إيلاف تدخل إلى هذا العالم السري
رقص السعوديات.. ملحمة لا تعرف الموت
*يقال أنه بدأ من افريقيا وتكهنات تقول أنه من الهند ولكن مصدره مجهول
ممدوح المهيني من الرياض: الرقص ... تمثل هذه الكلمة خليطاً من الحلاوة والمرارة بالنسبة إلى المجتمع السعودي. فغالبية النساء السعوديات تمارس الرقص (ونسبة كبيرة من الرجال أيضا) ومع ذلك فإن الكثيرين لا يودون الإعتراف بأهميته بالنسبة لهم. ولكن حتى لو أرادوا أن يلغوه فهو أكبر من أن يحذف بسهولة. قد يستطيع الشخص ان يخفيه في أعماقه ولكن أنغاما راقصة مفاجئة قادرة على أن تظهره على السطح من جديد.
يمثل الرقص المزيج الفريد من قوة الفطرة الإنسانية وعمق التراث وسيطرة الحياة والذي يصلنا بعد أن اخترق جميع الحواجز التي حاولت أن تمنعه من العبور. قصة الرقص بالنسبة لنا هي القصة المثالية لملحمة الأفكار الحية التي لا يمكن أن تقوم ايديولوجيات البشر الكاسحة بسحقها أبداً.
رقص السعوديات يبدو غائباً عن الوعي ولكنه موجود في الجسد. وفي الحقيقة أن الكتابة عنه تدخلك إلى عالم رقص النساء ذاته الذي يبدو مشوشاً ويفتقد للتوازن. مثلما لا تتذكر الفتاة التي ترقص بالضبط الأشياء التي قامت بها بساحة الرقص لا يمكن تجميع وتذكر المعلومات التي يمكن ان تكون مفيدة للكتابة بهذا الموضوع.
قبل تقريباً ثلاثين سنة كان الشباب المتهتكون لا يجدون صعوبة في النظر على النساء والفتيات وهن يرقصن في احتفالات الزواج أو الأعياد التي تكون مكشوفة حتى لو كانت في البيوت وكان يمكن لهم أن يتعرفوا على الطريقة الفاتنة التي ترقص بها الفتيات (رقص الأخوات لا يكون في العادة جاذباً لهم لذا لا يهتمون بالحركات الفنية المبهرة التي يقمن بها بأجسادهن. قد يكون جميلاً ولكنه يظل جمالاً عاماً) ويرون شلالات من الشعور السوداء الغزيرة وهي تتماوج بشكل ساحر. قبل ذلك ببعيد كان هناك في مناطق مختلفة من المملكة رقص مشترك بين الرجال والنساء.
إلا أن كل ذلك لا يفسر كيف ولد هذا المخلوق الجميل الذي أخذ طابعه الحالي والذي يتداخل وينفصل عن رقصات كثيرة في مناطق مختلفة من العالم. الاعتقادات بكيفية تشكل هذا النموذج من الرقص النسائي السعودي والخليجي تصل بك إلى الهند وتمر ببلاد فارس وتندمج مع بعض الرقص الأفريقي وربما تكون الجواري اللاتي قدمن إلى جزيرة العرب من مناطق مختلفة من العالم قد رسمهن خطوطه الأولى وهن يرقصن أمام سيداتهن التي يكتفين بالتصفيق الهادئ. قد يكون من غير المجدي البحث عن نقطة أولى لتشكل هذا النوع من الرقص الذي يبدو أن لا وجود لها فهو يبدو كروح قوية عاصفة منفلتة مربكة في تصرفاتها التي لا يمكن ان تقربك من مكان بعينه.
هناك القفز الذي يشبه القفز الافريقي وهناك لوي الجسم شبيه برقص الهنديات ولكن كل هذه لا توصلك إلا إلى استنتاجات خاطئة حول طبيعة النشأة إذا شاهدت رقصات لا تعرف كيف تصنفها. تقول إحدى الفتيات: (قوة الرقص أكبر من خارطة الجسد)، وهي تحاول بهذا الجواب أن تختصر علينا جهد الإستدلال عن أصل الرقص بمراقبة حركات الجسد وربطها بأمكنة معينة. ولكن بالفعل يبدو ان لا احد يعلم أو تنبه للأمر.
