داود الشريان / ايلاف: في عام 1972 بدأت الصحافة اليومية في العاصمة السعودية. صدرت جريدة "الجزيرة". كان خالد المالك رئيس تحريرها، ولايزال.

لم يكن استمرار خالد المالك بهذا المنصب على مدى نصف قرن صدفة. فالعام 1972 سنة كبيسة، وكانت أطول من أي سنة أخرى بمقدار 24 ساعة إضافية. والمالك هو اليوم أقدم رؤساء التحرير في العالم. لكن من يراقبه يشعر انه للتو بدأ عمله.

خالد لا يشبه احدًا في تاريخ الصحافة العربية. ليس صحافيًا بالمعنى التقليدي للكلمة، بل صانع صحف وصحافيين. وهو رئيس تحرير رؤساء التحرير، ليس بالأقدمية فحسب، بل لامتلاكه قدرة متفرّدة في الإدارة الصحافية، والتقاط المواضيع التي يحبها الناس، وخلق بيئة عمل للصحافيين، دون أن يشعر بأنهم يسرقون الضوء منه، فضلاً عن دعمه لاكثرهم ابداعًا ومهنيةً، وسعيه لكسبه في فريق عمله.

خالد المالك يمارس المنافسة بفروسية نادرة. وهو حين ينافس لا يتأمّر او يشهر سيفًا، بل يتمسك بشعرة معاوية. لا يخلط الأمور، ولا يشخصن التنافس.

ومن يعرف مسيرة ابو بشار المهنية سيجد ان الذي ينافسهم بضراوة هم أقرب الناس اليه على المستوى الشخصي. المنافسة في منهج المالك اكسير للعمل والابداع، وصنع الحماسة. وقصة التنافس بينه وبين الراحل تركي السديري، رئيس تحرير جريدة "الرياض" تستحق ان تكتب في باب المنافسة الإيجابية، وان شئت الخلاقة. فهو كان يحب تركي ويقدّره ويسأل عنه. وكان لايفارقه في الرحلات الصحافية. لكنه "ينكل" به وبجريدة "الرياض" في ميدان المنافسة، ويلعب هذا الدور بمتعة تفضحها أساريره وطريقته في وصفها !

في 1980، احترقت طائرة "من طراز "تريستار" تابعة للخطوط السعودية وهي تهبط في مطار الرياض. صدرت الطبعة الأولى لجريدة الجزيرة منفردة بصور مثيرة للطائرة المحترقة. خبطة صحافية بكل المقاييس. قامت جريدة الرياض بسرقة صور "الجزيرة"، بعد ان حاولت تعديل بعضها، وحذف صورة مراسل "الجزيرة".

في اليوم التالي صنع المالك سبقا صحافيا آخر. أشعل حريقا صحافيًا. نشر صورا لصفحات جريدة "الرياض"، وكتب قصة السرقة التاريخية كاملة. لكن المتعة ليست في قراءة القصة الإخبارية لتلك السرقة الصحافية، بل سماعها على لسان خالد المالك وهو يرويها بضحكٍ مثل الشماتة.

المنافسة هي أوكسيجين خالك المالك في مهنة الصحافة. كل من عمل مع المالك يعرف انه مفعم بطاقة غير عادية، وشغوف بعمله على نحوٍ متفرد، لكن كل هذا يخبو ويهدأ اذا غابت المنافسة عن ميدانه.

اللافت في شخصية المالك انه يعيش حال تصالح بين القلق والابداع. يعمل وكأنه لا يعرف القلق، على الرغم انه غاطس حتى اذنيه فيه، لكن قلق المالك ليس قلقا تقليدًا، انه قلق مبتسم!

من يتابع الأحاديث التي يجريها خالد المالك سيجد انه لا يتوقف كثيرًا عند جملة كتبها أو مقال. خالد لا تعنيه الجملة التي يكتبها، همه اقتناص المواضيع، ومن يكتبون الجمل والمواضيع. وفي مسيرته الصحافية الثرية كان راعيًا لصحافيين وكتّاب، صار لهم تاريخ في هذه المهنة. لعل أبرزهم عثمان العمير، وآخرين كان لهم بصمة في مسيرة الصحافة السعودية، مثل عبدالرحمن السماري، ومحمد الوعيل، وعبدالرحمن الراشد، وعبدالعزيز المنصور وإبراهيم التركي، فضلاً عن أدباء وكتّاب أعمدة كسبو شهرةً واسعة.

خالد المالك جعل جريدة "الجزيرة" بيتًا بلا أبواب، وأصبحت منذ صدورها، وعلى مدى ثلاثة عقود، منتدى صحافيًا بلا شروط عضوية. كل من يمتلك شغفًا، ما عليه إلا ان يذهب "للجزيرة" ويمارس هوايته، وسيجد خالد المالك في استقباله مرحبا!

المالك شخصية منجزة بكل ما تعنيه الكلمة. لكنه اإنسان غير مندفع. وهو مستمع من طرازٍ خاص. ورغم سعيه الحثيث للنجاح، لا تبدو عليه الغيرة من منجزات الآخرين. فالغيرة عنده رغبة في المنافسة في صورتها الإيجابية، وتتحول الى قوة تدفعه الى الأمام.
والغريب انه يعيش شعورا باذخًا بالأمان والثقة بالنفس، على الرغم انه يقتات على المنافسة، وتلك مفارقة عجيبة، فضلا عن ان المالك، نادراً ما يطلب مساعدة من الآخرين، ولا يحب الحديث عن إنجازاته، رغم أن مسيرته تصلح مادةً لفيلم وثائقي عن الآباء المؤسسين للصحافة السعودية.