هاني نديم من الرياض: في زحمة الأسماء الوجوه التي تفرضها علينا الشاشة الصغيرة الساحرة كجزء من قواعد الثقافة البصرية الجديدة، والتي تقتحم بشخوصها بيوتنا قسراً (رغم أنوفنا) حاملة معها ـ غالباً ـ أفكاراً وأشكالاً لا تشبهنا بشيء، في وسط كل هذه المعطيات البصرية المشوهة، تطالعنا بين الحين والآخر حالات فردية تنتزع احترامنا وتقديرنا، تكون قادمة من بيوتنا، لتدخلها، من جديد، بوساطة الشاشة الساحرة لمكانها مرحباً بها. منى أبو سليمان المذيعة والإعلامية السعودية نموذج مثالي للقول الذي تقدم، إيلاف التقتها في هذا الحوار:

* هل يفقد الإعلامي خصوصيته حينما يصبح جزء من تداول الناس اليومي؟ هل لجمهوره الحق بمعرفة برجه الفلكي وأكلته المفضلة وعطره الأثير؟
ـ أعتقد أن مصطلح الحق هنا مبالغ فيه، فليس من حق المتلقي أن يعرف تفاصيل حياة الإعلاميين، كحق، إنما يحدث أن يكون البرنامج اجتماعي ويتطرق إلى موضوع يحتاج لرأي شخصي، المشاهد يتعرف على الإعلامي يوماً بعد يوم، دون أن يكون الأمر قسري أو حق مفروض.

* (لديك كاريزما...أنت نجم) عبارة قالها روبرت دي نيرو، إلى أي حدٍ تؤمنين بهذه المقولة؟
ـ أؤمن بهذه المقولة تماماً، إذ أنني أعتبر أنه لا يمكن لإعلامي أن يستمر في الظهور دون هذه الكاريزما والجاذبية، وهنا أود أن أشير أن الكاريزما تختلف من حقلٍ إلى آخر، فكاريزما مذيع الأخبار تختلف عن كاريزما مقدمي البرامج والمحاورين، كما أن هنالك على الطرف الأخر من الشاشة متلقٍ من شرائح مختلفة فالشباب لهم شروط معينة لجذبهم غير متابعي الأخبار وهكذا.

* أيهما العصب الأهم الذي يجب أن يقف عليه الإعلامي، الثقافة، الأكاديمية أم الحضور؟
ـ أنه مثلث متكامل حيث لا ينفع بند من غير الآخر، فالمثقف دون حضور لن يحظى بالمتابعة وصاحب الحضور دون ثقافة لن يستمر، أما عن الأكاديمية فأرى أن الكلمة الأنسب هنا هي المنهجية، فليس من الضروري هنا أن أكون خريجة إعلام حتى أستمر إنما من الضروري بمكان أن أمتلك نهجاً إعلامياً صحيحاً.

* ما الدافع الحقيقي لأستاذة ومحاضرة جامعية للأدب الإنكليزي في الوقوف أمام الكاميرا ؟
ـ أنا في طبعي أحب الأشياء التي تتطلب مني تحدياً وبصراحة لم أكن أتوقع أنني سوف أنجح في (التيست) حين تقدمت لبرنامج كلام نواعم، وكنت أعتقد أنهم سيقولون لي أنك لا تنفعين لمثل هذا!، لكنني نجحت من أول اختبار ولله الحمد، إذ تقدمت لأحد منتجي البرنامج، وتم الأمر، بينما كان الأمر بيني وبين نفسي هو على سبيل التجربة.

* كيف تطوّر منى أبو سليمان أدواتها؟
ـ منذ دخولي عالم الإعلام وأنا أطوّر أدواتي، فقد شرعت بأخذ دروس مكثفة في الإلقاء ونبرة الصوت والحضور في بادئ الأمر، وبعد ذلك اتجهت للقراءة والتي أثرتني كثيراً، واليوم تمثل لي الخبرة يوماً بعد يوم أداة مهمة من أدواتي التي تدفعني قدماً، وأنا ما زلت في سعيي الدؤوب لتطوير مهاراتي.

* ماذاعنك خارج كادر الكاميرا؟
ـ إن كنت تقصد حياتي العملية، فأنا أحضر للدكتوراة، كما أنني أحاضر في الجامعة، كما أنني خلال هاتين السنتين في إعارة لعملي مع الأمير الوليد بن طلال، في قسم الدراسات الاستراتيجية المهتم بنظرة الغرب إلى الإسلام و تصحيحها..، ونحن اعتمدنا على العلم كأفضل طريقة منهجية نستطيع من خلالها تغيير نظرة الغرب لنا، وعليه تجرى البحوث والدراسات لتمويل ودعم المعاهد والمراكز وفتحها لتدريس الإسلام في أشهر الجامعات العالمية في أميركا وأنكلترا.

* هل أنت مكتفية بعملك الجماعي في كلام نواعم، أم أنه لديك مشروعك الإعلامي الخاص؟
ـ في الحقيقة أنا اليوم في كلام نواعم كمشروع إعلامي فقط، فلدي الكثير من المشاريع الإنسانية والعلمية والاجتماعية، في حياتي.

