أعلن وزير الصحة البريطاني ان ملايين الجنيهات الاسترلينية سيعاد ترتيب اولويتها بحيث يتم نقلها بعيدًا عن البحوث الصحية والتطوير لتوجه الى تغطية الكلفة الخاصة بفاتورة الرعاية الصحية.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: موجة من الجدل أثارتها أخيرًا الخطط التي أعلن عنها وزير الصحة البريطاني، أندي بورنهام، في تصريحات خصَّ بها صحيفة التايمز اللندنية، عن أن الملايين من الجنيهات الإسترلينية quot;سيعاد ترتيب أولوياتهاquot; بحيث يتم نقلها بعيدًا عن البحوث الصحية والتطوير لتوجه إلى تغطية الكلفة الخاصة بفاتورة الرعاية الاجتماعية. وهو ما دفع خبراء إلى التحذير من أن تلك الخطط الحكومية التي ترمي إلى تمويل عملية الرعاية الاجتماعية باتت تُشكل تهديدًا مباشرًا على البحوث التي تُجرى على السرطان والعته.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة، فإن الأموال ستُحوَّل أيضًا بعيدًا عن حملات الصحة العامة كتلك التي تطلقها الحكومة ضد مرض إنفلونزا المكسيك، والأمراض التي يتم تناقلها جنسيًا، بالإضافة للبدانة. كما تشير الصحيفة إلى أن تلك الفاتورة، التي كانت تعد بندًا رئيسًا في أجندة الأعمال التشريعية لغوردون براون في فترة ما قبل الانتخابات، سبق وأن تعرضت لإدانة من قِبل نبلاء حزب العمال، والعلماء، ودعاة الصحة. وهي تلك الفاتورة التي قدمت ضمانًا بتوفير الرعاية الصحية المجانية في المنزل أو غيرها من أوجه الدعم لما يصل إلى 400 ألف مُسِن ومعاق اعتبارًا من شهر تشرين الأول /اوكتوبرالمقبل، بتكلفة سنوية قدرها 670 مليون إسترليني.

من جهته، يقول بورنهام، الذي كشف لأول مرة عن الطريقة التي خطط من خلالها لدفع ثمن هذا الاقتراح، إنه سيتم تحويل مبلغًا قدره 60 مليون إسترليني بعيدًا عن ميزانية البحوث والتطوير الخاصة بالخدمات الصحية، بالإضافة لتحويل مبلغ آخر قدره 50 مليون إسترليني بعيدًا عن ترقيات الصحة العامة. ويلفت إلى أن خفض الإنفاق على الخبراء الاستشاريين في إدارة نظام التأمين الصحي أمر من شأنه أن يوفر 60 مليون إسترليني. وتابع بالقول :quot; سيتم بذل جهود لتجميع مبالغ مالية أخرى كجزء من حملة إنتاجية كبرى quot;. فيما تقول الصحيفة إنه من المتوقع أن تقوم إدارة نظام التأمين الصحي بتوفير ما يصل إلى 20 مليار إسترليني من وراء ما يطلق عليها مدخرات الكفاءة على مدار السنوات الأربع المقبلة. وربما تجد المستشفيات مستقبلا ً إمكانية ربط دخولها المادية بمستويات رضا المرضى عن أمور من بينها نوعية رعاية الأمومة.

كما حذر العلماء من تداعيات خفض الميزانيات البحثية، التي تساعد في دعم التجارب السريرية للأدوية الجديدة. وفي هذا الإطار، تنقل الصحيفة عن نيك دوسيك، مدير حملة العلوم والهندسة، قوله :quot; ذلك أمر مقلق للغاية، بينما كان من المفترض أن يتم تسييج ميزانية إدارة نظام التأمين الصحي لحماية الاستثمار على المدى البعيد في الاحتياجات الصحية لهذا البلد. وفي حال تعرض ميزانية البحوث والتطوير بأي وزارة للانتقاص، فمن المفترض أن يتم مناقشة الأمر أولا ً مع كبير مستشاري الحكومة العلميين. وما إن لم يتم الالتزام بذلك، فإنه سيكون تطورًا مقلقًا للغاية ويستوجب النظر فيهquot;.
ويُتوقع ndash; بحسب ما أفادت الصحيفة ndash; أن يتم استجواب وزراء الصحة بصورة مفصلة حول العناصر التي يمكن استقطاعها من ميزانية البحوث والتطوير لتغطية تكاليف الرعاية الاجتماعية كجزء من التحقيق المتواصل من جانب لجنة العلوم والتكنولوجيا في مجلس اللوردات. أما لورد وارنر من بروكلي، وهو النبيل المنتمي لحزب العمال ووزير الصحة السابق الذي وصف الأسبوع الماضي مقترحات الرعاية الاجتماعية بأنه قد أسيء تقديرها تمامًا، فقال :quot; سوف أنظر إلى فاتورة الرعاية الاجتماعية بعناية شديدة للوقوف على حقيقة ما يراودني من شكوك ومخاوف تجاههاquot;. فيما دافع بورنهام عن الفاتورة، نافيًا في الوقت ذاته أن يكون لأي استقطاعات تأثير على رعاية المرضى أو التوصل إلى تفاهمات بشأن المشروعات البحثية الكبرى.

