لا حرب ولا كارثة طبيعية. لا زلزال ولا إعصار، ومع ذلك لا وجود للكهرباء في عاصمة إقليم كردستان الذي تبجح قادته قبل عشر سنوات بأنهم سوف يحولونها إلى دبي ثانية، فيما خرج اللاحقون ليزفوا علينا بشرى توأمة مدينة أربيل مع مدينة ناشفيل الأمريكية تارة، ومع باريس عاصمة النور تارة أخرى!.
الأزمة استفحلت إلى درجة أن يخرج علينا محافظ أربيل لأول مرة ليعلن أمام وسائل الاعلام المحلية " بأن وزارة الكهرباء بحكومة إقليم كردستان لا تستطيع سوى تجهيز المدينة بساعتين أو ثلاث يوميا ". فيما أشار محافظ السليمانية والتي تعتبر عاصمة الثقافة في العراق " أن ساعات تجهيز الكهرباء للمدينة لا تتجاوز يوميا أكثر من 6-7 ساعات فقط ". وهذا اعتراف رسمي من أعلى السلطات المحلية بفشل حكومة الإقليم من معالجة أزمة الكهرباء المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود!.
فهذه الأزمة تعود إلى أواخر عام 1991 حين سحب النظام العراقي في بغداد إدارات الحكومة المركزية من إقليم كردستان عقب الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في شهر آذار من ذلك العام، وعاشت مدن كردستان منذ تلك اللحظة في ظل أزمة حادة لتجهيز الكهرباء بسبب الحصار الاقتصادي المفروض حينذاك.
كان هناك أمل بعد سقوط النظام الصدامي بتدارك الوضع والاسراع بمعالجة هذه الأزمة المستفحلة مع تدفق عشرات المليارات من الدولارات من بغداد على الإقليم وحصوله على مئات الملايين الأخرى من عائدات تصدير النفط الذي بدأ منذ عام 2007. ولكن الأزمة استمرت دون حل بسبب الفساد المستشري في إدارات الحكومة المحلية!.
وقبل سنوات أنشأ أحد المستثمرين الوطنيين من أبناء مدينة أربيل محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بكلفة 400 مليون دولار غطت إلى حد ما احتياجات الإقليم لكنها لم تحل المشكلة برمتها وذلك بسبب سوء إدارة قطاع الكهرباء من جهة، وكذلك بسبب التوسع العمراني الكبير الذي جرى خلال السنوات العشر الماضية.
وحين أشير إلى سوء إدارة هذا القطاع لا بد أن أوضح بأن مدينة أربيل اتسعت خلال العقد الماضي بشكل غير مسبوق، فقد تم بناء مئات المدن الجديدة حول أربيل وبنيت مئات العمارات السكنية والشقق في أرجاء المدينة في وقت لم تستطع الحكومة من بناء ولو مشروع استراتيجي واحد لمجاراة هذا التوسع العمراني الهائل، وبذلك أصبح تجهيز المدن الجديدة بالكهرباء على حساب بيوت المواطنين في أحياء المدينة.
وما زاد الطين بلة هو عجز حكومة الاقليم عن تجهيز الوقود لتشغيل الوحدات الانتاجية المتوقفة عن العمل في محطة أربيل الحالية حيث أن الاقليم يحتاج إلى أكثر من سبعة آلاف ميغاواط لتغطية كامل الاحتياجات، في حين أن المحطات العاملة لا تستطيع سوى تأمين ما يقدر بـثلاثة آلاف وخمسمائة ميغاواط حسب تصريحات مسؤولي وزارة الكهرباء.
وفي السياق ذاته تشير أوساط المعارضة المحلية إلى أن حكومة الإقليم ورغم تفاقم هذه الأزمة الخانقة تبيع 200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية المنتجة من محطاتها إلى محافظة الموصل في وقت تعاني محافظاتها من شحة الكهرباء!.
إن الوضع الحالي مع فقدان الطاقة الكهربائية المستدامة أصبح لا يطاق خصوصا وأن البديل الوحيد في الوقت الحالي هي المولدات الأهلية التي تكلف بدورها مبالغ طائلة تستنزف جيوب المواطنين شهريا في ظل غياب التجهيز الحكومي. ورغم أن هذه المولدات تشكل بديلا مفترضا عن الكهرباء الحكومي، لكن الحكومة المحلية تمنعها من تجهيز الكهرباء للمواطنين بعد الساعة الواحدة ليلا مما يؤدي إلى غرق عاصمة الاقليم في ظلام دامس حتى ساعة شروق الشمس!.
هذه المحنة القاسية التي يعاني منها مواطنو إقليم كردستان تتكرر منذ أكثر من ثلاثين عاما دون حل، ففي فصل الشتاء القارص في كردستان ليست هناك وسيلة للتدفئة في ظل عجز الحكومة عن توزيع النفط الأبيض على المواطنين رغم أنها تصدر نصف مليون برميل من النفط يوميا إلى الخارج، وفي الصيف الحارق ليست هناك وسيلة للتهوية ما يجعل الحياة في الاقليم صعبا وقاسيا جدا!.
لا شك في أن السبب الرئيسي لكل هذه المعاناة المستمرة هو الفساد الضارب بالإقليم والذي وصل إلى مدياته القصوى، وكذلك إلى لامبالاة الحكومة المحلية بمعاناة المواطنين واحتياجاتهم الانسانية وفشلها الذريع في إنهاض البنية التحتية للإقليم رغم مئات المليارات من الدولارات التي تدفقت عليها خلال السنوات العشرين الماضية..
التعليقات