كامل الشيرازي من الجزائر: بلغ عدد الأشخاص المرضى بداء فقدان المناعة المكتسبة quot;الإيدزquot; بالجزائر 16 ألف شخص منذ العام 1985 تاريخ ظهور هذا المرض لأول مرة في البلاد، ورغم حملات التوعية والوقاية التي انتهجتها الجزائر منذ سنوات عديدة، إلاّ أنّ البلد لا يزال يشهد عشرات الحالات الجديدة كل عام، في صورة 114 إصابة خلال هذا العام فقط، علما أنّ إحصائيات رسمية تتحدث عن 1011 حالة و4048 حاملين للفيروس، وهو عدد تراه مراجع محلية quot;لا يعكس الحقيقةquot; لعدم وجود كشف مبكر منتظم وتلقائي للمرض، في وقت يتطور الداء بوتيرة مخيفة في الجزائر، حيث أنّ آلاف الأشخاص مصابين بالمرض دون علمهم.

ووصف البروفيسور quot;كمال صنهاجيquot; الباحث في داء السيدا، إجراءات الجزائر في مواجهة الايدز بـquot;المريحةquot; وتساعد بحسبه على التخفيف من انتشار هذا المرض الخطير، وأضاف د/ صنهاجي المختص في طب المناعة البشرية والأستاذ بجامعة ليون الفرنسية، أنّ داء الإيدز لا يزال فتّاكا بالرغم من كل الإجراءات الوقائية المتخذة ليس في الجزائر بل عبر العالم، حيث يصيب سنويا ثلاثة ملايين شخص، ويقضي على 33 مليون شخصا آخر.

وذكر رئيس اللجنة الجزائرية للوقاية من مرض السيدا الأستاذ quot;عبد الوهاب ديفquot; أنّه جرى إحصاء 114 إصابة جديدة خلال السنة الحالية، وهو ما يمثل ضعف الاصابات التي تم تسجيلها العام المنقضي (60 حالة)، كما بلغ عدد حاملي الفيروس (سيروبوزيتيف) خلال العام الجاري 553 حالة، في حين كان عددهم خلال السنة الماضية 585 حالة.

بيد أنّ الأستاذ ديف يعتبر أنّ معدل الاصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة بالجزائر يبقى ضعيفا مقارنة مع دول كثيرة، وألّح ديف على أنّ الحل يكمن في تعزيز الوقاية للحد من انتشار هذا الداء الذي لا يُشفى منه المصاب، مضيفا أنّ الوقاية تبقى الوسيلة الأكثر فعالية لحماية المجتمع المحلي من هذه الآفة الموسومة بـquot;بالخطيرة جداquot;، فضلا عن توعية مواطنيه بعدم ممارسة الجنس خارج الاطار الشرعي والوفاء في العلاقات الزوجية، وحماية الأمهات العازبات من شبكات الدعارة .

ويلتقي ديف مع صنهاجي في كون مرض الإيدز أصبح منذ العام 1995 quot;عبئا اجتماعياquot; وليس مشكلا صحيا فحسب، ويؤكد الأستاذان على حساسية تقاطع التكفل الطبي بالمرض من طرف وزارة الصحة، مع التكفل الاجتماعي والنفسي من لدن الوسط المحلي، ومساعدة المريض على تقبل مرضه ومتابعة العلاج من شبح الإيدز.

ويجمع أطباء تحدثوا لـquot;إيلافquot; على أنّ أحسن وقاية من انتشار الايدز، تمرّ عبر انشاء مجلس مركزي يضمّ ممثلين عن جميع القطاعات المعنية، ووضع برنامج لمكافحة فيروس فقدان المناعة المكتسبة وتعزيز العلاقة مع المؤسسات الدولية والاستفادة من مختلف آليات الدعم المتاحة في هذا المجال.

ويأسف مختصون لحالات عشرات المصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة ممن يتقدمون الى العلاج في معظم الأحيان في حالة متطورة جدا للداء، ما يصعّب التكفل بهم بشكل جيد لكون حالتهم تستدعي تكفلا نفسانيا واجتماعيا أكثر من العلاج الطبي، فيما ترتفع أصوات خبراء يدعون إلى تكوين أطباء نفسانيين بوسعهم التكفل بمرضى الفيروسات الخطيرة وفي مقدمتها الإيدز.

