اللاذقية: يؤدي استخدام المبيدات الكيميائية المكثف والمتكرر في المحيط الزراعي بما فيه من تربة ونبات ومياه وهواء وحيوان وإنسان إلى إحداث خلل في التوازن الحيوي في البيئات الزراعية بعكس الاعتقاد السائد بأن المبيدات الكيميائية الصنعية قد أثبتت وجودها كسلاح فعال ضد الآفات الزراعية والتغلب عليها نهائيا.
وأثبتت التجارب العلمية الحديثة أن الاستخدام العشوائي للمبيدات الكيميائية في البيئات الزراعية المختلفة يجعل الإنسان يعيش في وسط واحد تتشكل فيه الرواسب الكيميائية السامة من خلال تعامله المباشر مع المواد السامة أو تسربها إليه عن طريق الغذاء والماء والهواء.
وقال المهندس أحمد سليمان رئيس دائرة الوقاية في مديرية زراعة اللاذقية إن استخدام المبيدات الكيميائية المتكرر ينجم عنه ظهور آفات مقاومة للمبيدات لا تتأثر بها لأسباب بيولوجية أو فيزيولوجية وتكتسب مقاومة تنقلها وراثيا إلى الأجيال القادمة للآفة وبذلك تعود السلالات الضارة ولاسيما الآفات التي تتمتع بمجال حيوي كبير وتصبح لديها مقدرة كبيرة على التكاثر وتعطي البيئات الزراعية أمثلة واقعية على هذه الظاهرة بعد إدخال المبيدات الكيميائية التي عجزت عن القضاء التام على سلالات الآفة حيث تعود إلى التكاثر من جديد بسرعة كبيرة ما يتطلب إعادة استخدام المبيد أو مبيدات أخرى للحد من تكاثره.
وأضاف سليمان أن استخدام المبيدات الجهازية التي تدخل إلى الجهاز الوعائي في النبات وتنتشر في جميع أجزائه يمكن أن يكون لها أثر متبق لفترة طويلة يؤثر على صحة الإنسان وعلى التوازن الحيوي بالبيئة وخاصة اذا كانت لها آثار تراكمية أما المبيدات السطحية فلها تأثيرات كثيرة ولكنها أقل من الجهازية.
وأوضح سليمان أن الاستخدام الخاطئ للمبيدات يؤدي إلى القضاء على الأعداء الحيوية المفيدة من مفترسات وطفيليات لأنها مرتبطة من حيث نشاطها بنشاط العامل الآفة اذ لا يمكن للطفيل أو المفترس المفيد أن ينشط دون وجود الآفة وجاء استخدام المبيدات كعامل مخل في الميزان البيولوجي ضمن البيئة الزراعية بسبب تأثيره الشديد على الأعداء الحيوية الطبيعية.
وبين سليمان أن هذا الخلل في التوازن يؤدي إلى انفجار عددي كبير للآفة الضارة وظهور آفات جديدة تصبح خطرة بعدما كانت ثانوية مثل انتشار الآفات على المزروعات التي لم تكن تصاب به من قبل وأصبحت بعد استخدام المبيدات الكيميائية الصنعية تشكل آفة رئيسية على عدد كبير من المزروعات والأشجار المثمرة.
ولفت سليمان إلى ان استخدام المبيدات الزراعية يتطلب توفير مستوى أدنى من المعرفة والتقنية اللازمة للتطبيق الحقلي بشكل مقبول وهذا لا يتوفر في أغلب الأحيان لدى الفلاحين كمعرفة سمية المبيد وطريقة التأثير ونسبة الاستخدام ومحاذيره وطرق الحماية ووقت الاستخدام وفترة الأمان والتأثيرات الجانبية والأثر المتبقي وذلك بسبب جهل المزارعين وعدم اكتراثهم للأخطار المحيطة بهم وبمواشيهم وببيئتهم الزراعية.
وقال رئيس دائرة الوقاية إن المبيدات يمكن أن تتجمع عبر سنوات عديدة لتؤثر سلبا على المدى البعيد يضاف إلى ذلك تأثيرها السام المباشر نتيجة الاستخدام المفرط ما يحدث حالات تسمم للإنسان أو الحيوان أو الأسماك ويزداد خطر التسمم بالنسبة للحيوانات التي تتغذى على حيوانات أو مواد ملوثة عن طريق السلسلة الغذائية وليس الإنسان بمنأى عن تأثير المبيدات سواء كمستهلك أولي في السلسلة الغذائية من خلال تناوله المنتجات النباتية الملوثة مباشرة أو كمستهلك ثانوي بتناوله منتجات ملوثة من أصل حيواني.
وأوضح سليمان أن المبيدات الزراعية المعدنية والعضوية والفطرية والحشرية والعناكبية والعشبية تستطيع الدخول إلى النبات تحت تأثير بعض الشروط وبالتالي يمكنها أن تدخل في عملية الاستقلاب وتشكل خطرا عبر الأثر المتبقي بوصفها تستطيع إغناء النبات بالعناصر التي تحتويها مثل النحاس والحديد والزنك والمنغنيز والكبريت وبالتالي تؤثر أما كمثبط أو كمنشط.
وتتمتع بعض المبيدات بتأثير هرموني على التنفس عند النبات لذلك نرى كثيرا من البلدان تنظم عملية استخدام المبيدات الزراعية حيث يجب أن تحوز على موافقة السلطات الحكومية قبل تسويقها وتصنيف المواد حسب سميتها الآنية وليس حسب تأثيرها المتبقي فالمواد السامة تدون في القائمة الثانية ويكتب على كل عبوة الإرشادات اللونية والعبارات التي تشير إلى سمية المبيد وفترة منع القطاف بعد آخر استعمال وكمية المتبقي المسموح بها لضمان حماية المحصول وسلامة المستهلك من التسمم.
وتتوجه وزارة الزراعة في سورية لتطبيق برامج المكافحة المتكاملة للآفات بطرق زراعية وميكانيكية وحيوية تستند إلى إدارة خصوبة التربة وتربية النبات بطرق تشريعية حجرية ووراثية وطرق إكساب خبرة ومهارة المراقبة لتحديد كمية من المركبات الكيميائية الأمينة على الصحة والبيئة.
وقال سليمان إنه تم تطبيق برامج المكافحة المتكاملة على الحمضيات والزيتون وحاليا على الزراعات المحمية والحراج للسيطرة على الآفات وجعلها تحت عتبة الضرر الاقتصادي مبينا أن إنتاجنا من الحمضيات والزيتون أصبح خاليا من الأثر المتبقي للمبيدات الكيميائية.
إن الحد من الأضرار الناتجة عن استخدام المبيدات على التربة والماء يتطلب استخدام المبيد المناسب وتطبيقه على البذور أو معاملة جذور الشتلات بالمبيدات بدلا من رش المبيد مباشرة على سطح التربة وعدم غسل العبوات وأدوات الرش في مياه الآبار والامتناع عن إلقاء عبوات المبيدات في المجاري المائية إضافة إلى عدم رش المبيدات رشا جويا إلا في حالات الضرورة القصوى وبعيدا عن المناطق السكنية.
ولحماية الحياة البرية من المبيدات يجب الامتناع عموما عن استخدامها في المناطق المحمية واستخدام مبيدات ذات عمر قصير في البيئة وتقليل تطبيق المبيدات خصوصا الحشرية منها أثناء هجرة الطيور وفترات التزاوج.
التعليقات