تنتقد محاولات تشويه صورة المجتمع المصري
فوزيّة سلامة: الإعلام المصري ليس بأفضل حالاته

إيمان إبراهيم من بيروت: من عاصمة الضّباب كانت انطلاقتها في عالم الإعلام، هي من الرعيل الأوّل من الصحافيين الذين شاركوا في تأسيس الصحافة العربيّة في لندن، ورغم سنوات الغربة الطويلة، لا يزال يسكنها صقيع لندن وحرارة الشوق إلى مصر، فكتاباتها كانت صلة الوصل بينها وبين الوطن، لكنّها تستدرك أنّ الإعلام المصري لا يعيش اليوم أفضل حالاته، فعندما تنعدم الحرية تقيّد الكفاءات.
الإعلاميّة فوزيّة سلامة التي تعرّف عليها الجمهور العربي من خلال منبر quot;كلام نواعمquot;، لا تنكر أنّ اسم البرنامج أثار حفيظتها في البداية، خصوصاً أنّه كان دافعاً للبعض لإطلاق توصيفات على البرنامج كمنبر لثرثرة نسائيّة فارغة. تقول quot; هذا البرنامج كسر صورة المذيعة التقليدية، أنا امرأة في منتصف العمر، سمينة بعض الشيء، لكنّ الناس أحبونيquot;، وتؤكد أنها لا تطمح إلى تقديم برنامج منفرد، فالزميلات الشابات اللواتي يشاركنها من منبرها النسائي اشعرنها بأنّا لا تزال شابّة وديناميكيّة.
في بيروت التقيناها، تحدثنا عن تجربتها مع الصحافة، كتابة الروايات، والتلفزيون، ولم يفتها توجيه انتقاد لمحاولات التشويه التي يتعرّض إليها المجتمع المصري من خلال بعض الأعمال الفنيّة التي أساءت إلى وجه مصر في الخارج.

_ من عاصمة الضباب لندن كانت انطلاقتك في عالم الصحافة، حيث كتبت في أول صحيفة ناطقة باللغة العربية، أخبرينا عن تجربتك هذه؟
عندما أنهيت دراستي الجامعية تزوجت وحينها وواجهت خيارين، إما أن أعمل أو أن أضيّع مستقبلي بعد سنوات الدراسة الطويلة، وبالصدفة علمت أن صحيفة quot; العربquot; تصدر في لندن باللغة العربية، وكان أحد أصدقائي قد طلب مني مساعدته في تحرير طلب توظيف له باللغة الإنكليزية في الصحيفة حيث كان يريد العمل في الإخراجMISE EN PAGE ، وبالصدفة سألني لماذا لا تستغلين وجودك في لندن للعمل سيما وأنك تتقين لغتين. حينها لم تكن تلك الفكرة متبلورة في ذهني، إلا أن أغرب ما في الأمرهو أني توظفت بعد ذلك بأقل من شهر. طبعاً لم تكن لدّي الجرأة النفسية أن أعمل كصحافية بل كمترجمة، حتى لفت نظر أحد كبار الصحافيين وأعجب بأسلوبي فأصَّر عليّ أن أتقن الأسلوب الصحافي وساعدني كثيراً وكان يرسلني لإنجاز مهمات صحافية. وفي موازاة ذلك كانت معاملة الزملاء لي مميزة جداً كوني كنت السيدة الوحيدة في الجريدة.

-من خلال معايشتك لبدايات الصحافة العربية في لندن، الى أي مدى شعرت أنها تختلف عن الصحافة المحلية في مصر؟
هناك عدد هائل من الصحافة والصحافيين في مصر، أما في لندن فالصحافة المغتربة كانت تبقى على نطاق أضيق مما هي عليه في مصر، إلا إن الصحافة العربية في لندن تعتبر أجود من الناحية التقنية الأمر الذي أوجد امتيازاً من الناحية التقنية عن الصحافة العربية الأخرى. الى ذلك، فإن تجربتي خلال 4 سنوات الأولى من حياتي الصحافية، إختبرت خلالها مطلق الحرية دون توجيهات معينة من قبل رئيس التحرير أو مدير التحرير، فكان هامش الحرية أشمل من الصحافة العربية في دول أخرى.

