يقترح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إعادة رسم خريطة نصف الكرة الغربي، مترجماً أطماعاً تعود إلى قرون تأسيس الولايات المتحدة أثناء الثورة الأميركية، عندما شهدت البلاد سلسلة من الحروب بين الولايات المتحدة وكندا. لكن بعد حرب 1812، ضمنت كندا استقلالها عن الولايات المتحدة. كذلك، برزت الدعوة لشراء جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك، والاستيلاء على قناة بنما، في ما يعدّ سابقة في العرف السياسي. ومن المؤكد أن ترامب لا يريد شن حرب ضد كندا أو القيام باحتلالها، لكنه أراد خلق زوبعة وصدى لدى شباب كندا الحالم بنمط الحياة في أميركا ويريد ترابطاً أكبر مع كندا، كما نجح في دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2019، وأصبحت أقرب إلى الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
يبحث ترامب عن تعزيز مزيد من الأمن القومي الأميركي، خصوصاً أنه منزعج من العولمة التي مكنت الصين من الهيمنة على الإنتاج العالمي. لكن كان ذلك بدعم أميركي حوّل الصين إلى محرك تنموي عالمي لصالح المجتمع الغربي. وإذا دخلت الصين أو الولايات المتحدة أو أوروبا في انهيار اقتصادي، فسيصيب العالم بأسره، لأنَّ العالم كتلة واحدة.
تريد أميركا اليوم جعل الهند محركاً اقتصادياً آخر جديداً لتحجيم الهيمنة الصينية عبر الممر الهندي الأخضر الأوروبي الذي يمر بدول مجلس التعاون الخليجي. ويتطلب ذلك إحلال السلام في المنطقة ووقف الصراعات. لذلك تتهم أميركا الصين بالهيمنة على قناة بنما وتعتبرها مجالاً حيوياً أميركياً يمر منها 70 بالمئة من البضائع الأميركية، رغم أن الولايات المتحدة متواجدة في بحر الصين الجنوبي الذي أيضاً تعتبره الصين مجالاً حيوياً لها.
تمتلك قناة بنما موقعاً جيوستراتيجياً مهماً للأمن القومي الأميركي. بل إن ترامب أكد أنه لأغراض الأمن القومي والحرية في جميع أنحاء العالم، تشعر الولايات المتحدة بأن امتلاك غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة ملحة.
بدأ ترامب تحركه فعلياً عندما أعلن عن وجوب تغيير تسمية خليج المكسيك ليصبح "خليج أميركا"، ويُسمى بالساحل الثالث للولايات المتحدة نظراً لامتداده عبر ولايات جنوب شرق البلاد، وفقاً لما ذكره موقع "ذا هيل؛ الأميركي، واصفاً الاسم بأن "وقعه جميل". وليست هذه المرة الأولى لمحاولة تغيير اسم خليج المكسيك؛ ففي 2012 اقترح أحد أعضاء الهيئة التشريعية في ولاية مسيسيبي مشروع قانون لإعادة تسمية أجزاء الخليج التي تلامس شواطئ الولاية لتصبح "خليج أميركا".
منذ إطلاق ترامب حملته الرئاسية الأولى في 2016، اصطدم أكثر من مرة مع المكسيك بشأن عدد من القضايا، بما في ذلك أمن الحدود وفرض الرسوم الجمركية وقضايا الهجرة. واضطر ترمب في النهاية إلى بناء وتجديد جدار بلغ حوالي 450 ميلاً خلال ولايته الأولى.
وطالب ترامب الدنمارك بالنظر في التنازل عن جزيرة غرينلاند، ودعا إلى استعادة واشنطن السيطرة على قناة بنما. لكن في المقابل، نجد أن الرئيس ترامب في ولايته الثانية لا يود الاحتكاك كثيراً بالصين كما في ولايته الأولى. فقد أجرى مكالمة في 17 كانون الثاني (يناير) 2025 مع الزعيم الصيني شي جين بينغ بشأن عدد من القضايا، بما في ذلك التجارة والفنتانيل وتطبيق "تيك توك". المكالمة اعتبرها ترامب جيدة للغاية لكل من الولايات المتحدة والصين، وقال: "أتوقع أن نحل العديد من المشاكل معاً". وناقشا مسألة تحقيق التوازن التجاري والفنتانيل و"تيك توك" والعديد من الموضوعات الأخرى. ومن جهته، عبر شي جين بينغ عن أمله هو وترامب في بداية إيجابية للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة خلال فترة الرئاسة الجديدة، ورغبتهما في دفع العلاقات بينهما إلى مستويات أعلى.
التعليقات