وبسؤاله عن تقديم حساب لعملية إعادة تخصيص الأموال، قال بورنهام :quot; إن المسألة دائمًا مسألة أولويات. ولا أستقطع أموالا ً في المشروعات الحيوية. بل أقوم بالاستقطاع من الأشياء التي تحظى بقدر أقل من الأولوية وتوجيه الإنفاق صوب الفائدة العامة. كل ما أود أن أقوله هو أننا نتعامل مع هذا الأمر بصرامة. أهتم حقيقة ً بممارسة الضغوط حتى يتسنى لنا تقديم أكبر قدر ممكن من المنفعة المباشرة إلى الجمهور بأسرع صورة ممكنة. ولقد تعودت أن أقوم بذلك بلا شفقة، وسأكون كذلك في هذا الموقف. فسنبوح بتلك الخطة عندما تُطرح الفاتورة أمام البرلمان. ولا أعتقد أن بإمكان أحد أن يتهمنا بإحداث نقص في تمويل ميزانية البحوث والتطويرquot;.

وهنا، تلفت الصحيفة إلى أن ميزانية بحوث نظام التأمين الصحي في البلاد لعامي 2010 ndash; 2011 تزيد عن المليار إسترليني. كما أنها توفر السيولة لعدد وافر من المشاريع البحثية التي تتراوح ما بين تشخيص حالات الإصابة بأورام في المخ لدى الأطفال وحتى الأسباب التي تؤدي لتراجع قدرات الإنسان المناعية عقب خضوعه لعملية نقل كلية. وفي غضون ذلك، عبر أكاديميون وعلماء بحثيون عن قلقهم من أن تمويل سبل العثور على علاجات لحالات مرضية من بينها السرطان أو الزهايمر يمكن أن تُعرقل في حالة حدوث تخفيضات على المدى البعيد من أجل التدريب وإجراء الدراسات البحثية.
وهنا، يقول الباحث بيتر دانغرفيلد، إن التخفيضات التي تطرأ على الميزانية باتت شائعة بالفعل في كليات الطب كما أنه لا يتم شغل المناصب المتعلقة بالمجال البحثي أو التدريس في بعض الأحيان مع تقاعد الموظفين. أما هاربيل كومار، الرئيس التنفيذي لجمعية أبحاث السرطان في بريطانيا، فقال :quot; تقوم ميزانية البحوث والتطوير الخاصة بنظام التأمين الصحي بتمويل البنية التحتية المحورية التي تدعم التجارب السريرية الخاصة بمرض السرطان. ونحن إذ نعبر عن بالغ قلقنا من أن نرى الاستقطاعات التي تؤثر على تلك الميزانيات من منطلق أنها تشكل جزءا ً لا يتجزأ من تحسين النتائج الصحية للمرضى. ويعود هذا الاستثمار الحكومي البحثي في نهاية الأمر بالنفع على الجميعquot;.

ويقول أندرو لانسلي، وزير الصحة في حكومة الظل :quot; إن المبلغ المالي الذي يقومون باستقطاعه من ميزانية نظام التأمين الصحي لا يبدأ حتى في تغطية ما يزعمون أنها ستكون الكلفة الخاصة بتلك السياسة. وفي الختام، تقول آنا ديكسون، مدير السياسات في صندوق الملك :quot; على الوزراء أن يفكروا مليا ً في التأثير المحتمل لخفض الميزانيات بالنسبة للبحوث والتطوير في وقت نطلب فيه من إدارة نظام التأمين الصحي تكثيف وإيجاد المشاريع والحلول لتحقيق مدخرات كفاءة. وبالنسبة للمقترحات المطروحة الآن في فاتورة الرعاية الاجتماعية، فإنها مقترحات فعالة أكثر على المدى القصير، وما نحتاجه هو حل أكثر أهمية وفعالية على المدى البعيد لتمويل الرعاية الاجتماعية التي ستكون في متناول كل من يحتاج إليهاquot;. وقال نورمان لامب، المتحدث الصحي باسم الحزب الليبرالي الديمقراطي :quot; إن خطط الحكومة مبهمة لدرجة أنها لا تُصدَّق. إنها بالفعل سياسة الخيال ويجب أن يتم الكشف عن الكلفة الكاملة لذلك الأمرquot;.