ويُجبر القانون الجزائري الأزواج الجدد على اجراء تحاليل للكشف عن الأمراض المعدية قبل الزفاف، وهو خطوة quot;ايجابيةquot; بمنظار أطباء لكونها تحمي المجتمع من انتشار الايدز، وتفادي انتقال الفيروس من المرأة الحامل إلى الجنين، وتشير بيانات رسمية إلى نجاح السلطات في حماية 80 رضيعا من الإصابة رغم كون أمهاتهم حاملات للفيروس.

وينتقد كمال صنهاجي وعبد الوهاب ديف ما يسمونها quot;بعض الذهنيات البالية والطابوهاتquot; التي لا زالت تقف بحسبهما أمام التصريح بالمرض، وتقوم بإقصاء المصاب اجتماعيا ما يزيد quot;الطين بلةquot; بحكم انعكاسات ذلك على نفسيات المرضى.

ويعزو الأستاذ ديف اتساع رقعة الايدز في الجزائر إلى انتشار ظاهرة الدعارة غير المراقبة والهجرة والمخدرات وما يتصل بها من تبادل الحقن بين المدمنين، إضافة إلى الاصابة بالأمراض المتنقلة جنسيا التي تساهم هي الأخرى في انتشار فيروس فقدان المناعة المكتسبة، ويقترح أطباء حماية ورقابة الفئات الهشة من ممارسي الدعارة والمدمنين على المخدرات، وكذا أولئك الذين يمارسون الجنس بدون واقيات خاصة وسط الفئة العمرية ما بين 20 الى 40 سنة، هذه الأخيرة يعتبرها أخصائيون quot;مهد انتشار مرض السيداquot;.

إلى ذلك، تطرق مختصون في منتدى علمي بالعاصمة الجزائرية إلى سبل الوقاية من فيروس فقدان المناعة المكتسبة، حيث دعا الدكتور quot;اسكندر عبد القادر صوفيquot; رئيس جمعية أنيس التي تنشط في مجال مكافحة الايدز، إلى مضاعفة الجهود في مجال الوقاية خصوصا وأنّ الاستفادة من العلاج تبدو صعبة سيما ضمن الفئات الهشة.

وأشار صوفي إلى كون المرضى الحاملين للفيروس لا يزالون يعتبرون كحالات وليس كأشخاص، فضلا عن معاناتهم من تصرفات تمييزية تمس بكرامتهم وتحرمهم من حقوقهم، مناديا إلى بذل جهود مستمرة للقضاء على الايدز وتطوير نظرة المجتمع للمرضى، مسجّلا أنّ 15 بالمائة من الشبان و10 بالمائة من الفتيات، مطلّعون بقدر كاف على طرق العدوى والوقاية من الأمراض المتنقلة جنسيا، ولفت الدكتور اسكندر إلى أهمية تفادي أي تراجع في تجنيد فاعلي المجتمع المدني في جهود الوقاية وتلافي أي ضعف في حملات المكافحة تبعا لمواصلة الوباء quot;الانتشار في صمتquot; في ظل سياق دولي يطبعه الانشغال بداء أنفلونزا الخنازير.

من جهته أشار الدكتور عبد القادر مكي المدير التنفيذي للمؤسسة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث، إلى أنّ الأشخاص القاطنين في مناطق ذات تغطية صحية ضعيفة والأشخاص المعاقين والمتنقلين والنساء، غالبا ما لا يدرجون في السياسات والاستراتيجيات الوقائية، كما ركز مكي على ضرورة تعزيز الدعم البسيكولوجي للأشخاص المصابين ومساعدتهم على التأقلم مع المرض، مؤكدا على أنّ المكافحة الناجعة لهذا المرض تقتضي بالضرورة التحرك بشكل أكبر لتحسيس الشباب وغيرهم بمخاطر وأسباب انتقال المرض.

وانتهى الدكتور مكي إلى كون المكافحة الحقيقية للايدز تكمن في إيقاف انتقال الفيروس، مضيفا أنّ ذلك ممكن التحقيق بفضل الكشف المبكر الذي يكتسي أهمية بالغة، إلى جانب دور الحركة الجمعوية في الادماج المهني للأشخاص المصابين، ومساعدتهم على تسيير وضعهم الصحي بعد خضوعهم للعلاج.