يقول الدكتور محمد العثيم: quot;يجب ان لا نتحدث بهذا الشكل الذي يظهر وكأنه يبحث عن بدايات رقصنا التي يبدو وكأن هناك ظروف معينة دفعته للحياة. الرقص حالة فطرية بالنسبة للبشر. إنه موجود في فطرتناquot;.
البنات الصغيرات اللاتي ينسجمن بدون الكثير من جهود التعليم مع النغمات الراقصة يمكن ان يفسرن كيف ينبت الإيقاع الجسدي والروحاني من الفطرة وتتناغم مع الألحان البسيطة وتنطلق معها في رقص يعتمد على الانتظام والإبداع في ذات الوقت. تقول نوف (27 عاماً): quot;ثمة ما يغوي في الموسيقى لدرجة عدم المقاومة - على الأقل بالنسبة لي - منذ أن كنت طفلة كان الإيقاع يستهويني ويستجيب له جسدي طواعية.
في البداية كنت أشعر بأنني أطير. وكان رقصي فوضوياً جداً.. ويعلن عنه بقفزات عشوائية ودوران (يّدوخ) فأسقط منهكة! بعدها انتقلت إلى (نطنطة) أشبه باللعبة.. ثم بدأت أركز عيني على ابنة عمتي التي تكبرني بسنوات كثيرة. وأحفظ خطوة خطوة ما تقوم به، كان رقصها يبهرني.. أقف أمامها والموسيقى تملأ الغرفة وأقلد حركاتها، فتبتسم لي مشجعة ثم أعود لتطبيق ما درسته أمام المرآة.
إذا كنت تسأل متى تعلمت الرقص سأقول لك بعض التواريخ التقريبية ولكن الرقص كان موجودا فيي منذ البداية وأعتقد انه موجود في غالبية النساءquot;.
ولكن يبدو أن رقص النساء أخذ بعض الأشكال المعينة التي يمكن ان تفرق بينها ولكنها أشكال متداخلة وسريعة التأثر والتغير .. الكبيرات في السن (ربما من اعمارهن فوق الخمسين) لازلن يتذكرن طريقة الرقص القديمة بالكثير من التحسر. عندما يكن بالأعراس فإنهن لا يتوقفن عن ترديد همهماتهن المنتقدة لطرق الرقص الجديدة الآن.
أكف النساء الهزيلة المفردة كانت بمثابة الطبلة التي تطلق الأنغام المتداخلة التي ترقص عليها الفتيات ويصاحب ذلك ترديد بعض القصائد الشعبية التي غالباً ما تمتدح الفتاة وإخوتها وعائلتها. تبسط كف اليد اليسرى وتشد وتقوم اليد اليمنى بالإرتطام بها نزولاً وصعوداً تجتمع اصوات هذه الضربات الحادة لتكون هديراً جماعياً تنغمس فيه موسيقى روحية إنسانية غامضة تعبر عن الطريقة التي تتم بهذه السعادة القلقة.
الرقص كان يعتمد على القفز البسيط في منطقة واحدة بشكل متسارع ومرهق وتحريك الشعر الكثيف من جهة لأخرى بسرعة فائقة مشكلاً موجات متتابعة وناعمة تشبه الموجات التي يتركها خلفه. بعض الإستعراضيين بشالاتهم الملونة والناعمة والتي يبدو سحرها وجمالها ليس في التحريك نفسه ولكن في التشكيلات الخيالية التي يتركها الشال بعد كل حركة سريعة يقوم بها وكذلك يحدث مع تحريك الشعر أيضاً. كلما كان الشعر طويلاً وفاخراً أصبحت وضعية انتقاله من وضعية لأخرى والخيالات التي تلحقها أكثر جاذبية وتشويقاً.
