عندما تنبعث رائحة جيدة من شخص ما ، فإن كيمياء الجسم للشخص المستقبل تلعب دوراً فعالاً في استحسان تلك الرائحة ، ومن ثم الإحساس بالراحة وتهيئة مناخ إيجابي لقبول ذلك الشخص.


يرى الباحثون أن الأنف تلعب دوراً كبيراً في قيادة الناس الى الإيجابية أو السلبية تجاه الآخرين وفقاً للرائحة التي تشمها. لذلك لايعجب المرء من صناعة العطور المتضخمة حول العالم ولا من ذلك الكم من أنواع العطور التي تغرق الأسواق ، فالرائحة الذكية باختصار يمكن أن تلعب دوراً في قيادة أصحابها الى النجاح.

يقول quot;هانز هاتquot; باحث بيولوجيا الخلايا في جامعة بوخوم الألمانية إن الروائح تؤثر بشكل عامفي العلاقات والتقاليد والتواصل الإجتماعي بين الناس، ومن دون الشم تصبح حياتنا لامعنى لها لأنها تفقد بذلك الكثير من جمالها وبهجتها. يرى quot;هانز هاتquot; كذلك أن الرائحة الخاصة بالإنسان هي شيء ملازم له في كل الأوقات وهي تنبعث من داخل أجسامنا الى الخارج ويدلل quot; هات quot; على أن بناء الحياة هو أساس ينبعث من داخلنا ذلك ان بداية الحياة لأي مخلوق تبدأ من داخل الجسم نفسه، فالحيوان المنوي يتحسس طريق الى البويضة عن طريق مستقبلات الشم الموجودة فيه والرائحة هي التي تقوده الى البويضة حيث يتم التلقيح ومن دون حاسة الشم تلك قد لايصبح للحياة وجود .

العلاج بشم الزهور

في عالم الطب ينصح بعض الأطباء المرضى بشم رائحة الزهور حيث إن لها تأثيرا فعالا على الجهاز العصبي وخاصة روائح بعض الزهور الخاصة التي تساعد على الإسترخاء. كذلك فإنهم كانوا يُشخصون الأمراض من رائحة أجساد مرضاهم. إن التداوي بالعطور هو أمر أيضاً معروف في علاج الأمراض النفسية والعقلية والجسمية، وفي العصور القديمة نصح هوميروس مؤلف الإلياذة والأوديسة الناس في زمانه بحرق الكبريتات في منازل المرضى من أجل العلاج ، وكان أبوقراط الطبيب اليوناني الشهير يكافح الطاعون بحرق أعواد الأشجار وفي مسرحية شكسبير المعروفة أمر الملك لير خدمه أن يجلبوا له طيب السنور ليستنشقه فتذهب عنه الكآبة والأفكار السوداء.

تظل حاسة الشم نشطة طيلة فترة يقظة الإنسان ، فالأنف بها أكثر من 30 مليون خلية شم تظل ترسل شفرات الرائحة التي تصلها الى المخ على مدار الساعة ، حيث إن لها القدرة على التمييز بين عدد كبير من الروائح قد يصل الى 10 آلاف نوع من الروائح المختلفة عن طريق 350 مستقبلا للشم.

هناك قول قديم يقول إن الحب والكراهية يفصل بينهما الرائحة وهذان العاملان ينشطان وفق الرائحة التي تشمها الأنف ،ذلك أن الروائح تؤثر بشكل فعال وملموس على المشاعر والعواطف الإنسانية ، كما أن لها تداعيات دراماتيكية على السلوك النفسي والجنسي والانفعالي أيضاً، لأن حاسة الشم مرتبطة بحركة الهرمونات وبالدوائر العصبية في مخ الإنسان.

إن الأنف كذلك عادة ما تألف الروائح الصناعية ، ولا يتوقف الشم فقط على رائحة الجسم ، أما تأثير الشم فيتوقف هو الآخر على الخبرة وربما درجة التعليم ، فرائحة العطر تستطيع مثلا خداع الأشخاص، فإذا قابلت شخصاً ما ولم يحدث توافق بينكما ثم بعد فترة حدث لقاء آخر كان هذا الشخص تفوح منه رائحة عطر جميل، فإن من شأن ذلك أن يحدث التقارب من جديد .

النساء تعرفن رائحة أزواجهن

أجريت تجربة على الشم في برنامج تلفزيوني ، استطاعت فيها 10 من النساء التعرف إلى أزواجهن من خلال شم رائحة الجسم ،رغم أن الأعين كانت معصوبة ، وترى النساء أن ليست ثمة مشكلة في الأمر إذ يستطعن التعرف إلى رائحة الأزواج دون مشكلة.
بعض أقرباء الدم لايستطيعون التعرف إلى بعضهم البعض من خلال الرائحة لأنهم يملكون الجين نفسه المسؤول عن الشم، لكن الأطفال الرضع يتعرفون إلى أمهاتهم عن طريق الشم .

الرائحة ليست قدرة يتمتع بها البشر فقط بل هي موجودة كذلك في عالمي الحيوان والنبات ففي بعض الأشجار التي تتعرض لغزو الآفات تُطلق رائحة يمكن اعتبارها رائحة تحذيرية للأشجار المجاورة التي تقوم بدورها بفرز عصارة ذات رائحة نفاذة لإبعاد الحشرات .
إرتبطت كذلك العطور والروائح في كثير من الثقافات بالممارسات الدينية، وثمة فقرات لا حصر لها عن الروائح وردت في العهد القديم والجديد. فقد ورد في سِفر الخروج أن الرب أمر النبي موسى بقدح من البخور في الخيمة المقدسة، كما غسلت مريم المجدلية قدمي يسوع المسيح بالمِرّة ثم جففتهما بشعرها.

وفي نشيد الإنشاد في العهد القديم يصف العريس عروسه بأوصاف وتعابير مشتقة من الروائح الزكية والزهور.وفي الطقوس الإسلامية يتم تغسيل المتوفي بوضع العطر على الجثمان . وفي الحضارتين الفرعونية والإغريقية كانت روائح البخور تدور في المعابد والطقوس الفرعونية المرتبطة بالموت أو الحياة كوسيلة لاسترضاء الألهة والعودة لشفاء المرضى. كما أمر الإمبراطور الروماني نيرون بحرق أطنان من البخور لتمكين روح البابا من المرور بأمان إلى الحياة الآخرة.

ملكات الفراعنة في مصر القديمة إشتهرن بحب الروائح فقد إشتهرت كليوبترا الملكة المصرية القديمة بعشقها للعطور وفي مقبرة نفرتيتي وجد العلماء قارورة عطر يابس يعكف العلماء على تحديد نكهته الآن في احدى الجامعات الألمانية لمعرفة التركيبة التي استخدمت فيه ومن ثم التعرف إلى رائحته بإعادة مكونات التركيبة من جديد.