اعتدال سلامه من برلين: قد يكون مركز الفريق الطبي الذي يعمل ضمنه الجراح الألماني توماس كول في مستشفى الأطفال بجامعة بون، من بين المراكز القليلة في العالم الذي يجري عمليات جراحية للأجنة المصابة بثقوب في مجرى التنفس وهي في أرحام أمها، لينقذها من الموت. إذ إن انسداد مجرى الهواء يعطل عملية نمو الرئتين ويهدد حياة الجنين بالخطر، ويتبع هذا الجراح الطريقة نفسها لعلاج الاجنة المصابة بتشويه في القلب ونتوء في فقرة بالعمود الفقري. وطريقة الجراح الألماني التي تعتمدها حاليًا بعض المستشفيات الالمانية تعتمد على منظار اعتيادي مزود بقطع اضافية تمسح باجراء العملية للجنين داخل رحم امه من دون اي عوائق، إلا أن العملية تحتاج الى تركيز ودقة فائقتين لكن قبل كل شيء الخبرة الوفيرة.
ويمكن اجراء تلك العملية الجراحبية للجنين حتى عمر الـ 28 اسبوعًا، حيث يكون وزنه في هذا الوقت ما بين الـ200 و600 غرام وطوله ما بين الـ 10 و15 سنتم. وتبلغ مساحة حقل العملية من سنتمتر واحد الى سنتمترين، وتعتبر من العمليات الجراحية الصعبة جدًا، لذا فإنها تنفذ بناء على رغبة وقرار حاسم من الوالدين عندما يعلمان بأن الجنين مصاب بتشويه خطر لن يبقيه على قيد الحياة. إلا أن هذه العملية تسبب في كثير من الاحيان ولادة مبكرة ولو نجحت فقد تفرض على الطفل بعد ذلك بعض القيود التي يجب ان يعتمدها حتىعمر معين.
وإلتقت ايلاف الدكتور كول خلال مؤتمر لأطباء وجرّاحي الاطفال في برلين حيث اجرت معه هذا الحوار:
*هل يمكن لك شرح بعض جوانب هذا العلاج الجراحي الدقيق، وهل انت اول من استعمله؟
-كان اول من استخدم هذا الاسلوب هو الطبيب الاميركي مايكل هريسون الذي كنت اعمل تحت اشرافه عندما كنت اتابع تخصصي في جراحة الاطفال ما بين عامي 1993 و1996 في مركز الجراحة القلبية والتشويه العضوي الصعب لدى الاجنحة في مستشفى سان فرانسيسكو. بعد ذلك قمت بوضع اول خطوات تطوير لهذا التقنية مع فريق اطباء في هذا المستشفى ثم في مستشفى مونتسر في المانيا. لكن قبل ذلك اجريت مئات التجارب على الحيوانات مما افسح لي المجال عام 2002 وللمرة الأولىلاجراء مثل هذه العملية الصعبة على جنين في مستشفى الجامعة بمدينة بون.
وما هو معروف فإنعدد الاجنة المصابة بالتشويه في ازدياد مطرد لاسباب حياتية واجتماعية وبيئية، لكن وبسبب قوانين تعتمدها دول عديدة منها المانيا يسمح بالاجهاض عندما يتم التأكد من ان الجنين مصاب بعاهة أو تشويه خلقي يصعب عليه الحياة، لذا فإن عدد العمليات التي تجرى ما زال قليلاً.
وعادة تجرى مثل هذا العملية لجنين في رحم ام حملت بعد علاج طويل ولا تريد كما زوجها التضحية به عندما يعرفان انه مصاب بتشويه يمكن معالجته عبر عملية جراحية قبل الولادة يكون الامل في نجاحها اكثر من 90 في المئة.
*مما يتشكل جهاز التنظير الذي تستخدمه في العملية الجراحية؟
-انه جهاز منظار عادي تضاف اليه قطع اخرى منها انبوب مزدوج مصنوع من معدن خاص يصل قطره الى ملمترين ويسمح شكله بحمل بالون سيليكوني الى مكان الثقب في المجرى الهوائي للجنين وذلك لسد الثقب. كما تجري مراقبة سير العملية عبر عدسة دقيقة وخاصة في طرف الانبوب تنقل الصورالى شاشة عرض ، اضافة الى الصور التي نحصل عليها من جهاز الموجات ما فوق الصوتية التي تلتقط لوضع الجنين.
*ما هي مراحل سير العملية الجراحية؟
-بداية نحدث فتحة صغيرة جدًا في بطن الام تحت الصرة لا يتعدى قطرها 4 ملم تتيح الوصول الى الرحم، حيث نحدث فتحة اخرى لا يتعدى قطرها مليمترًا واحدًا يمكن توسيعها حتى الـ4 مليمترات بعدها نقوم بادخال الانبوب من البطن الى الرحم الى ان يصل طرفه الى رأس الجنين ثم فتحة الفم، لندفع بعدها بالانبوب الى الامام ببطء شديد الى ان نصل الى مكان الثقب الذي حددناه سابقًا عن طريق صور الاشعة. بعد ذلك ندفع بالبالون السيليكوني الى الداخل نحو الثقب ليثبت هناك ثم ننفخه بكمية قليلة جدًا من الهواء. وبهذا تتوفر الامكانية كي تنمو الرئتان بشكل طبيعي وتكتب النجاة للجنين بنسبة تصل الى اكثر من سبعين في المئة الى حين الولادة.
