بينما يُهلّل مؤيّدو النظام السوري لفوز ترامپ على اعتبار أنه صرّح أنه سيكون في أولياته محاربة تنظيم داعش أولاً ومن ثم حل عقدة الأسد، وقد سبقه أيضاً تهليل المعارضين السوريين لهيلاري على اعتبار أنها تُناصر قضيّتَهم ضد النظام وحلفائه متناسيين ما كان لهيلاري من دور في وصول الأوضاع لما هي عليه الآن في سوريا من خلال دعمها للأخوان المسلمين؛ نجد أنّ في هذَين الموقفين إفلاساً وضياعاً لا يعكس إلاّ تشتُّت السوريين و وصولهم لمرحلة يروا فيها أي تغيّر عالمي قد يكون مُنقِذاً لهم، (وليس في هذا إدانةً لهم بعد أنْ خذلهم الجميع)، فينظرون سواء لترامپ أو لهيلاري نظرة الغارق الذي يتعلّق بقشة كي تُنقذَه.

ناهيك عن باقي العرب الذين أيضاً أبدوا ردود أفعال انفعالية، بعضها مُحمَّل بالخيبة وبعضها بالأمل والتفاؤل، وهذا لارتباط مصير العرب عبر العصور بأسباب وعوامل وقرارات خارجية من دول كبرى. فالكثير من ردود فعل العرب تجاه رئاسة ترامپ كانت تفتقد للموضوعية لدرحة الإفلاس العام والجهل جرّاء أي تغيير عالمي، فكيف إذا كان هذا التغيير رئاسياً وفي الولايات المتحدة الأميركية وهي التي عوّل عليها العرب في كل مراحل بلدانهم وتحوّلاتها السياسية الخارجية منها والداخلية، حيث قرارات السياسة الخارجية الأميركية تؤثّر بشكل حقيقي في مجرى الأمور في الشرق الأوسط، وهي التي استنجدتْ بها الشعوب العربية وبأوباما الذي قابلهم بالخيبة طاعناً بهذا في كل توقّعاتهم.

من هنا، ينظر العرب للرئيس - الأميركي أو غيره - نظرة المواطن للحاكم (بمنظور عربي)؛ أي الحاكم، الآمر الناهي، الذي بيده السلطة وقرارات التغيير من ألِفها إلى يائها، لكن ما يغفلون عنه وبشكل دائم رغم وضوحه؛ هو أنّ الرئيس في أميركا يتعامل مع الشعب الأميركي بحرية شفافة، حيث الرئيس يخضع لضوابط معينة للسلطة تحكمها المحكمة الدستورية العليا، وأي قرارات لا تصب في مصلحة الدولة ولا يوافق عليها مجلس الكونغرس لن تُنفَّذ. هذا فضلاً عن أنّ القرارات الخارجية يشترك بها كلا الحزبَين الديمقراطي والجمهوري ويتناوبان على تغطيتها وإكمالها بمشاريع وملفّات جاهزة مع إبقاء الوضع الداخلي للمواطن الأميركي بعيداً نوعاً ما عن كل هذا وإشعاره بأنه في موطن الأمان والحرية والديمقراطية. 

فما حدث في تجربة الإنتخابات الأخيرة بين ترامپ وهيلاري وما آلتْ إليه نتائج الفوز، يعكس موقف الأميركيين تجاه الديمقراطيين الذين ساهموا في إضعاف المواطن الأميركي، وإهمالهم للطبقة العاملة، بسبب هزالة سياسة الإدارة الأميركية في عهد أوباما واللاّ فعل تجاه ما يحدث حول العالم من حروب وثورات وتصاعُد الإرهاب وظهور تنظيم الدولة داعش وغيره. الإدارة الأميركية كانت وما زالت تُطلِق وعوداً في محاربة الإرهاب الذي وصل لبلدهم أميركا ولم تعالجه الإدارة الأميركية برئاسة أوباما سريعاً؛ بل تركتْ كافة ملفّات المنطقة بيد تركيا والسعودية وقطر وإيران وغيرهم، مما خلق فوضى نتائجها كارثية لسنين طويلة، وأظهرتْ أميركا في حالة ضعف غريبة.

