غادة أسعد من الناصرة: عاشت عائلة الحاج من قرية عبلين الفلسطينية (داخل الخط الأخضر)، فترة عصيبة، خلال الشهرين الماضيين، فقد هدّد الخطر حياة وليد الحاج (أبو أشرف) (58 عامًا)، الذي اكتشف خلال أسابيع أنه مصاب بمرضٍ خطير في الكبد، مما دفع بعائلته الى البحث السريع عن علاجٍ في إسرائيل.
وفي طريق البحث عن العلاج عاش الأهل حالة من التراجيديا، التي انتهت أخيرًا نهاية مفرحة وغير متوقعة، عن درب الآلام التي عاشها الأهل، تحدثنا الى المهندس فايز الحاج (أبو وليم)، الذي عرّفنا على الدكتور أيمن عبيد (42 عامًا)، رئيس مركز زراعة الأعضاء وجراحة الأورام في مستشفى quot;كلينيكومquot; في مدينة غوتنغن الألمانية، الذي تابع حالة المريض أبو أشرف وكان له إسهامٌ كبير في إنقاذ حياته. تابعت quot;إيلافquot; هذه التفاصيل، حيث زارت المهندس أبو وليم، ابن شقيق المريض في مكتبه في قرية عبلين في الجليل، كما أجرت اتصالاً مع الطبيب الفلسطيني الأصل أيمن عبيد.
تسلسل الأحداث
يروي المهندس أبو وليم مجريات الأحداث التي مرّت بها العائلة في طريق العلاج: quot;شعر وليد الحاج، أبو أشرف بإجهادٍ قوي رافقه كحة قوية متواصلة لأكثر من أسبوع، الأمر الذي دفع عائلته الى نقله الى مستشفى quot;الكرملquot; في مدينة حيفا، هناك كُشف عن مشكلة كبيرة تتعلق بالكبد، وفي جلسةٍ استشارية مع بروفيسور سيكوفيتش في المستشفى أكدّ أن المرض مستفحلٌ وأنه لا علاج له في المستشفى، بل في اسرائيل.
وكان لا بُدّ من أطباء العائلة د. منير نشاشيبي (نائب مدير مستشفى الكرمل، تخصص أمراض سرطانية) ود. جورج حبيب (مستشفى الكرمل، أمراض باطنية)، والياس نشاشيبي (مستشفى بوريا- طبريا)، أن يعملوا على إيجاد حلٍ لإنقاذ حياة المريض، quot;الذي أذهلتهم حالته المستعصيةquot;، كان الاتصال الأول د. رفعت صفدي، مدير وحدة الكبد في مستشفى العائلة المقدسة في مدينة الناصرة، الذي عاين التقارير الطبية وقال انه لا علاج للمريض سوى اعطائه دواء quot;نيكسبارquot;، (ثمن الدواء الشهري 40 الف شاقل، ويمكن ان يعطى مجانًا اذا ما استوفى المريض كافة اجراءات التأمين اللازمة)، وكان لا بد من الحصول على الدواء على وجه السرعة، لكن الأمر لم يكن متاحًا خلال يومين.
بدأت اتصالات العائلة تتشعب أكثر حيث اتصل د. منير نشاشيبي ببروفيسور شوفال من مستشفى هداسا في القدس (الطبيب الأول في جراحة الكبد)، وكذلك بروفيسور أحمد عيد (هداسا أيضًا)، وتمّ ترتيب جلسة صباحية مع الاثنين، وجرى اتصالٌ من مستشفى quot;لوس انجلوسquot;، لترتيب لقاءٍ قريب، وفي المقابل جرى اتصالٌ بين د. منير نشاشيبي وصديقهما بروفيسور سامي حسين مختص في جراحة الأعصاب والرأس، الذي أفادهما بضرورة الالتقاء بكبير الأطباء الألمان في جراحة الكبد هو بروفيسور (مانس)، في مستشفى (هنوفر)quot;.
