أطباء الجزائر وإنجاز الخلايا الجذعية:
تحقيق نتائج مبهرة في علاج الأمراض المستعصية


كامل الشيرازي من الجزائر: حظي الإنجاز العلمي الذي هزّ العالم خلال السنة الحالية، باحتفاء كبير من قبل الوسط الطبي في الجزائر، حيث بارك مختصون ما توصل إليه باحثون بجامعة بريستول بزرع خلايا جذعية من الإنسان نفسه، ورصدت ايلاف تجاوب ثلاثة من كبار الأطباء في الجزائر الدكتور بقاط بركاني محمد رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، والبروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير الصحة، إضافة إلى الدكتور أحمد بلخن. يؤكد الاطباء الثلاثة في حديثهم الخاص لـ quot;إيلافquot;، على أنّ انجاز الخلايا الدماغية ستكون له جدوى كبيرة على صعيد علاج عديد الحالات المستعصية سيما أمراض السرطان والأمراض المزمنة، ويرى بركاني وخياطي أنّ العرب مرشحون لتحقيق إنجازات طبية كبيرة، إذا ما توفرت لهم الإمكانات اللوجستية اللازمة ومراكز البحث، وزادت الحكومات من قيمة نفقاتها من أجل تمكين باحثيها من بلورة أعمالهم.

تزاوج طبي بيولوجي
بمنظور الدكتور محمد بقاط بركاني، فإنّ استخدام الخلايا الجذعية في حل العديد من المشكلات الصحية، يعني أنّ الباب صار مفتوحًا أمام تحقيق إحرازات أكبر قيمة وإبهارًا، ويضرب بركاني مثالاً بمرض السكري وإمكانية زرع خلية البنكرياس، ويتصور طبيب الأمراض الصدرية أنّ الانجاز يفسح المجال أمام فتح آفاق كبيرة للأمراض المستعصية خصوصًا أمراض القلب، وقدّر محدثنا أنّ العلم ليس له حدود، ويمكن الارتقاء بالتقنية المكتشفة نحو فضاءات غير محدودة.

وردًا عن سؤال بشأن إمكانية حدوث انجازات كبيرة بالبلدان العربية، لم يستبعد الدكتور بركاني محمد أن يتمكن العرب من النسج على منوال الغرب، والقضية بنظره قضية اختصاص، مضيفًا أنّ التقنية الطبية الموجودة على مستوى مراكز البحوث الأميركية، يمكن للعرب اكتسابها وابتكار أشياء أقوى منها فاعلية، لكن د/بركاني يعترف بمشكلة غياب مراكز بحوث، بجانب ما تتطلبه الأخيرة من رافد لوجستي ليس في متناول الجميع، ويلفت بركاني إلى أنّ الأجهزة التقنية التي تستخدم عادة في شتى الأبحاث الطبية المعمّقة منقوصة في الجزائر وكثير من البلاد العربية، وتكلفتها باهظة، وهو ما يجعل مقدرة الدول التي ترصد موازنات ضعيفة لقطاع الصحة والبحث العلمي بشكل عام، ضعيفة.

المتابعة واللوجستيك
وبشأن ما ينقص العرب أيضا كي يصبحوا في مقدمة الأبحاث العلمية، يطرح د/بركاني مسألة المتابعة، والتزاوج بين القطاع الطبي وقطاعات أخرى، وهو يشير بصورة خاصة إلى المختصين التقنيين غير الطبيين كالبيولوجيين وما إلى ذلك، ويشدّد رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، على أنّه ما لم يحصل هذا التقارب في البلاد العربية بين الطب وميادين أخرى، لن تحصل الطفرة المرجوة.
ويستدل الدكتور الجزائري على سبيل المثال لا الحصر، بتمكن فريق طبي أردني قبل أشهر من إجراء أول عملية لزراعة الخلايا الجذعية من الحبل السري، حيث أبان الفريق المذكور من خلال نجاحه لأول مرة في زراعة عظم عضد بشري بطول 15سم مأخوذ من شخص متوفى لآخر مصاب بمرض جورهام، من إثبات الكفاءة الأطباء العرب عندما تتاح لهم شروط الإبداع.