حركة الشعر والتي تسمى لفح الشعر التي لا تزيد عن حركتين يمكن تمييزها وهي حركة نقل الشعر من اليمين الى اليسار بحيث يدور على الرأس بشكل شبه عمودي والحركة الثانية هي حركة لفح الشعر بطريقة الفتل وهي حركة عنيفة وشبيهة بحركة المروحة الكهربائية. لا تقاوم الفتاة التي تقوم بهذه الفتل الشاق (الاطباء يعتبر هذا النوع من الرقص العنيف خطراً وضاراً جدا وقد يؤدي الى نزيف في الدماغ) كثيرا حتى تعود وتجلس لتوقف الدوخة والطنين الذي اجتاح دماغها.
تحاول الفتاة ان تبدو متماسكة وهي تعود ولكن عينيها الزائغتين وارتماءها في حضن اول امرأة من عائلتها يشير الى انها كانت تقترب من ان تنهار. هذه الحركة السريعة تعمل بأعصاب متصلبة لأن الفتاة التي تعاني من روح مهزومة يمكن ان تسقط بشكل اشبه بتهدم البيوت. اللاتي شعورهن قصيرة وهزيلة لا يدخلن في العادة هذه اللعبة التي لا تخصهن لأنه سيصبحن علكة الحاضرات (من المعروف ان في داخل عالم النساء عالم آخر خفي من النفاق. لا توجد واحدة منهن تهزأ فورا على صاحبة الشعر الهزيل. ولكنها ستصبح في نفس الليلة الحكاية المحببة على الجميع والتي يعوضن من خلالها عقد النقص التي لديهن).
امتد هذا الرقص ولكن نغمات الموسيقى هي أول من قام بإلغائه تدريجيا. ألحان الأغنيات الجديدة التي تحمل ايقاعات مختلفة لم تعد تناسب هذا الرقص الضيق. الشعر وحده لم يعد يجاري ويتلاءم مع الألوان الغنائية الجديدة فبدأ الجسد المرن الذي كان بمقدوره ان يقدم الكثير من التعابير التي تناسب اللحن الموسيقي بالظهور. الفتيات اللاتي بدأن يقصرن شعورهن تدريجيا كن يقدن هذه الحملة الجديدة التي كان عنوانها العريض (الزفن).
ككل شيء غير مألوف واجه هؤلاء المجددات حملة نقد من المعسكر التقليدي (كان بعض العجائز ولازلن يعتبرن الزفن رقص غير حقيقي ويفتقد للإبداع والإثارة ويعتبرن الراقصة البارعة هي التي تستطيع ان تلفح الشعر الكثيف والجميل بأناقة واغراء يجعل عيون الحاضرات تتوهج. بعضهن قمن بتزويد نقطة على نون الزفن ليصبح (الزفت). ولكن الشرارة كانت قد انطلقت وبدأت جميع الفتيات يتخلين عن الرقص القديم ويتعلمن فنون الرقص الجديد. اصبح الجسد الآن هو بطل الليل والفتاة التي اصبحت تشغل مروحة رأسها تحاصر بنظرات ازدراء فتيات الموجة الجديدة.
تقول نوف: quot;الموسيقى وقصات الشعر القصيرة دفعت بشكل رئيسي لتغيير طقوس الرقص القديمة ولهذا جاء الزفن وانتشر بكثافة بين الفتيات بدون ان يؤثر في كبيرات السن. الفتاة التي ظلت على طريقة الرقص القديمة كنا نصنفها بين فئتين. اما ان تكون أمها قوية او تكون قروية .لأن القرى بعيدة عن التأثير وتأخذ وقت اكثر من المدن للاستجابة للمتغيراتquot;.
ويعتمد الزفن بشكل رئيسي على حركة الأقدام وترك الجسد يتماوج مع ايقاع الأغنية بشكل غير مقيد. كل حركة من الجسم تبدو فقط مقبولة اذا كانت تنتظم مع ايقاع الأغنية. انسجام الجسد مع ايقاع الأغنية يبدو اصعب مهمة لإتقان الرقص. انه مزيج من الفطرة والتعلم ويشبه الى حد السباحة التي تتطلب منك ترك جسدك مسؤولاً عن نفسه بدون ان يتدخل عقلك. اذا تدخل عقلك في الموضوع فستغرق على الفور.