ويتابع أبو وليم: quot;قررنا حزم حقائبنا والسفر الى المانيا، برفقة عمي المريض أبو أشرف وزوجته وخالي د. منير نشاشيبي)، تاركين اتفاقاتنا المحلية، لتوقعنا أنّ الجواب سيكون سلبيًا. أقمنا في غوتينغن بترتيبٍ من صديقي د. عبد عتيلي الذي يعمل في غوتينغن، بينما رتّب لنا البروفيسور سامي حسين جلسة مع quot;مانسquot; كبير الأطباء الألمان في جراحة الكبد في مستشفى quot;هنوفرquot; وبعد اجراء الفحوصات اللازمة للمريض وتقديم كافة التقارير الطبية، قال: quot;لا يمكنني فعل شيء، الأفضل لكم أن تجعلوا المريض يقضي أجمل أيام حياته في ألمانيا، وتعودون الى بلادكمquot;.
quot;جاءت كلماته لتصدمنا من جديد، أبلغتُ صديقي د. عتيلي اننا عائدون من حيثُ أتينا، فطلب أن نُرجئ الأمر قليلاً، حتى يتحدث الى أحدث معارفه، وهو طبيب متخصص في جراحة الكبد، تمهلنا، ثم التقينا به صبيحة اليوم التالي، لنتفاجئ أنه د. أيمن عبيد (أصله من مدينة الطيبة)، يعيش في ألمانيا مع زوجته وأبنائه، وفور لقائنا به اطلع على التقارير الطبية، وبعد برهة من التفكير قال: quot;لدي حلٌ للمريض!quot;، قلت: وما الحل؟ أجابني: سنزرع كبد، واحتاج الى متبرع حي لنأخذ ما يقارب ثلث الكبد، شرط أن يكون المتبرع يحمل نفس فصيلة الدم التي يحملها المريض. كان العرض مغريًا، فسألناه عن نسبة نجاح العملية، فقال: 50%، عدنا لنسأله عن تجربته في عمليات زراعة الكبد، فقال: تصل نسبة العمليات 60 عملية في السنة. وزاد: حالة أبو أشرف صعبة، لكنني آملُ نجاح العملية بإذن الله. ثم أعلنا عن استعدادنا التام لإجراء العملية وبأسرع وقتٍ ممكنquot;.
مرّت عطلة نهاية الأسبوع على وليد الحاج (أبو أشرف) وعائلته بانتظار إجراء العملية، ثم هلّ يوم الاثنين، فانطلقت العائلة الى مستشفى quot;كلينيكومquot;، بينما كان الدكتور منير نشاشيبي قد عاد الى إسرائيل، ليتابع أعماله في مستشفى quot;الكرملquot;، عند الساعة الثامنة والنصف وصل المريض وزوجته بصحبة فايز الحاج (ابن شقيقه)، الى المستشفى، ونقل المريض الى غرفة 404، بينما سجّل فايز تفاصيل المريض، وخلال أربعة أيام أُجريت لأبي أشرف فحوصات لجميع أعضاء جسمه، ونهاية يوم الخميس وبعد فحصٍ دقيق، أكدّ دكتور عبيد أنّ صحة المريض جيدة باستثناء الكبد، ما يشجع على إجراء العملية، ثم بدأ مشوار البحث عن متبرع بصحةٍ جيدة ومقاييس معينة بحيثُ يكون نوع دمه مطابق لدم المريض، ااو، وأجرى فايز الحاج (أبو وليم) اتصالاً للعائلة يبلغهم بضرورة الحصول على متبرع واصفًا الصفات المطلوبة، وبعد فحص 70 شخص من أقارب ومعارف المريض، لم تعثر العائلة على شخصٍ ملائم، لكن في اللحظات الحاسمة علمت ابنة شقيقة المريض عبير داهود بحاجة خالها لثلث الكبد شرط ان تتوافق مواصفات المتبرع ونوع دم أبو أشرف، ولما كانت