علاقتها بمفهوم الذات لدى الأطفال في غزة
الوحدة النفسية ظاهرة إنسانية تسبب الألم والضيق


د. آمال جودة : الوحدة النفسية Loneliness ظاهرة من ظواهر الحياة الإنسانية يخبرها الإنسان بشكل ما، وتتسبب له بالألم والضيق والأسى، فهي حقيقة حياتية لا مفر منها، لا تقتصر على فئة عمرية معينة، يعاني منها الأطفال، والمراهقون، والراشدون، والمسنون.
وعلى الرغم من أن الوحدة النفسية ظاهرة من ظواهر الحياة الإنسانية يخبرها جميع البشر في فترة ما من حياتهم، فإنها لم تلق الاهتمام الكافي على المستوى البحثي والعلاجي إلاّ في الثمانينات من القرن العشرين، لا سيما بعد أن أوضحت نتائج عدة دراسات أن مفهوم الوحدة النفسية هو مفهوم مستقل عن المفاهيم ذات العلاقة كمفهوم الاكتئاب، والقلق.
وحظي موضوع الوحدة النفسية لدى البالغين باهتمام الباحثين، خاصة في العالم الغربي، مقارنة بموضوع الوحدة النفسية لدى الأطفال الذي ظهر الاهتمام به في العام 1980، فالأطفال يمتلكون القدرة على فهم معنى الوحدة النفسية، حيث تعني لديهم عدم وجود أحد يلعبون معه مما يتسبب بالإحساس بمشاعر الحزن.
وأسفرت نتائج بعض الدراسات التي تناولت الوحدة النفسية لدى الأطفال أن حوالى 10%- 16% من الأطفال عينة الدراسة يعانون مستويات مرتفعة من الوحدة النفسية.
ولا شك أن تعرض الطفل لخبرة الوحدة النفسية يعد في حد ذاته مؤشراً غير مطمئن وخطرًا في الوقت ذاته لما سوف يكون عليه في سنوات رشده. ويعزى الاهتمام بدراسة الوحدة النفسية لدى الأطفال إلى كونها سبباً في إصابة الأطفال بالعديد من المشكلات الانفعالية والسلوكية، حيث يوجد ارتباط بين الإحساس بالوحدة النفسية لدى الأطفال ومقدار ما يعانوه من قلق اجتماعي، واكتئاب، وسلوك انسحابي، وخجل، وتدني في مستوى التحصيل الأكاديمي، ونقص في الكفاية الاجتماعية.
وعلى الرغم من اعتراف الباحثين والعاملين في مجال الطب النفسي والصحة النفسية بالآثار السلبية لإحساس الفرد بالوحدة النفسية والعواقب المرضية لمثل هذا الإحساس؛ فمن الملاحظ أن البحوث العربية بصفة عامة والفلسطينية بصفة خاصة التي تناولت هذه الظاهرة النفسية التي أصبحت مقلقة في العصر الحديث ما زالت قليلة لا تتناسب مع ما تنطوي عليه هذه المشكلة من جوانب وأبعاد وتداعيات، يمكن أن تتسبب في شقاء الإنسان المعاصر، وهذا ما دفع الباحثة إلى تناول هذه الظاهرة.

أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى التعرف إلى العلاقة بين الوحدة النفسية ومفهوم الذات لدى الأطفال، ومعرفة نسبة الأطفال الذين يعانون من الوحدة النفسية، والتعرف إلى الفروق بين متوسطات أفراد العينة في الوحدة النفسية ومفهوم الذات والتي يمكن أن تعزى إلى النوع.

أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة الحالية في قلة الدراسات التي تناولت موضوع الوحدة النفسية خصوصاً في المجتمع الفلسطيني، لذا تأمل الباحثة أن تكون هذه الدراسة بمثابة إضافة إلى التراث السيكولوجي الذي ربما يسهم في إثراء المكتبة النفسية الفلسطينية والعربية.
كما تكمن أهمية الدراسة في أنها تتناول الوحدة النفسية لدى فئة الأطفال، تلك الفئة التي تعتبر الأكثر تضرراً من التغيرات المتسارعة والصراعات المتعددة والضغوط المتزايدة التي تعاني منها المجتمعات، وتحمل في طياتها الكثير من الآلام والمتاعب النفسية التي قد تتسبب بالوحدة النفسية، كذلك تكمن أهمية الدراسة في أن الأطفال يشكلون نسبة كبيرة من المجتمعات الإنسانية، وخاصة مجتمعات العالم الثالث، فمن المتوقع أن يصل عدد الأطفال في الوطن العربي إلى حوالى 130 مليون طفل مع نهاية هذا القرن.
وتجدر الإشارة إلى أن التعرف إلى الوحدة النفسية لدى الأطفال وعلاقتها بمفهوم الذات الذي يتضمن ثلاثة مجالات هي: الخبرات المدرسية، والعلاقات مع الأصدقاء، والخبرات الأسرية تعد مؤشراً مهماً للتنبؤ بأهم المجالات التي يمكن أن تتسبب بالوحدة النفسية لدى الأطفال. وبالتالي تعين العاملين في مجال الإرشاد النفسي والصحة النفسية والآباء والمعلمين على تدبير خدمات إرشادية أو علاجية ملائمة للطفل، وذلك قبل أن تتدعم وتتأصل الخبرات غير المواتية للنمو السوي للشخصية.