الرقص يبدو اصعب لأن الكثيرين يمكن ان يتعلموا السباحة ولكنهم يعجزون عن ان يتخلوا عن اجسادهم في الرقص. هناك الكثير من الفتيات الصغيرات جدا يتفوقن على اخواتهن الكبار بالرقص ويسببن لهن الحرج امام النساء. جزء كبير في الرقص شيء غامض لذا تبدو اسباب تفوق بعض الفتيات على بعضهن غامضة هي الاخرى.
الشعر في الزفن يلعب دور شرفي وربما لا يتحرك خلال الرقصة الا مرات قليلة وبدون قصد. اما حركة اليدين السابحتين هي ما يمكن ان تسمى ملح الرقصة والتي تمنحها رونقاً انيقاً جدا. مع بداية دخول الزفن اصبح وكأن العملية قد افلتت من عقالها.
النغمات الموسيقية يمكن ان تكون سريعة وصاخبة وتبطئ وتسرع وتعلو وتنخفض وعلى الجسد ان يقوم بجهده الخاص ليتلاءم معها. ليس وحده التلاؤم هو الصعب في الأمر. الصعب هو: كيف يمكن للفتاة ان تكون متلائمة مع الألحان الغنائية المختلفة وتبتكر توليفة روحية وحركية لتقدم رقصة بارعة. (الجاهلون في الرقص والذي يحاولون تعلمه دائما ما تمثل لهم هذه التوليفة سؤالاً يصعب عليهم الإجابة عنه وهو: كيف يمكن القيام بأكثر من حركة مميزة في وقت واحد وعلى ايقاع يربط جميع الحركات مع بعض). هذه عملية صعبة والكثير من الفتيات يفشلن في هذا المهمة كما ان هناك فتيات بارعات ويمكن ان يطلق عليهن (خلاقات رقص).
تقول ريم (21 عام): quot;الغالبية العظمى في البنات السعوديات تحب الرقص. هناك بنات لا يمتلكن الموهبة ولكنهن مع ذلك يحاولن باستمرار ويخرجن بنتائج جيدة. بعض الفتيات لا يعرفن الطريقة الصحيحة للرقص ولديهن اهتزاز معنوي تجدهن لا يصعدن ابدا الى ساحة الرقص. ولكن هناك الكثير من الفتيات المذهلات في رقصهن. رقصهن جذاب جدا وتجلس طوال الوقت وانت تتأمل فيهن ولأنهن مندمجات جدا في الأغنية والرقص فستطرب معهن لدرجة انك تبدأ تتمايل وانت جالس في مكانكquot;.
كل هذا الإبداع انفجر مع الانفجار الذي حدث للإيقاعات في الأغنية وبذا اصبحت مرحلة التي يمكن ان تسمى الزفن هي مرحلة متغيرة ومتجددة بإستمرار لحد الآن. في البداية كان الزفن لا يقوم الا بتحريك الجسم بشكل بسيط وهادئ ولكن هذا لم يعد يجدي مع وجود هذا الزخم الهائل من الألحان.
الرقص النسائي السعودي لا يحصر نفسه بقواعد ثابتة .. انه يتغير بشكل سريع جدا وينجرف ليفقد للحظات شكله الأساسي. مع دخول الطقاقات على الأفراح بدأ يتخذ شكلاً جديداً ومع انتشار الفضائيات أخذ طابعا اخر وقبل ذلك كان للرقص المصري وحتى الهندي والغربي تأثير عليه. تقول نوف: quot;ليس هناك رقصة معينة للفتيات السعوديات فكل فتاة تبتكر ما يناسبها. من اجل ذلك لا يمكننا ان نطلق مصطلح رقص سعودي ونكون مصيبين في ذلك. هناك رقص كثير ولا يمكن ان نحصره في رقصة واحدة ومحددةquot;.
وتضيف quot;من الواضح ان الرقص لدينا مرتبط بفكرة واحدة هي الفرح وهو يمكن ان يلغى اذا تم تحويل فكرة الفرح الى شكل آخر بحيث يصبح الرقص لا يناسبها . الرقص لا يرتبط بموقف ثقافي وتاريخي محترم ومقدر يمكن على الأقل ان لا يجعله سريع التغير بهذا الشكل ومشتتاً وغير منضبط.