من جانبه، يرى البروفيسورquot;مصطفى خياطي، أنّ إبداع الخلايا الجذعية حدث فريد سيساعد حتما في علاج كثير من الأمراض كاستعمال خلايا أساسية في معالجة مرض السكري والحروقات المنتشرة، وكذا أنواع من سرطان الدم، عبر توظيف خلايا الدم الأصلية في استخراج عناصر دموية جديدة، ويضيف د/خياطي أنّ الاستعمالات الجديدة للخلايا الجذعية ستعين كثيرًا الإنسانية، من حيث الإنفاق لا سيما في البلدان السائرة في طريق النمو.

وبشأن تعاطي الجزائر مع الخلايا الجذعية في الظرف الراهن وكذا في المستقبل المنظور، يتوقع د/خياطي استعمالات مكثفة، ويستدل بامتلاك الجزائر لعديد الأطباء والبيولوجيين الذين بإمكانهم استخدام الخلايا كعلاج، وخلافا لنظرة د/بركاني، يرى مصطفى خياطي أنّ عمليات زراعة خلايا جذعية لا تحتاج إلى إمكانات هائلة من العتاد الطبي، عدا توفير قاعات متخصصة والتحلي بتنظيم أكبر، ملفتا إلى أنّ الأمر يحتاج أيضا إلى قوانين صارمة، وحركية أكبر، قائلا إنّ عدد عمليات زراعة الكلى في الجزائر خلال العشر سنوات الأخيرة لم يتجاوز 476 عملية زرع، وهو رقم يستطيع مستشفى عادي بمستشفى ليون الفرنسي إنجازه خلال ستة أشهر، كما أنّ المشافي الفرنسية تستطيع القيام بعشرة آلاف عملية سنويا، وذاك راجع برأيه إلى تمتع المنظومة الطبية الفرنسية إلى تنظيم كبير وتوفر الكادر الطبي المتخصص، ما يجعل الجزائر لا تستطيع إجراء سوى بضع عمليات للخلايا الجذعية، بسبب الطاقات المحلية المهمشة وغياب مبادرات.

على صعيد تموقع العرب وسط هذه الطفرة الطبية الحاصلة، يرى البروفيسور quot;مصطفى خياطيquot;، أنّ كثير من الأطباء العرب أبانوا عن اقتدار كبير، لكن ما ينقصهم كي يحققوا إبداعات لها صداها عالميا، هي المشتلة والظروف الملائمة للبحث، كإعطاء علاوات للباحثين المتميزين، والاقتداء بنفس ميكانيزمات الدول المتقدمة.

وفيما يخص الوضع الجزائري، يركّز د/ خياطي على أنّ النتائج الطبية في هذا البلد يمكن أن تغدو استثنائية، إذا ما تحلى الأوصياء بالمتابعة، في صورة المخطط الخماسي للبحث العلمي (2009 ndash; 2014 ) الذي رُصدت له مخصصات زادت عن المليار يورو، لكنه يظل مهددا - بحسب خياطي- بالبتر والانقطاع، ما لم تفرض السلطات المختصة ميكانيزمات بحث تستلزم وجوبا تحقيق نتائج ملموسة.

