رفض عربي وإسلامي لتولي توني بلير رئاسة "مجلس السلام" المقترح لإدارة غزة، كان هذا الرفض نتيجة لتصوّر واسع النطاق بأنه شخصية غير مقبولة في المنطقة بسبب تاريخه السياسي، لا سيما دعمه القوي للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وكان بلير هو المرشّح الوحيد الذي تم الكشف عنه علناً لعضوية المجلس الذي اقترحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب كجزء من خطته لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب، ومع ذلك أدّت المعارضة إلى استبعاده من قائمة المرشحين الرسمية، ولكن قد يلعب دوراً تنفيذياً في هيكل المجلس.

كما نعلم جميعاً، غزو العراق في عام 2003 كان بتخطيط مشترك بين توني بلير والتنفيذ والإدارة الأميركية إبّان رئاسة بوش. وقد ارتبط غزو العراق برؤية أميركية بريطانية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، عُرفت بمصطلح "الشرق الأوسط الجديد" أو "مشروع الشرق الأوسط الكبير". كان الهدف الأعمق هو إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية للمنطقة وإزالة الأنظمة التي تُعتبر معادية للولايات المتحدة وإسرائيل. وفي حديثه قال بلير: "إنه لو أحجم بوش عن التدخل في العراق لدفعه في ذلك الاتجاه". كذلك كان بلير شريكاً في تدمير أفغانستان وغيرها من الجرائم الدموية التي استهدفت المسلمين دون سواهم، ونُقل عنه قوله أيضاً: إن من الضروري بعد إسقاط صدام التعامل مع كوريا الشمالية.

بعد تركه منصبه كرئيس للوزراء عام 2007 وتعيينه مبعوثاً للجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، والتي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 2015، دعا القادة الأوتوقراطيين في المنطقة إلى التغيير أو أن يتم تغييرهم، وحثّ الغرب على إعداد خطة أوسع نطاقاً للاستجابة للربيع العربي، وسعى للتأثير في الاستجابة الغربية لها، ورأى فيها فرصة لإحداث تغيير ديمقراطي في المنطقة يتماشى مع رؤاه السابقة بما يصبّ في استكمال مخطط الشرق الأوسط الجديد وتشكيل أنظمة أكثر تماشياً مع النهج العلماني الذي يدفع به تجاه الوطن العربي والإسلامي. ويُعتبر بلير أحد أكثر الساسة المعاصرين عداءً وكراهية للعالم الإسلامي.

أنشأ توني بلير "معهد توني بلير للتغيير العالمي" (TBI) عام 2016، ويُعتبر هذا المعهد منظمة سياسية غير حزبية تهدف إلى دعم القادة السياسيين والحكومات في بناء مجتمعات منفتحة وشاملة ومزدهرة في إطار العلمانية العالمية المتأثرة بشدة بأيديولوجية بلير وأسلوبه الشخصي، مدفوعاً بالاعتقاد بأن المستقبل الوحيد الذي يعمل عليه هو المستقبل المنفتح، ويفهم أن العولمة مدفوعة بشكل أساسي بالناس. وعلى هذا النحو فإن تركيزهم ليس على خلق الحواجز، بل على الحلول القائمة على الأدلة لضمان أن العولمة تعمل للجميع. ويُقال إن بلير، من خلال معهده هذا، أصبح يتحكم بإمبراطورية من المال والسلطة ويُحقق إيرادات سنوية بقيمة 140 مليون دولار، ويقدم المشورة لأكثر من 40 حكومة. ويوظّف المعهد أكثر من 900 موظف من خلفيات متنوعة، بما في ذلك الاستراتيجيون السياسيون وخبراء السياسات حول العالم. ويقول بلير: لا أحد يفعل ذلك بالطريقة التي نفعلها هنا، فنحن لسنا "ماكينزي" أو "مجموعة بوسطن الاستشارية"، نحن ننخرط في استراتيجية سياسية صغيرة ونحرص على تنفيذها.

خلال فترة حكمه، تبنّى بلير موقفاً داعماً لإسرائيل في الصراعات الكبرى، مثل الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005) والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وعزّز علاقات بريطانيا بإسرائيل أمنياً واقتصادياً، ولم يمارس ضغوطاً جدّية على تل أبيب لوقف انتهاكاتها، ولم يُحقق أي تقدم ملموس في عملية السلام. بل استمرّ الاستيطان الإسرائيلي وتشددت ممارسات الاحتلال خلال فترة عمله، وتعرض لانتقادات واسعة من الفلسطينيين بسبب تجاهله الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة.

كما حافظ على علاقات وثيقة مع اللوبي الصهيوني في بريطانيا والولايات المتحدة، مثل منظمة "أصدقاء إسرائيل" في حزب العمال، التي كانت تدافع بشدة عن سياسات تل أبيب. وحصل على دعم مالي واستشاري من رجال أعمال ومؤسسات مرتبطة بإسرائيل بعد خروجه من الحكم. وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة (2008-2009 و2012 و2014)، لم يتخذ بلير أي موقف حقيقي لوقف الهجمات، بل تحدث عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ولم يعمل بجدية لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، بل ركّز على إصلاحات اقتصادية محدودة في الضفة الغربية.

كذلك تبنّى مشاريع اقتصادية "سلام اقتصادي" تفيد الاحتلال أكثر من الفلسطينيين، حيث ركّز على استثمارات تجارية لا تعالج القضايا السياسية الجوهرية، مما جعل السلطة الفلسطينية تبدو وكأنها تدير شؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال بدلاً من مقاومته.

توني بلير لعب دوراً غير مباشر في دعم الاحتلال الإسرائيلي وعدم اتخاذه مواقف حاسمة ضد الاستيطان والجرائم الإسرائيلية بالرغم من كونه مبعوثاً دولياً ولديه نفوذ كبير لدى العديد من الحكومات حول العالم. كما أن فترة عمله لم تُسهم في تحسين أوضاع الفلسطينيين أو تحقيق تقدم حقيقي نحو حل عادل للقضية الفلسطينية أو الدفع بمشروع حلّ الدولتين. كل هذه الأسباب جعلت من بلير شخصية غير موثوق بها في إدارة مجلس السلام في غزة.