يقول الدكتور محمد العثيم: quot;الرقص يتغير ويتبدل مثله مثل الموسيقى موجود كحالة فطرية، والمبدعون يخلقون منه حالات او ابداعات جديدة. التعامل مع الرقص يأتي من جانبين فهناك الجانب الفطري القديم وهناك الجانب الفني والعلمي. بالنسبة لنا الجانب الفطري هو الذي تطورquot;.
ماذا يحدث الآن في ساحات رقص الفتيات في الأعراس والأعياد والمناسبات المختلفة المفتوحة على كل التأثيرات الفنية؟. بعد ان اجتاحت اغاني الدبكة السورية والعراقية الفضائيات خلال العامين الماضيين اصحبت الفتيات يقفن في صفوف طويلة وهن يرقصن على اغنية (سمراء وأنا الحاصودة). ولكن مازالت هناك الكثير من الرقصات التي تتولد من التراث القديم وهناك الكثير من الرقصات الإبداعية الجديدة. في الرقص يبدو كل شيء الآن متداخلاً. تراث وتأثر وابتكار ولكن اهم ما يميز الفتاة السعودية هي انها بارعة في تقديم كل هذه الألوان المختلفة.
يقول الدكتور عبدالله المعيقل: (رقص النساء السعوديات يبدو الآن افضل من الرقص المصري. انه جذاب وساحر وتتداخل فيه عناصر فنية كثيرة). انه ساحر للذين يشاهدونه ولكن ماذا عن نفس البنات التي يرقصن. الرقص يمثل في بعض الثقافات نوع من التطهر والرغبة عن الانفصال عن الواقع. بعض المتصوفة يرقصون حتى يندمجوا بعقولهم واحساسهم مع المطلق. من المؤكد ان هناك نشوة تصيب الراقصات لكن هذا ليس كل شيء.
تقول ندى (28 عاماً) عن حالتها النفسية في الرقص: (احس بإغواء الموسيقى أولا. ثم يبدأ قلبي بإكمال العزف بطريقته الخاصة. بعدها احس بشيء يشدني للوقوف، كأن ثمة ما ينتظرني هناك. أبدأ بالتمايل بمتعة فائقة فيه حالة (سمو) هنا لا أستطيع وصفها، لكنها مذهلة وتأخذني للبعيد، قبل نهاية الأغنية ابدأ في استيعاب نظرات من حولي. وبعد الرقص أحس بانتعاش وراحة مدهشة!).
النسبة للكبيرات في السن فإن الرقص هو نوع من التفاخر واستعراض القدرات ودعاية لإستقطاب عرسان مميزين وبهذه الطريقة أيضا تفكر بعض الفتيات، لكن ليس لأولئك الفئة التي يمكن أن تسمى فئة الفتيات الشغوفات بالرقص والتي توصفهن احدى الفتيات بهذا الوصف: (قد لا يكن متأنفات كثيرا، يتواجدن عند الطقاقة او يجتمعن في زاوية بعيدة، لا يحاولن لفت انتباه أحد يندمجن مع الموسيقى ويرقصن بشكل رائع ولساعات طويلة). قد يرى البعض ان الرقص لا يذهب ابعد من كونه نوعاً من الانسجام مع الموسيقى ولكن هذا ليس رأي جميع الفتيات، النساء في السعودية يعشن بشكل معزول عن الرجال أو حتى الاختلاط ببعضهن وتحرمهن الثقافة الشعبية السائدة هنا الكثير من مزايا الحرية التي يمتلكها الرجال لأجل هذا فان بعضهن يضفن أطراً فلسفية على هذا الرقص.
بعض الفتيات لا ترقص على أغنيات تمثل لها ذكرى مؤلمة في حياتها، تقول ندى (27 عاما): (أنا لا أرقص على أغنية تذكرني بحدث سيء في حياتي. أنا أحاول من خلال الرقص الهروب من واقعي ولا أريد ما يعيدني اليه).