وكي يبيّن سبب بقاء العرب والجزائريين خصوصًا خارج الدائرة، ركّز رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة، على أنّ المصيبة تكمن في quot;حلقة مفقودةquot; تتمثل في نزيف نخبة الباحثين العلميين من ذوي quot;المؤهلات الفكرية البارعةquot; الذين يختار ربعهم مغادرة الديار دوريا مباشرة نحو دول غربية وفرت لهم شتى المغريات من الرواتب الجيدة والمحفزات إلى الاستقرار والمناخ المهني النموذجي.
ويضرب خياطي مثالا بكون مائة ألف إطار طبي جزائري يرفضون العودة إلى الجزائر للاستقرار بها، نظرا للامتيازات المادية الكبيرة التي يتلقونها بالخارج، ويقول مصطفى خياطي أنّ الجزائر لو نجحت في استقطاب 1500 باحث طبي من أبناءها، سيكون لواقع البحث بها شأن آخر، خصوصا مع الكفاءة المشهودة لهؤلاء في ميادين الصحة، البيولوجيا، التكنولوجيا والفيزياء.

ويقول الدكتور quot;مصطفى خياطيquot; أنّ ثمة أسبابًا مباشرة لاستشراء ظاهرة هروب الكوادر الطبية، عدّدها في دوامة المشاكل الاجتماعية والرواتب الزهيدة، إضافة إلى عدم حصول هؤلاء على فرص عمل مناسبة تمكنهم من استغلال قدراتهم العلمية والتقنية، من جانبه، يفيد الخبير الجزائريquot;بوجلال محمدquot; الذي يتولى الإشراف على عديد المخابر الصيدلانية في بريطانيا، أنّ ما لا يقل عن عشرة آلاف باحث جزائري يتواجدون حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية من حاملي الشهادات العليا وينشطون في أكبر الجامعات والمعاهد الأميركية، فضلاً عن سبعة آلاف طبيب جزائري يقيمون بفرنسا لوحدها، وهم من حملة الشهادات العليا على غرار شهادات الدكتوراه أو الماجستير، موضحًا أنّ الجزائر يمكنها الاستفادة من هذه الكفاءات بالأخص وأنهم ما زالوا حاملين الجنسية الجزائرية، ويذهب بوجلال إلى أنّ الطرح الذي يتداوله البعض بضرورة السعي لاستعادة الكفاءات quot;تجاوزه الزمنquot; ويستحيل تحقيقه لأنّ المعنيين لهم مستوى اجتماعي متميز في الدول التي يتواجدون بها، وأضاف أن الحل الوحيد للاستفادة من خبرة الكفاءات الجزائرية والعمل على تنسيق البحوث بين مراكز البحث الجزائرية والأجنبية.

يتصور الدكتور أحمد بلخن أنّ ملامح هذا الإنجاز العلمي التاريخي لم تتضح بعد لعامة الناس لكون ثماره البارزة مازالت محدودة في تجارب معينة وفي أوساط ونخب معينة، لكنّه يقرّ بكون الخلايا الجذعية فجرت شهية أهل الطب الذين باتوا يدركون الآن أنّ وجه الحياة في العالم بأكمله سيتغير جذريًا بعد أن يصبح القضاء على الآلام والأمراض المستعصية ممكنا، وبعد أن يصبح تعويض كل عضو عاطل بالزرع المباشر عملية عادية.

لكن بالنسبة إلى أطباء العالم الثالث وبالنسبة إليه كطبيب جزائري، يعتقد د/بلخن أنّ الانجاز لا يعني الكثير في الوقت الحالي، لأنّ الاستفادة من هكذا إنجاز أمل بعيد المنال، ويستحيل الحلم بالوصول في المنظور القريب إلى إمكانية الاستفادة من هذه التطورات لصالح مرضى بلداننا مهما كانت إمكانياتهم المادية.
وإذ يثمّن إنجاز علمي باهر كهذا، ويصفه بخدمة تاريخية استغرقت بحثًا مضنيًا على مدار 20 سنة، فإنّ الدكتور بلخن يشدّد أيضًا على كون أهمية الخطوة لا تقلّ عن إنجازات علمية شهدها القرن الماضيكاكتشاف المضادات الحيوية، ويذهب محدثنا إلى أنّ اكتشاف الخلايا الجذعية سيعيد النظر في كل الحلول الطبية التي ظل اللجوء إليها مجرد خيار يائس أمام المعضلات المستعصية خاصة السرطانية منها والفشل الوظيفي للأعضاء النبيلة.