ممرضة، وتعرف تمامًا حاجة خالها المريض لإجراء العملية، قررت دون تردد التبرع والسفر إلى المانيا، لإجراء عملية استئصال كبد، ثم طُلب منها إجراء المزيد من الفحوصات للتأكد من سلامتها، وهذا ما حصل، وصلت الى مستشفى quot;كلينيكومquot; صبيحة الاثنين الذي يليه، وأجرت المزيد من الفحوصات بناءً على طلب د. عبيد، ثم أعلن أنّ تاريخ ال 29 من سبتمبر هو الموعد الرسمي لإجراء عمليتي الاستئصال والزرع لعبير وخالها أبو أشرف، وفي الساعة الثانية بعد الظهر، انتهت عملية عبير، وبدأت تعود إلى طبيعتها. بينما تابع د. عبيد ومساعده الألماني عملية أبو أشرف، حتى الساعة السادسة مساءً، حيث خرج الاثنان من غرفة العمليات، ليطمئنا العائلة بأنّ العملية تكللت بالنجاح وأنّ كل شيءٍ سيكون على ما يُرام، فيما حول المريض الى غرفة الطوارئ، وبدأ بالتخلص من تأثير العملية رويدًا رويدًا، حتى الساعة العاشرة والنصف مساءً، ليتبيّن للجميع أنّ العملية نجحت مئة بالمئة، وأنّ quot;المريض عاد للحياة من جديدquot;.
د. عبيد: quot;فلسطينيتي وعروبتي كانتا حافزًا لإنقاذ المريضquot;
أبدى د. أيمن عبيد تأثرًا كبيرًا بالمشاعر الجياشة التي أظهرتها عائلة الحاج، ومحاولاتهم الكبيرة لإنقاذ حياة المريض، الذي أعلنَ الأطباء أن لا أمل في شفائه من الأورام في الكبد، فكانت هذه الأخلاقيات والرابط الأسري القوي سببًا في تأجيل مشاعر التعاطف والرغبة في المساعدة، كما أكّد د. عبيد، quot;لكنه ليس السبب الأول بالتأكيدquot;، وتابع: quot;أنا لم أقم بمحاولة انتحار، بل هي محاولة دقيقة ومحسوبة، صحيح أنها مكللة بالمخاطر، لكنني اعتمدتُ فيها على قدراتي الطبية، وعلى النسبة التي تصل الى 50%، وهي نسبة لا بأس بِها، يمكن أن تنقذ مريضًا من الخطرquot;.
بينما حمّل د. عبيد نفسه عبئاً ثقيلاً، وجعله يحمل دمه على كفه ويمشي، مُعرِضًا quot;سمعتهquot; لمحنة صعبة، فإن نجح فقد حقـّق ما لم يتوقعه أحد، لكن إن فشل فهذه المسؤولية التاريخية التي يمكن أن تؤدي اسمه المعروف فلسطينيًا وعربيًا وعالميًا. لكن quot;الثقة بالنفسquot;، كانت ثاني محطاته أثناء إجراء العملية، أما المحطة الأولى فهي quot;الاعتماد على الله سبحانه وتعالىquot;. وبعدها المعرفة والاطلاع الطبي...
وعلى عكس المؤكِدين أنّ إسرائيل من أفضل الدول في مجال الطب، ثـبُت أنها ليست الأفضل، صحيح أنها تتفوق عن الكثير من الدول العربية، لكنها لا تتفوق على الدول الأوروبية، في المسائل الطبية.
أما المفاجِئ للدكتور أيمن عبيد فهو الجهل الطبي لدى بعض الجراحين، الذين يتصلون ويتحدثون في أمورٍ يظهر بعد ذلك انه ليس لها أي وزن طبي.
أما الوصفة السحرية لنجاح العملية الدقيقة التي أجراها د. عبيد فتتلخص في ما قاله: quot;شوية عواطف وريحة الوطن وطب قويquot;.
التعليقات