الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو واحد من أعنف وأطول الصراعات في التاريخ الحديث، والذي يتسبب في معاناة وخسائر بشرية ومادية لكلا الشعبين.

رغم الجهود المبذولة من قبل المجتمع الدولي والوسطاء الإقليميين لإحلال السلام بين الطرفين، إلا أن حلّ الدولتين، الذي يقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل في سلام وأمن، لم يتحقق بعد. فالخلافات حول قضايا رئيسية مثل حدود الدولة ووضع القدس وحق العودة للاجئين، والانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، والتغيّرات السياسية في إسرائيل والدول المؤثرة، كلها عوامل تعرقل تحقيق هذا الحل.

هذا يدفعنا للتساؤل: هل من حلّ بديل لهذا الصراع المستعصي؟ هل من الممكن إقامة دولة واحدة تضم الإسرائيليين والفلسطينيين في دولة وحكومة واحدة، بدلاً من دولتين؟ هذه هي فكرة تثير جدلاً كبيرًا بين المؤيدين والمعارضين لها، وتطرح تحديات وفرص كبيرة لكلا الشعبين. فهل هذه فكرة عملية أو مستحيلة؟ هل هذه فكرة عادلة أو ظالمة؟ هل هذه فكرة مستقبلية أو ماضية؟

سأحاول استكشاف الفكرة من زوايا مختلفة، وتقديم حجج وأدلة تدعمها أو ترفضها. سأبحث في التاريخ والدين والوطنية والديمقراطية والإنسانية، وأستشهد بأمثلة من دول اختفت من الخارطة أو قامت مكانها دول أخرى أو اندمجت مع دول أخرى. سأحاول أن أكون موضوعيًا قدر الإمكان، وأن أعرض رؤى متعددة لهذه المسألة المعقدة.

نستعرض هنا بعض الجوانب المضيئة والصعوبات لقيام دولة واحدة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، من منظور اقتصادي واجتماعي. ومن الجوانب المضيئة لقيام دولة واحدة، إنهاء الصراع والعنف والتوتر بين الشعبين، وإحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وكذلك إزالة الحواجز والجدران والحواجز العسكرية والإدارية التي تفصل بين الشعبين، وتعويضها بحرية التنقل والتجارة والتعاون، فضلا عن توحيد الموارد والثروات الطبيعية والبشرية للشعبين، وتحسين البنية التحتية والخدمات العامة والمشاريع التنموية، ويسهم هذا في تكوين سوق مشتركة تضم نحو 15 مليون نسمة، تزيد من القدرة التنافسية والجذب الاستثماري للدولة، ويساعد قيام دولة واحدة تضم الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني الى تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي والفني بين الشعبين، وإبراز التنوع والتسامح والانفتاح كقيم مشتركة، وتحقيق حلول عادلة لقضايا مثيرة للجدل مثل مصير اللاجئين الفلسطينيين، ووضع القدس، وحقوق الأقليات.

ورغم علمي ان الفكرة ليست جديدة وسبق طرحها من بعض المفكرين والسياسيين والنشطاء من كلا الجانبين على مر الزمن، خاصة في ظل فشل حل الدولتين في تحقيق السلام والعدالة. لكن هذه الفكرة تواجه أيضا معارضة شديدة وتحديات كبيرة من كلا الطرفين، لأسباب تاريخية ودينية ووطنية وعملية.

من جهة، يرون أن دولة واحدة ديمقراطية تضمن حقوق المواطنة والمساواة لجميع سكان الأرض التاريخية لفلسطين هو الحل الأكثر عدلاً وإنسانية، والذي يمكن أن يضع حداً للصراع والعنف والتمييز. كما يرون أن هذه الدولة ستكون قادرة على استغلال الموارد والإمكانات المشتركة بشكل أفضل، وتعزيز التعاون والتآخي بين الشعبين.
كذلك يرون أن هذه الدولة ستحقق حلولاً لقضايا معقدة مثل مصير اللاجئين الفلسطينيين، ووضع القدس، والحدود، والأمن.

من جهة أخرى، يرون أن دولة واحدة تهدد هوية كلا الشعبين، وتخالف تطلعاتهما الوطنية. فالإسرائيليون يخشون أن يصبحوا أقلية في دولة ذات غالبية عربية مسلمة، وأن يفقدوا دولتهم التي اعتبروها ملاذاً للشعب اليهودي بعد تاريخ من المعاناة والملاحقة. كما يخشون أن يتعرضوا للانتقام أو التهجير من قبل الفلسطينيين. أما الفلسطينيون فيخشون أن يستمر الظلم والإقصاء في دولة تحكمها قوى صهيونية، وأن يفقدوا حقهم في تقرير مصيرهم. كما يخشون أن يتغير هوية فلسطين التاريخية بفعل التغيرات الديمغرافية.