ماهي الاختلاجات الشعورية التي تحدث للفتيات وهن يرقصن؟!. هل هو هروب من الواقع أو نزعة للتمرد أو البحث عن آخر درجات المتعة أو هو خليط مبهم غير مفهوم من أشياء كثيرة. في حفلات الخاصة. الفتيات يرقصن طوال الليل ومن الصعب تفسير هذا الأمر على أنه مجرد شغف بالرقص بدون أن يصاحب ذلك جوانب روحية، هذا السر الروحي يبدو أنه هو الذي دفع الرقص للاستمرار والتواصل بدون أن يقف أو يتأثر حتى الفترة التي شهدت في المملكة انطلاق الثقافة المتشددة التي سيطرت على جميع مناشط الحياة واستطاعت ان تجهض الفنون او تشوهها لم تنجح في معركتها مع الرقص، صحيح أن الرقص كان يتم بظروف خاصة ويحدث بشكل منعزل وفي بيئة نسائية خالصة الا انه حتى هذا لم يكن يناسب العقيدة المتزمتة الجديدة التي أصبح معتنقوها يوزعون امام بوابات الزواجات وفي الكاسيتات محاذيرهم التي تهدف اذا ما تم الالتزام بها الى إلغاء الرقص نهائيا، هناك بعض التيارات الضعيفة جدا في أوساط النساء التي تؤمن بهذه الأفكار وتعتبر الرقص تهتكاً تأثم عليه الفتاة ويسمون النساء المغرمات بالرقص بالغافلات، كل ذلك كان له تأثير ضعيف جدا ويبدو أن التيار الصحوي قد أدرك أنه سيخسر المعركة فلم يحتشد خلفها. يقول الدكتور محمد العثيم: (الرقص شيء فطري مثل الموسيقى والغناء لذا لا يمكن الغاؤه، عام 74 بدأنا نميل لمحافظة متشددة في أفكار ما يسمى بالصحوة، بعد ان أخذنا جرعة كبيرة من التحضر حدثت ردة فعل غريزية تخشى ان نفقد تقاليدنا الاجتماعية وتم تشجيعها ونشرها.أصبح هناك من يريد سد الذرائع عن كل أنواع الموسيقى والرقص بحجة أنه سيؤدي الى مجون وسكر وعربدة وهذا شيء غير حقيقي، الرقص جزء من فطرتنا وتراثنا ولا يمكن أن يقف ويموت، المجتمع لن يتوقف عن الرقص حتى لو منعناه ولن يمارس رقصاً داعراً حتى لو سمحناه له).
تبدو مسألة مصير الرقص في المستقبل بالنسبة للنساء محسومة من الآن فهو لن يموت ابدا. تقول زهوة (26 عاما) بعامية نجدية: (الحريم كل شيء يطاعون فيه الا عند الزواجات والرقص.. فهذا عالمهن).
الرقص يبدو مكوناً رئيسياً من هوية اي مجتمع. الهوية المكتملة التي تحمل في داخلها الكثير من الجوانب التاريخية و الحديثة تؤدي تكون في العادة مستقرة ومتوزانة وذات رؤية معتدلة. المجتمعات دائما بحاجة الى هذا التنوع المضيء من الماضي والحاضر كي تحافظ على توازنها، وعندما ينسف شيء من تاريخها فان هذا يدعو للارتباك. الثقافة المتشددة استطاعت ان تلوث هذه فكرة الرقص الفطرية والتراثية ولكنها لم تستطع ان تلغي الرقص ذاته. الناس المشوهون الذين أنتجتهم يكرهون الرقص لكنهم لا يقاومونه، هناك نساء يرقصن بشكل بارع ولكنهن يعتقدن انهن يبرعن في الخطيئة، هناك نساء يعانين من تمزق عاطفي رهيب بين رغبتهن في الرقص وخوفهن من العقوبة، كل هذا جعل الشيء كثيفاً ومختفياً بذات الوقت وكأنه أشبه بلغز.
رقص السعوديات شيء رائع وبارع وساحر. اهم شيء نقوم به هو أن نعيده إلى ثقافتنا كجزء ابداعي يبعث على السعادة ويستحق الاهتمام والتقدير. الاشياء الرائعة التي تتفاخر بها لا تنساها بسهولة، وهو فعلا كذلك وعلينا نحن فقط أن نجعله كذلك.
[email protected]
التعليقات