حدود الدراسة:
تتحدد الدراسة الحالية بالمتغيرات التي تدرسها وهي الوحدة النفسية في علاقتها بمفهوم الذات، وتتحدد بالمنهج الذي اتبع وهو المنهج الوصفي التحليلي لدراسة الظاهرة من جميع جوانبها، والتعرف عن كثبإلى طبيعة العلاقة بين الوحدة النفسية ومفهوم الذات، وكذلك تتحدد بالعينة المستخدمة في البحث وعددها (360) تلميذاً وتلميذة يدرسون في الصف السادس في المرحلة الابتدائية للعام الدراسي 2004/ 2005 في محافظة غزة، منهم (166) تلميذا، (194) تلميذة، كما تتحدد بالأدوات المستخدمة وهي: مقياس الوحدة النفسية، إعداد الباحثة، ومقياس مفهوم الذات إعداد (منصور، بشاي، 1982).

نتائج الدراسة:
bull;أسفرت نتائج الدارسة عن أن 16.1% من أفراد العينة يعانون من الوحدة النفسية، وهذا يعكس مدى حاجة الطفل الفلسطيني للفهم والانتماء والحب، ذلك الطفل الذي يعيش دوماً في معاناة يومية بسبب الممارسات الإسرائيلية التي تتسم بالعنف بأشكاله المختلفة من قتل وهدم للمنازل، وقصف وغارات، واعتقال، وتجريف للأراضي الزراعية, وإغلاق للمناطق الفلسطينية، الأمر الذي يقضي على الشعور بالطمأنينة والأمان، ويعرضه إلى بعض الاضطرابات والمشكلات النفسية بما فيها الإحساس بالوحدة النفسية. كما يمكن أن يعزى ارتفاع نسبة الأطفال الذين يعانون من الوحدة النفسية إلى انخفاض مستوى الرعاية التي يحصل عليها الأطفال في ظل الواقع الفلسطيني الذي يتميز بضغوط شتى على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية.
bull;كما أسفرت عن وجود علاقة ارتباط بين الوحدة النفسية ومفهوم الذات الكلي وأبعاد مفهوم الذات، وهذه النتيجة تعني وجود علاقة ارتباط سالبة ودالة عند مستوى 0.01 بين الوحدة النفسية ومفهوم الذات وأبعاد مفهوم الذات الثلاثة (الخبرات المدرسية، العلاقات مع الأصدقاء، الخبرات الأسرية). هذه النتيجة تعني أن الأطفال الذين يعانون من الإحساس بالوحدة النفسية يكون مفهوم الذات لديهم سلبياً.
وتفسر الباحثة هذه النتيجة في ضوء أن مفهوم الذات من السمات التي تشير إلى توافق الفرد من عدم توافقه، والوحدة النفسية هي خبرة شخصية مؤلمة يعيشها الفرد نتيجة شعوره بافتقاد التقبل والحب والاهتمام من جانب الآخرين، وبالتالي تؤدي إلى الشعور بالحزن والتعاسة والشقاء. علاوة على ما سبق فإن الوحدة النفسية قد تؤدي إلى انخفاض الأداء الأكاديمي، والمهارة الاجتماعية، والخجل، عند الأطفال وهذا بدوره ينعكس على تقدير الطفل لذاته، ومن ثم مفهومه عن ذاته.
bull;كما أسفرت نتائج الدراسة عن أن التلاميذ الذكور أكثر إحساساً بالوحدة النفسية مقارنة بالإناث، ويمكن أن تفسر النتيجة السابقة في ضوء واقع الطفل الفلسطيني الذي يعاني من قلة المرافق اللازمة لممارسة الأنشطة المختلفة التي توفر له نمواً اجتماعياً ونفسياً مناسباً لنوعه، فالطفل الذكر يحتاج إلى أنشطة ذات طابع خاص تساعده على تفريغ انفعالاته وطاقاته، وتوفر له مجالاً مناسباً للعب الجماعي الذي يوفر له أفضل العلاقات الاجتماعية بينه وبين زملائه مما يجعله محبوباً بينهم فلا يشعر بوحدة أو يقاسي من عزلة.
bull;كذلك أسفرت عن عدم وجود فروق في درجات أفراد العينة في مفهوم الذات الكلي تعزى إلى متغير النوع، وتفسر الباحثة عدم وجود فروق لأثر النوع (ذكور- إناث) على مفهوم الذات إلى التشابه بين الذكور والإناث في الظروف الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والمدرسية التي تعتبر عوامل أساسية في تشكيل مفهوم الذات لدى الفرد.