاد قبل آب (أغسطس) حين من المنتظر ان يشكل حكومة جديدة ويؤدي اليمين القانونية.قبل ذلك على المرشد الأعلى علي خامنئي أن يصدر فتوى يعيِّن فيها احمدي نجاد رئيسا. وتوفر هذه الاجراءات فترة سيبقى فيها خيار اعادة الانتخابات حيا.
أحد الاحتمالات أن يطلب احمدي نجاد نفسه اعادة الانتخابات في محاولة للحيلولة دون وقوع مزيد من سفك الدماء. الاحتمال الآخر ان يستقيل احمدي نجاد بعد فترة وجيزة على بدء ولايته الثانية في تظاهرة تحدٍ ضد المعارضة. وبغية ان يحدث ذلك على المعارضة ان تواصل الضغط مع العمل على تعميق الانقسام داخل المؤسسة الخمينية.
كما ان من المهم ان ترفض القوى الخارجية الكبرى اضفاء الشرعية على ولاية احمدي نجاد الثانية. امكانية مضاعفة العزلة الدولية الناجمة عن اعادة انتخاب احمدي نجاد المطعون بها قد تقنع مزيدا من اقطاب المؤسسة بإجراء انتخابات جديدة.
الرئيس السابق محمد خاتمي، وهو ملا ذو رتبة متوسطة واحد المستشارين القريبين لموسوي، يتفق مع هذا التحليل. وقد حذر خاتمي ايضا من اعتماد استراتيجية تهدف الى تغيير النظام مباشرة.
ليس الجميع متفقين في هذه الحركة المعارضة بتنوع مكوناتها. مهدي كروبي على سبيل المثال، ملا من المستوى المتوسط وأحد المرشحين الثلاثة الذين يدَّعي احمدي نجاد انه انتصر عليهم، يصر على ان المعارضة يجب ان تقدم برنامجا أعرض.
وفي سابقة له، خرق كروبي ما قد يعتبر من أكبر المحرمات السياسية في النظام الخميني عندما شكك في شرعية تعيين خامنئي مرشدا اعلى في عام 1989.
لا يهدف كروبي الى اجراء انتخابات رئاسيَّة جديدة فقط، بل يذهب الى ابعد من ذلك مطالبا بأن تُعاد الاجراءات التي رفعت خامنئي الى قمة السلطة. كما انه يمنح الأقليات القومية قدرا أكبر من الحكم الذاتي ويطرح قوانين تمنع القوات المسلحة من التدخل في السياسة ويقترح تعديلات دستورية تؤكد الوجه الجمهوري لنظام الحكم على الضد من طابعه الديني.
الشخصية الثالثة المعروفة في معسكر المعارضة هي الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي شجبه احمدي نجاد بوصفه quot;عراباquot; من نمط المافيا يدير شبكات مغرقة في الفساد والصفقات التجارية المشبوهة. وبحسب المحيطين به فان رفسنجاني quot;يستشيط غضبا على احمدي نجادquot; ويعمل جاهدا لمنع الرئيس الذي أُعيد انتخابه من الحكم حتى نهاية ولايته الثانية التي تمتد اربع سنوات.
كان رفسنجاني وموسوي عدوين سياسيين لدودين في الثمانينات. وفي عام 1989 كان رفسنجاني، متحالفا مع خامنئي، وراء إجراء تعديلات دستورية ألغت منصب رئيس الوزراء وأقصت موسوي الى عشرين عاما من الجدب السياسي. ولكن يقال الآن انهما صديقان حميمان، عازمان على العودة الى السلطة.
مع ذلك يعتقد رفسنجاني ان استراتيجية الحد الادنى التي ينتهجها موسوي ستؤدي الى طريق مسدود. فان نظام الحكم قد يلف ويدور بشأن الموضوع، كما فعل خلال الايام العشرة الماضية، الى ان يستعيد سيطرته.
تهدف استراتيجية رفسنجاني الى اقامة سلطة انتقالية يسندها آيات الله في قم. وبعد اقامة هذه السلطة فان مجلس الخبراء وهو هيئة تضم في عضويتها 92 ملا لها سلطة ان تحاسب المرشد الأعلى وتقيله، يمكن ان يُستخدَم سيف ديموقليس يُسلط على رأس خامنئي فارضا عليه التعاون أو المخاطرة بفقدان منصبه.
باختصار يهدف موسوي الى ايجاد صيغة لتقاسم السلطة يكون خامنئي وأنصاره بموجبها جناحا كبيرا من اجنحة النخبة الحاكمة. ويرى كروبي ورفسنجاني من جهتهما انه لكي تتسلم المعارضة مقاليد السلطة يتعين تهميش خامنئي أو خلعه.
المجهول في هذا كله هو موقف الشعب الايراني. ففي هذه المرحلة لا أحد يعرف أي الاستراتيجيات يمكن ان تعبئ طاقاته، إن وجِدت.
يمكن لحصيلة النقاش الداخلي في المعارضة ان تساعد في تقرير نتيجة الصراع الأوسع على مستقبل ايران.
التعليقات