المواطن الأميركي شعر في عهد الديمقراطيين أنّ بلاده ليست قوية كالسابق وظهر تخوُّف دائم من وصول الإرهاب إليه؛ الأمر الذي ركّز عليه ترامپ بشكل دائم في خطابه للشعب الأميركي وهو جعْل أميركا عظيمة مرة أخرى وتدمير داعش، وهو أحد أسباب فوزه بالإضافة إلى وضع هيلاري كشخص غير موثوق به وقضية رسائل بريدها الإلكتروني التي كشفتْ ملفات الفساد وسياستها الفاشلة حيال الحرب في الشرق والإرهاب. يُضاف إلى أسباب فوز ترامپ أيضاً فشل الأطراف الأخرى كلها سواء بمحاربة داعش والقضاء عليه، أو بإيجاد حلول للحروب الجارية لا سيما في سوريا والعراق و وصول الإرهاب والتطرّف الديني إلى ما وصل إليه فأصبح من المطلوب خلق أسلوب جديد وإدارة مختلفة لتحديات جديدة. 

تِباعاً، وبالعودة للإنتخابات ونتائجها وتعامل المرشحَين معها؛ فما كان حري بالعرب - شعوب وحكومات - أن ينظروا إليه هو التداول السلمي للسلطة الذي تمّ في الإنتخابات الأميركية، وحيث قابلتْ هيلاري خبر فوز منافسها ترامپ بالتهنئة له وقالت "إنّ ديمقراطيتنا الدستورية تعطي الإنتقال المسالم للسُّطلة ونحن لا نحترمها فحسب بل نحتفي بها، فدونالد ترامپ سيكون رئيسنا وسنعطيه الفرصة". هذا التداول السلمي الذي لم يتعلم منه العرب والشرق أوسطيين شيئاً؛ تداوُل من دون إراقة دماء ولا حروب أو ثورات قد تُستَغَل لتنتهيَ بداعش وكل حثالات الأرض والدول في أرضها. فأين الحكام العرب والسياسيين من كل هذا؟ أين هم من التاريخ ومن أنهار الدماء التي أُريقت من أجل تمسّكهم بكراسي الحكم؟ هل من حاكم عربي يمارس الإنتقال السلمي للسُّلطة بانتخابات شعبية حقيقية؟! هذا ما كان حري بالعرب أن يتناولوه ويُهلّلوا له. 

فعلى العرب بدلاً من انفعالهم غير المجدي للإنتخابات الأميركية، أنْ يعملوا على أن يكون لهم وجود فاعل حقيقي في أميركا - طبعاً بعد بناء إنساني لمجتمعاتهم في احترام الحريات والحقوق والديمقراطية - لا سيما مع عددهم الكبير في أميركا الذي تجاوز الثلاث ملايين عربي ومسلم، وليس فقط عبارة عن علاقات شخصية بين رؤساء عرب مع الرئيس الأميركي التي لم تُنتِج إلاّ الخيبات؛ بل كما هو حال اللوبي اليهودي النشِط ويده الفاعلة الواصلة لعمق السياسة الأميركية، أو كما تحاول إيران أن تفعل بعد توقيع الإتفاق النووي مع أميركا، هذا ما يجب أن يتطلّع إليه العرب. فإذا ما بقي العرب مُتلقّين غير فاعلين، مُنفعلين في الكلام حياديين في الأفعال، فدائماً ما ستكون النتائج في غير صالحهم لا سيما وأنّ العالم ينظر لهم اليوم نظرة المُسبّب والصانع للفساد والظلم والإرهاب وهُم حتى الآن في صراع على حقوق أساسية وجذرية للشعوب كالعلمانية ودولة المواطَنة والقانون والتي لم يَعوا أهميّتها وإيجابياتها على المجتمعات في بناء الإنسان المتصالح مع الآخرين المختلِفين عنه سياسياً ودينياً واجتماعياً في نفس المجتمع ونشر ثقافة التعددية من أجل التمهيد لمجتمع سليم. 

بكل الأحوال، وبصدد الوضع في الشرق الأوسط، يبدو أنّه وقت التحولات والتي تتالتْ هذا العام وليس أولها فوز ترامپ الذي يمثّل إدارة أميركية جديدة ولن يكون آخرها، حيث سبق هذا تعيين ميشيل عون رئيساً للبنان عبر دور إيراني فعلي وتسهيلات سعودية بموافقة الأغلبية من قيادات الطوائف في لبنان كبداية لتسويات في المنطقة انطلاقاً من لبنان والعراق عبر معركة الموصل، ومن ثم الرقة السورية التي ستدفن كل أثر لداعش ليبدأ - ربما - ترامپ وحلفائه في المنطقة حل العقدة السورية والنظام، وكذلك ضبط جماح أردوغان الذي أدخل تركيا في نفق مظلم. قد يحمل ترامپ في سلّته المفاجآت لدول المنطقة، لهذا سنترقّب مشروعه في التغيير؛ فهل سيفعل ما يقوله؟

ريم شطيح - كاتبة وباحثة سورية