حوار مع الروائي الجزائري الشهير ياسمينة خضرا:
روايتي أنقذت الشباب من السقوط في التطرّف

أجرى الحوار كمال الرياحي: ولد بالقنادسة، ولاية بشار من الجنوب الغربي الجزائري في 10/01/1955 كان ضابطا بالجيش الشعبي الوطني قبل أن يتركه ليدخل خميس الكتابة. يمضي أعماله الإبداعية باسم زوجته. هو ياسمينة خضرا أو محمد مولسهول الروائي الجزائري المقيم في فرنسا. كتب القصة القصيرة والسيرة الذاتية والرواية البوليسية التي اشتهر بها صدرت له أعمال كثيرة منها quot;حوريةquot; وquot;أمينquot; وquot;بنت الجسرquot;، quot;القاهرة والزنزانةquot;وquot;الموتquot; وquot;عند الجانب الآخر من المدينةquot; وquot;أولئك الذين يقتلونquot; وquot;الأحمق والسكينquot; وquot;المهزلةquot; وquot;البياض و خريف الأحلامquot; وquot;خرفان اللهquot;، quot;بم تحلم الذئاب؟quot; وquot;لكاتبquot; وquot;خداع الكلماتquot; وquot;خطاطيف كابولquot;..... وآخر رواياته التي أثارت ضجّة كبرى في المشرق خاصة quot;الاعتداءquot;. رواية تدور رحاها السردية حول عملية استشهادية تقوم بها إحدى الفلسطينيات، صدور الرواية في الوقت بالذات كان سببا في اتهام الكاتب الجزائري بتعاطفه مع الإسرائيليين وببحثه عن جائزة فرنسية. حول هذه الرواية وغيرها يدور هذا الحوار الخاطف مع الفرنكوفوني ياسمينة خضرا. فماذا كان ردّ ياسمينة خضرا على هذه الاتهامات؟ وما حكاية اسمه المستعار؟ وكيف تحوّل من عسكري إلى روائي؟ ولماذا لم تترجم رواياته إلى العربية؟ وكيف يرى موقع الرواية البوليسية من الرواية الفنّية؟

*هل الأسباب التي جعلتك تقيم خارج الجزائر مازالت قائمة؟
- لقد غادرت وطني من أجل أدبي. لم أهرب، لست مغتربا، أنا فقط مهاجر وفرنسا تهبني فرصا عديدة وتسهيلات لأحقّق النجاح في مغامرتي الروائية. في فرنسا لست في حاجة إلى تأشيرة لكل تنقّلاتي. كما ترجمت رواياتي إلى 17 لغة و انا لا أرى كيف يمكنني توفير متطلبات مسيرتي الأدبية انطلاقا من الجزائر مع كل تعقيداتها الإدارية.

*ماذا قدّمت للمرأة التي احتضن اسمها تجربتك؟
- أوّلا. لم أخيّب ظنّها. النساء الجزائريات عموما و امرأتي بشكل خاص فخورات جدّا بي. ثم اعتقد أنّي زوج مستقيم بشكل نادر، شديد الاهتمام وذو وفاء نادر.

*هل شعرت بنوع من الغربة وأنت تكتب باسم امرأة؟ وهل تحنّ إلى اسمك الأصلي أحيانا؟
- الغربة الحقيقية بالنسبة إلى الكاتب هي غربة النصّ. إنّها أيضا أجمل غربة، لأنّه يبتكر نصّه من تنقّلاته الخيالية. هو فيه إله وساحر، ملاك وشيطان وهو يغذّي أمكنته بثمرة إلهامه. أمّا بالنسبة إلى اسمي، لا أشتاق إليه. فهو على أغلب الرسائل التي أتلقّاها وعلى رخصة السياقة وعلى جواز سفري و في كل مكان، حتّى على مدخل العمارة التي أسكن فيها. أنا إنسان يحتفظ ببرودة أعصابه عندما تهدّده نيران المنحدر بالاحتراق.

*اخترت أن تكون كاتبا، و قرّر والدك أن تكون جنديّا ما الذي يجمع بين الكاتب و العسكري حسب رأيك و قد عشت التجربتين؟
- كنت عسكريّا. لم أعد كذلك الآن. ولكنّني لن أتنكّر لا لأصدقائي ولا لأعدائي. الجيش علمني أن أسبح ضد التيّار. التقيت فيه بأناس شجعان وأشخاص منافقين. البسالة والجبن ساهما في تأكيد قناعاتي وفي تدريبي. اليوم، أنا روائي معترف به وهذا دليل على أنّني انتصرت على كل العراقيل بفضل صداقة البعض و عدائية البعض الآخر. يجب أن نجرّب، في الدنيا. كل شيء لنفهم الألم بعض الشيء هذا هو توازن الأشياء. إذا بقيت متيقّظا حتى فإنّ الفضل في ذلك يعود إلى جراحاتي وندباتي. وإذا كنت متصالحا مع نفسي. فذلك لأن ضميري مرتاح.