-مؤسسة الأهرام في مصر تعتبر من أرقى المؤسسات الإعلامية العربية فضلاً عن الصحف اليوميّة مثل الجمهوريّة والأخبار، فهل لا تزال هذه المؤسسات محافظة على مهنتيها وموقعها في الصحافة العربيّة، أم أنها تشهد حالة إنحدار أسوة بباقي الصروح الإعلامية التي بدأت تنهار في العالم العربي؟
المؤسسات الإعلامية في مصر قد لا تتمتع اليوم بالرونق عينه على ما كانت عليه أيام مصطفى وعلي أمين، لكن هناك أمور مضيئة في الصحافة المصرية حيث توجد كفاءات غير عاديّة، وأعتبر أن عدم وجود الحرية في بعض من الوسائل الإعلامية المصرية أوجد إنعكاسات بالطبع.

-بالعودة الى تجربتك ككاتبة صحافية، فقد كان لك تجربة في كتابة القصص القصيرة لكنّها تجربة بقيت محدودة لماذا؟
لدّي ثلاثة أعمال المجموعة الأولى من القصص صدرت في العام 1986 بعنوان quot;المرأة الأخرىquot; ، المجموعة الثانية صدرت في أوائل التسعينات تحت عنوان quot; شارع في اسكندريةquot; كما كتبت رواية تحت عنوان quot; الفراش الأبيضquot;.

-ثمة فترة زمنية طويلة بين كل عمل، ما السبب؟
العمل الإداري في الصحيفة أخذ مني معظم الوقت وذلك على حساب العمل الروائي والقصصي. لم أتوقف عن الكتابة، فلا زلت أكتب عموداً أسبوعياً وعموداً شهرياً في مجلة quot; الشرق الأكبرquot; وأقوم بالتحضير لبرنامجي وفي موازاة ذلك لدّي مسؤولية زوجية وعائلية ، فالطاقة لها حدود.

-الكتّاب العرب ما أن يصلوا إلى عمر معين حتى ينقطعوا عن الكتابة عوضاً عن استغلال خبرتهم الطويلة، هل هو الإحباط أم المهنة الجاحدة أم ماذا؟
أعتقد أن كل كاتب لا يبدع سوى في وطنه، فطالما انا مغتربة لا زلت أشعر بإشباع كبير بكتابة الأعمدة لأنها هي من أوصلني الى الناس، ففي كل مرّة أكتب فيها عموداً أسارع إلى فتح الأنترنت مباشرة لأرى ردود فعل القراء، لو كنت أعيش في مصر ربما قد لا أشعر بهذا الإحساس ولاهتممت أكثر بكتابة القصص، إن إشباعي النفسي يأتي من خلال التواصل مع الناس.

-بعد كل هذه السنوات في لندن، هل لا يزال هاجس الغربة يسكنك؟
عشت في مصر مدّة 21 عاماً وبقية عمري عشته في لندن، مصر هي أمي. لا يمكن أن أعيش في مصر بعد اليوم لأن حياة إبنتي عبلة مرتبطة في بريطانيا
وحياتها هي إمتداد لحياتي ولا يمكن أن أنفصل عنها.

-في مجتمع غربي ربّيت ابنتك، هل وجدت تضارباً بين تقاليد نشأت عليها وتقاليد المجتمع البريطاني؟
ابنتي مزيج من من المجتمعين معاً، فقد أخذت ما هو إيجابي من الثقافتين وفق التربية والتقاليد، فطباعها مصرية من ناحية حسن الإستقبال والضيافة. الجيل الأول من المغتربين العرب هو صنف ثالث لم نحسب حسابه بعد، وابنتي نصفها عربي ونصفها غربي. أنا أم فخورة بأمومتي ورغم كل النجاح المهني أشعر أن دوري في هذ الدنيا هو أن أكون أماً.