* ما هو همّك ومشروعك الإنساني؟
ـ بصفتي سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة فإن جلّ اهتماماتي اليوم تنصب في تحسين صورة الإسلام في الغرب والعمل على تغير بعض المشاكل العلمية في بلادنا والارتقاء بالمناهج.

* قدم بعض السفراء استقالتهم من مجلس الأمم المتحدة إبان حرب لبنان، بينما لم تفعلي ذلك وأنت سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، ما قراءتك للموقف؟
ـ لا لا أبداً ..أنا احترم جداً موقف من قدم استقالته من الأمم المتحدة احتجاجاً ورفضاً وغضباً لتهاون الأمم المتحدة في التعامل مع قضية حساسة كحرب لبنان وموت الأرواح المجاني فيها، ولكن لدي وجهة نظري في التعاطي مع الموضوع، إذ أن الأمم المتحدة هي المؤسسة السياسية العالمية الوحيدة التي نستطيع أن نعمل من داخلها بحرية، ولا يعني إن لم نصل لنتيجة في أمر ما أن ننسحب كلنا منها، ثمة مطالب لا بد من ملاحقتها، ونحن اليوم بصدد عمل عريضة موقعة ضد قرار الفيتو وحيثياته فليس من المعقول أن تنصاع أكثر من مئة وخمسين دولة لقرار دولة واحدة مهما كانت كبيرة، نحاول إن نوجد عريضة مضادة لوضع آليات أخرى غير قرار الفيتو، القرار المهترئ والقائم على نظرية انتصار الدول في الحرب العالمية الثانية!!، لقد تغير العالم اليوم بعد مضي ستين سنة على الحرب وأصحاب القرار لا يمثلون العالم اليوم، عليهم تفهم أن العالم تغير اليوم، كما أننا نبحث في وجوب استقلالية الأمم متحدة خصوصاً من ناحية التمويل، فلا يجب أن تمولها دول دون أخرى، مما يعني إيجاد طريقة لجعل كل الدول تشارك بوقف ما للأمم المتحدة، بحيث لا تشكل الدول الداعمة لها ضغط عليها وتؤثر في قراراتها. فلقد خلصت إلى أن وجودي في الأمم المتحدة أجدى في الوقت الراهن.

* هل تعجبك نبرة الصحف المحلية عندما تتناولك؟
-الحمد لله الصحف تتناولني بكل احترام ولم أواجه ما يواجهه غيري من إشاعات وما إلى هنالك، وربما يعود هذا الأمر لطريقتي في التقديم والمنطلقة من كوني مسلمة أولاً، لم تدعمني بالمعنى العريض، ولكن كان نقدها إن وجد، نقداً بناءً أثراني وصحح من مسيرتي، ولم يكن متحاملاً أو مؤذياً.

* كيف ترين وضع المرأة السعودية اليوم؟
ـ لا شك أن هذا الموضوع هو من أكثر المواضيع تداولاً خلال هذه الفترة والتي شهدت توجهاً نحو إعطاء المرأة حقوقاً كانت محرومة منها فيما مضى، ولكن الطريق ما زال طويلاً وعلينا أن نمشيه، إن كان في طريقة تفكيرنا، نحن خطونا خطوات نحو الأمام ولكن من المؤسف أن المتعلمات أكثر من المتعلمين في المملكة العربية السعودية ولا يشاركن في صنع القرار التعليمي!، وهن كذلك غير مشمولات بقوانين العمل، بحكم عدم تواجدها في الوزارات بشكل يمثلها حقيقة، أما أن تتخرج ولا تجد عملاً يدعمها ويشمل لها تأميناً اجتماعياً حينما تكبر.

* نجاحك اليوم، هل هو أقرب لريادة ظهورك على فضائية عربية أم أنه ربما حجابك ومظهرك الإسلامي، أم ماذا؟
ـ قد أكون أول إعلامية سعودية ظهرت على الفضائيات، لكن نجاحي هو نجاح عادي مقارنة بنجاحات السيدات السعوديات اليوم، كالدكتورة سميرة إسلام والدكتورة هند آل الشيخ وثريا عبيد أما على الصعيد الإعلامي أذكر المذيعة إيمان منديل في أوربت.
حجابي قد يكون ساعدني في البداية وهو أحد الميزات التي تم قبولي عليها في برنامج كلام نواعم، إذ أنه برأيي نموذج لحجاب معاصر يهون الأمر على الكثيرات من المترددات في لبس الحجاب، فبدا حجابي منتمٍ إلى هذا العصر بأناقته المتسقة مع خطوط الأناقة العالمية، وإن بدا أن حجابي غير كامل، لكن أعتقد أن طريقتي في إعطاء نموذج عصري للمرأة الإسلامية المتعلمة والمحافظة على تقاليدها رغم الانفتاح الذي يشهده العالم.

* إلى أين تمضي منى أبو سليمان، وما أهدافها؟
ـ إن هدفي القريب اليوم هو الدكتوراة، كما أهتم كثيراً بعملي في مركز البحوث الإسلامية، وتقديم الصورة الأمثل للغرب عنا، كما أنني أريد ان أفعّل دوري كسفيرة للنوايا الحسنة بمزيد من التواصل بين الدول المختلفة وإبراز أهميتنا كمسلمين لمن هو غير مسلم.