إضافة إلى ذلك، هناك صعوبات عملية في تحقيق دولة واحدة، مثل كيفية تشكيل نظام حكم فعال وشامل، وكيفية توزيع الموارد والثروات بشكل عادل، وكيفية حفظ التراث والثقافات المتعددة، وكيفية التغلب على المشاعر المتأججة من الكراهية والثأر والخوف. كما هناك معارضة دولية لهذه الفكرة، خاصة من الولايات المتحدة والدول الغربية التي تدعم حل الدولتين، والتي ترى أن دولة واحدة ستؤثر على مصالحها وحلفائها في المنطقة.

بالتالي، يمكن القول إن إقامة دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين هي فكرة جذابة لبعض الناس، ولكنها أيضا فكرة مستبعدة لآخرين. ولا يمكن تحقيقها إلا بإرادة حقيقية من كلا الطرفين للتخلي عن مطالبهما التاريخية والوطنية، والتوصل إلى تسوية شاملة تضمن حقوق الجميع.
وهذا يتطلب تغيراً جذرياً في الوعي والموقف من كلا الجانبين، ودعماً دولياً نزيهاً لهذه الفكرة.

اليوم حينما نرى الرشقات المتبادلة بين الطرفين وانحياز القوى العظمى الى جانب دولة إسرائيل ومساعدتها بالأسلحة والعتاد ومواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل، بأسلحة فتاكة وقتل الأبرياء من النساء والأطفال وكبار السن، ربما يفتح هذا الموضوع للنقاش بشكل أوسع، حقنا للدمار والقتل بين الطرفين، ومن مصلحة دول العالم ان تعيش بأمان، الا اذا لها مصلحة من استمرار القتال بين الطرفين، من حق الإسرائيليون والفلسطينيون ان يحلموا بوطن جميل وبناء مستقبل لوطنهم، انتظروا طويلا حتى يعيشوا بسلام الا ان الدول العظمى لا يهمها ان يعيش الشعبين بسلام، فهي تبحث عن مصالحها في المنطقة، واثبات وجود قوى عظمى.
هل من المفيد لإسرائيل ان تبقى على هذا الحال تنشغل مع القتال، وهل من صالح الفلسطينيين ان يبقوا مهاجرين ويعيشون في كرب دائم، الم يحن الوقت العيش بسلام، بالطبع هناك صعوبات تقف حاجزاً لتحقيق هذه الوحدة، منها عدم التوافق بين رؤى وطموحات الشعبين، فالإسرائيليون يرفضون التخلي عن دولتهم اليهودية، والفلسطينيون يرفضون التخلي عن حقهم في تقرير مصيرهم. وعدم التغلب على المشاعر المتأججة من الكراهية والثأر والخوف بين الشعبين، نتيجة سنوات طويلة من الصراع والظلم والانتهاكات. فضلا عن عدم تشكيل نظام حكم فعال وشامل، يضمن تمثيل كافة الأطراف السياسية في صورة حكومة ائتلافية أو فيدرالية أو كونفدرالية. ومن المخاوف أيضا عدم توزيع الموارد بشکل عادل، بحیث لا یتم تفضيل أحد الجانبين على الآخر، أو إھمال احتياجات أی منھما.

ومن الجوانب المهمة التي قد تعيق قيام دولة واحدة هو عدم حفظ التراث والثقافات المتعددة للشعبين، فکلاھما یخشیان أن يفقدان ھویتھما أو أن یتغیّر شکلھما بفعل التغيرات الديموغرافية.
وكذلك عدم الحصول على دعم دولي لهذه الفكرة، خاصة من الولايات المتحدة والدول الغربية التي تدعم حلّ الدولتين، والتي ترى أن دولة واحدة ستؤثر على مصالحها وحلفائها في المنطقة.

طبعا هناك نماذج في العالم لمثل هذه الحالات منها اندمجت في دولة واحدة ومنها ما انقسمت الى دولتين، فمثلا المانيا كانت مقسمة الى دولتين بعد الحرب العالمية الثانية، هما ألمانيا الديمقراطية وألمانيا الاتحادية في عام 1989، تم هدم جدار برلين، الذي كان يفصل بين الجزئين، وبدأت عملية إعادة توحيد ألمانيا. في عام 1990، تم إعلان اندماج الدولتين في دولة واحدة تحت اسم جمهورية ألمانيا الاتحادية. ونفس الحال حدث مع فيتنام التي كانت مقسمة الى دولتين فيتنام الشمالية وأخرى جنوبية ووقعت حرب بين الفيتناميين وفي عام 1975 أعلن اندماج الدولتين في دولة واحدة.

اما تشيكوسلوفاكيا، فكانت دولة تضم شعبين هما التشيك والسلوفاك، وتم الاتفاق بين قادة التشيك والسلوفاك وأصبحت دولتين مستقلتين هما جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا.
وحال الإسرائيليين والفلسطينيين اليوم اشبه بحالة تشيكوسلوفاكيا شعبين في دولة واحدة، اما ان يتفقوا ويعيشوا بسلام في دولة واحدة، او يقرروا الانفصال، المجتمع الدولي ينتظر اما انفصال الدولتين او قيام دولة واحدة.
ومن الواضح ان امام الشعبين طريق طويل ليعيشوا بأمان.