-كثير من الجمهور العربي تعرّف إليك من خلال التلفزيون عبر برنامج quot; كلام نواعمquot; على شاشة الMBC ، لكن البعض يعتبر هذا البرنامج مجرّد ثرثرة نسائيّة؟ بماذا تردّين؟
بصراحة، لو استطاعوا تجاوزا اسم البرنامج سيجدون أن المضمون هو دفعات معنوية وإعلامية سيما وأن المحاذير قد خرقت، ذاك أن الثقافة التلفزيونية تريد المذيعة اليوم عارضة أزياء أو ملكة جمال، فأنا سيدة تجاوزت منتصف العمر، ولست ملكة جمال ومع ذلك أحبني الجمهور واحترمني، وفي البرنامج 4 سيدات وكل من خلال مجال عملها تسعى لإنجاح البرنامج، فلا وجود إذاً للتنافس . البرنامج شامل وهو كناية عن صالون للأسرة.

-استضفتم في البرنامج ضيوفاً من مختلف المجالات، ألا تشعرين بصعوبة التعامل مع نجوم الفن سيما أنّ العلاقة بين الإعلامي والفنان علاقة غير متكافئة، وبرأيك لصالح من ترجح الكفّة؟
أعتقد أنه لا يوجد فنان لا يحتاج الى جمهور وأعتقد أن الإعلامي هو أحد الأركان الأساسية لجمهور الفنان. فالصحافة فيها أضاً الصالح والطالح، والطالح هو الذي يكتب ليتقاضى وهذا يسيء الى سمعة المهنة.

-يراودني شعور أن برنامج quot; كلام نواعمquot; لا يليق بهذه التجربة الصحافية الرائعة؟ فلماذا لا تقدمين برنامجاً منفرداً؟
بعد 29 عام من الخبرة الصحافية، أعتبر أن برنامج quot;كلام نواعمquot; هو جوهرة التاج على رأسي، لأني أعتبره ديناميكياً، فوجودي مع ثلاث فتيات ديناميكيات، أشعرني أني عدت شابة ويدفعني الى الأمام. البرنامج لا يزال مستمراً منذ 5 سنوات. أعتقد أن أحد اسباب نجاح البرنامج هو الحوار الحرّ بين المقدّمات، فكل أسبوع هناك تجربة جديدة وقضايا منوّعة.

- ثمة برامج تعرض عبر الشاشات الغربيّة منذ سنوات، لكنّ أكثرها حظاً لا يعمّر أكثر من أشهر قليلة عبر شاشاتنا، ما السبب برأيك؟
أعتقد أن المشكلة تتعلق بالفضائيات، في لندن مثلاً هناك 150 قناة فضائية تقريباً، ورغم ذلك لا أجد أحياناً شيئاً يجذبني لأشاهده، نحن نشتري البرامج المستوردة من الغرب، والسينما المصرية في حالة احتضار، فلماذا لا يصار الى دعم الإنتاج العربي إذاً.

-على سيرة السينما المصرية، ما رأيك بفيلم quot;عمارة يعقوبيانquot; الذي مثّل مصر في صروح عالميّة؟
من الناحية الفنية أعتبر أن مستوى الإخراج عالمي ومستوى كتابة السيناريو جيد جداً كما الأداء الفني ممتاز، إنما مضمونه الفكري مدّمر، وأعتبر أن هذا الفيلم ولج الى المهرجانات العالمية واستضافته لأنه يكتب شهادة وفاة لمصر، فالعلاقة العاطفية الوحيدة الجميلة فيه هي علاقة الصاوي والولد الصعيدي التي فيها لمسة حب رغم الشذوذ. أتساءل لماذا يظهر الفيلم أن الفتاة المصرية quot; غلبانةquot; والطريق الوحيد لها أن ترفع فستانها ب 10 جنيه،. الى ذلك الإنحطاط الأخلاقي على صعيد الطبقات الأرستقراطية، فدور عادل إمام إبن الباشا وأخته تطرده من الشقة بواسطة البوليس لا يمتّ بصلة الى وضع الأخلاق في مصر، فأخلاق الطبقة الأرستقراطية المصرية ليست على هذا النحو. إذاً لا بريق أمل في هذا الفيلم، فحضارة 7000 سنة مدمَّرة من خلال هذا التقييم.