ويعترف د/بلخن أنّه في المنظور الحالي، يستحيل أن تشهد كامل البلدان العربية وخاصة في الجزائر مثل هذه الإنجازات ولا حتى إمكانية تطبيقها، ويبرر حكمه بكون البحث العلمي بشكل عام ليس من أولوياتها، ولم تكن يومًا أي دولة عربية جادة فعلاً في النهوض به ولم يسبق لها أن حاولت معانقة جوهر المشكلة التي تتحدد برأيه في ارتباط النهضة العلمية بكل أشكالها كإبداع وابتكار وبحث، بتصورات جديدة ترقى بالمبدعين والباحثين إلى مرتبة القداسة، وتنأى بالبحث عن الترقيع للقديم أو التقليد لما هو كائن في مكان آخر.
ويقترح د /بلخن، كي quot;يمكن أنquot; نصبح في مقدمة دول الأبحاث العلمية، بالمراهنة الصادقة على الاستثمار المعرفي / مثلا على غرار المبادرة التي قام بها الشيخ زايد من الإمارات وخصّص من خلالها مليارات الدولارات للنهوض بالعلوم في أوساط الشباب العربي /، كما يركّز الدكتور على ضرورة الاهتمام بمراكز الأبحاث والدراسات بكل أشكالها وليست العلمية فقط، وتشييد المزيد منها وترقيتها والوثوق بها لأنه حاليًا يكاد يكون عدد مراكز البحوث في الدول العربية محدودًا جدًا، وما زال ميدان عملها مقتصرًا على عموميات، كما أنّ نتائجها عادة ما تذهب للأرشيف ولا تستثمر كما هو مفترض.

وللظفر بمكانة متميزة على صعيد البحث، يقترح د/بلخن أيضًا عملية إنشاء وتنشيط مراكز حكومية وخاصة للأبحاث والدراسات، علاوة على تفعيل ملحقات البحوث في المؤسسات الكبرى كالمستشفيات الجامعية، هذه الأخيرة بمنظاره صارت أكثر من ضرورة وتشكّل مفتاح النهضة الحقيقي، خصوصًا إذا توفرت على المعايير العصرية المتعارف عليها لتفعيلهامثل القناعة التامة بالدور الريادي لمراكز البحوث والدراسات في كل المجالات، وليس المجال العلمي فقط، مع توفير حرية العمل البحثي وتفهّم السلطات لأبعاد ذلك، لكون أي من بحرية البحث أو الحد من الوصول إلى المعلومات سيؤدي إلى نتائج غير مهمة علميًا كما من الضروري الحرص على احترام استقلالية هذه المراكز في قراراتها وعدم محاولة التأثير على نتائج أبحاثها أو توجيهها.
ويبدي د/أحمد بلخن أسفا لكون الدول العربية لم تهتم بالبحث العلمي ومؤسسات البحوث بدليل النسب الهزيلة التي ظلت تخصصها كل الدول العربية للبحث العلمي في موازناتها، كما أنّ الكثير منها تتعمد استبعاد الكفاءات من المناصب المهمة ndash; على حد قوله-، ويعتب الدكتور على العرب تفريطهم في خيرة الباحثين الذين فضلوا الهجرة إلى دول أوروبية، ما أفرغ مراكز البحوث العربية على قلتها من الكفاءات العالية كما هي الحال في الجزائر.

تعليق طبي سوري على ابرز حدث علمي للعام 2008

استشاريون مصريون يشيدون بحذر ويؤكدون أننا

نحو 100حالة سنويًا من زراعة خلايا جذعية في الأردن للسرطان

http://www.elaph.com/Web/Health/2008/11/384230.htm
http://www.elaph.com/Web/Health/2008/11/384732.htm