وامكانية حدث خطأ في ادخال الانبوب الى فتحة الفم وليس فتحة الانف غير وارد بسبب وضوح الصور التي تنقل إلينا بوساطة الكاميرا التي في نهاية الانبوب نفسه وجهاز الموجات فوق الصوتية، كما انه من النادر جدًا أن يسبب الثقب الذي نحدثه في بطن الام ورحمها نزيفًا او التهابًا او يشكل خطرًا على رأس الجنين لأنه يلتئم بسرعة لصغره. على الرغم منذلك تتم مراقبته مع كل زيارة طبية تقوم بها الام الحامل. وتخضع عملية الولادة لإجراءات خاصة جدًا، كي لا يختنق الجنين بالبالون السيليكوني، حيث يتم نزعه بمجرد خروج الجنين من رحم امه عبر عملية جراحية صغيرة جدا لا تؤثر فيه بعد ذلك.
*ما هي اصعب مرحلة في العملية؟
-حينما يتم ادخال الانبوب في فم الجنين وحسب معلوماتي فانه لا يوجد في العالم سوى اثنين غيري يقومان بهذه العملية الدقيقة والصعبة جدًا.
*كيف يمكن السيطرة على حركة الجنين داخل رحم الام؟
-يحصل الجنين كما الام على بنج موضعي مع مراعاة عدم الحاق الضرر بهما، فالاهم هنا عدم المجازفة بحياة الام.
*لماذا لا يتم ادخال الانبوب من مهبل الام الى الرحم ، اليس هذا اقل صعوبة؟
-انها طريقة غير جيدة وغير مأمونة للوصول الى الجنين، فالانبوب قد يحمل معه بكتريا خلال ادخاله الى الرحم ثم الى الجنين وتتعرض حياته للخطر، اضافة الى امكانية حدوث فقاعات هوائية داخل احشاء الام.
*كيف يمكن اجراء عملية جراحية من دون مباضع؟
-لهذا الامر طورت تقنية التنظير ، فالانبوب هو فقط كل ما نحتاج إليه للاسباب التالية:
اولا، لا يمكن احداث جرح للجنين وهو داخل رحم الام.
ثانيا : ان الهدف من هذا التطوير الاستغناء عن اجراء عملية بشكلها التقليدي بأي شكل من الاشكال خلال الحمل، لان الامل في نجاة الجنين عبر العملية ضئيل.
*ماهي اول عملية اجريتها؟
-كانت لجنين لديه ثقب في مجرى التنفس كان سيؤدي الى عدم نمو رئتيه بشكل طبيعي بعد الولادة وبالتالي صعوبة تنفسه ووفاته الحتمية.
*كيف ومتى تتم معرفة ما اذا كان الجنين يعاني من تشوهات او امراض؟
-عبر الفحص بالاشعة ما فوق الصوتية للحامل في اسبوعها ال27 او 28، حيث يمكننا ان نحدد بنسبة 90 في المئة من هو الجنين الاكثر مرضًا وحياته مهددة بالموت وبحاجة الى عملية.
*متى قمت باول عملية جراحية لجنين؟
-عام 2002 وكللت بالنجاح وكانت لسد ثقب في مجرى التنفس، بعدها اجريت عمليات من هذا النوع ايضا لسد ثقوب في قلب اجنة ولنتوء في فقرة في العمود الفقري وكلها تكللت بالنجاح.
*ما هي اصعب العمليات؟
-بالطبع عملية القلب هي اصعب عملية لانها محفوفة بمخاطر حدوث نزيف دموي. لذلك كان علينا تطوير تقنية الجراحة التي اعتمدناها كي لا نواجه صعوبات او على الاقل التقليل من الصعوبات اذا ما حدثت، لكن اضافة الى التقنية فالامر يحتاج الى الخبرة الطويلة جدا وليس هناك فريق طبي في العالم اجرى تجارب على جراحة الاجنة كما الفريق الذي اعمله معه في مستشفى الجامعة ببون.
*كم تستغرق العملية الجراحية للجنين في رحم الام لسد ثقب في مجرى التنفس على سبيل المثال؟
-تحتاج عملية البالون السيليكوني إلى سد ثقب المجرى الهوائي كما اصلاح وضع الفقرة في العمود الفقري الى ساعتين اما عملية الثقب في القلب فتستغرق اكثر من اربع ساعات.
*رغم التقدم والتطور الذي قمت به لكن العملية الجراحية لجنين داخل الرحم تظل محفوفة بالمخاطر على الجنين نفسه؟
-هذا صحيح، لكن اذا ما انقذت خمسة من اصل عشرة من الاجنة فهذا نجاح كبير جدًا ومكسب طبي وانساني، فكل الامراض التي اعالجها جراحيًا للجنين تهدد حياته لعدم وجود علاج له بعد الولادة.
التعليقات