*هل تحدّثنا عن أثر الحياة العسكرية في رواياتك؟
- في quot;الكاتب quot; سيرة ذاتية وأتحدّث فيها عن الطفل الأصغر الذي كنت، عن حياتي في المدرسة العسكرية. فقط لأقّدم هويتي وأضع بضع النقاط على الأحرف، ولكن هذه ليست طريقتي الأدبية. أنا روائي، والخيال وطني. فيه أتصرّف في واقع الناس، اقترب من مشاعر التوجّس والحرمان لديهم، أحاول أن أعبّر عنهم بالكلمات المناسبة لأنير طريقهم.

* قدّمت صورة مختلفة عن الإرهابي في روايتك quot;بم تحلم الذئاب؟quot; بالعودة إلى الأسباب العميقة التي تدفع الشباب إلى الانضمام إلى خلايا إرهابية في الجزائر. هل فعلا فكّرت في أن تعطي الشاب الإرهابي فرصة للتعبير عن رأيه في وقت ألجمته الروايات الأخرى ذات الصوت الواحد؟
- إنّك محقّ تماما، لم أكن أريد أن أستنكر أو أشجب، وإنما أردت أن أفهم قبل كل شيء عمّ نتحدّث دائما. كنت أريد أن أعود إلى أصل الأشياء ومنابع الأشياء، لأعرفها بشكل أفضل، لأتقبّلها وأتعامل معها في نفس الوقت. quot;بم تحلم الذئابquot; رواية سلّطت الضوء، إلى أقصى حدّ، على دواخل المجتمعات المريضة بعدم قدرتها على تصّور المستقبل. من ناحية أخرى، هذه الرواية جعلت عديد الشبّان يعدلون عن السقوط في هوّة الرعب ومالا يمكن إصلاحه.

*تعتبر الرواية البوليسية جنسا أدبيا من الدرجة الثانية بالنسبة إلى البعض و تعتبر كتابة متقدّمة بالنسبة إلى البعض الآخر. ما رأيك؟
- بالنسبة إليّ لا يوجد جنس أدبي هام و جنس أدبي أقل أهمّية. هناك فقط كتّاب جيدون و آخرون أقلّ إجادة، عندما أهمّ بالكتابة، سواء كان النصّ رواية بوليسية أو جنسا أدبيا آخر من النوع الرفيع، فإنّ اهتمامي يكون هو نفسه. رواياتي البوليسية( السوداء) كرواياتي الأخرى البيضاء مسّت أشخاصا مختلفين و جمعتهم حول نفس النقطة.

* لماذا لم تظهر الرواية البوليسية العربية؟ هل يعود ذلك إلى غياب المدينة بالمقاييس الغربية؟
- العرب شعراء كبار وهم يخيّرون أن يستثمروا طاقاتهم في أدب طموح وصاف ومستعص في العادة، الرواية البوليسية لا تناسب طريقتهم في تمثّل الأدب. ولكن أمام العدد الهائل من القرّاء الذين يقبلون على الرواية البوليسية في العالم اليوم، بفضل كتّاب كبار أساسا. يراجع بعض الأدباء العرب اعتقاداتهم الآن. بالنسبة إلي، أنا راض جدّا عن مسيرة رواياتي الأدبية. لقد ترجمت إلى عديد اللغات في بلدان كثيرة بما في ذلك الولايات المتحدة- مما جعل عدد قرائي يزداد بشكل كبير.

* هل كتابك quot;الكاتبquot; سيرة ذاتية خالصة أم قمت بإثرائها بالتخييل؟ وهل يمكن حسب رأيك كتابة سيرة محضة؟
- ما كتبته هو عين الحقيقة.

* في بشار، المدينة المنجمية الصحراوية، رأيت بعيني معرضا لصور لك ومقالات عنك في متحف أثري. ماذا بقي من هذه المدينة في ذاكرتك؟
- لم أعش طويلا في القنادسة. لقد تركت هذه المدينة في سن العامين لأستقر في وهران، لا أذهب إليها كثيرا. ذهبت إليها مرات قليلة عندما كنت طفلا ثم عدت إليها مع زوجتي سنة 1986، لأريها من أين أتيت وإلى أين أنتسب. ومع ذلك. أتذكّر كل لحظة قضيتها في قريتي التي ولدت فيها ومازلت أشعر بالحنان الذي استقبلتني به مما يعطيني القوّة في كل مرّة أكتب فيها.

*لماذا لم تترجم كتاباتك إلى العربية رغم نجاح روايتك المعربة quot; بم تحلم الذئاب؟quot;؟
- يوجد غير quot; بم تحلم الذئاب؟quot; كل رواياتي نجحت.

* أقصد نجاح الترجمة والتلقي العربي لها.
- نعم، quot;خطاطيف كابولquot; وقع اختياره كأفضل كتاب في الولايات المتحدة هذا العام. ترجمت أعمالي إلى عديد اللغات حتى المالايام وهي لغة هندية وقريبا إلى الصينية و اليابانية. إذا كان العرب يريدون ترجمة كتاباتي، لا مانع عندي، بالعكس أكون سعيدا أمّا إذا كانوا لا يرون فائدة من ذلك، لا احد سيجبرهم. أنا محظوظ لأنّي مقروء في كل مكان من العالم. إذا أدار لي أهلي ظهورهم، أنا آسف لهم.

*ترك الكاتب أمين الزاوي، بعد ترجمة روايتك، اللغة العربية ليكتب بالفرنسية أيضا. كيف ترى هذا التوجّه؟
- تلك مشكلته، لسنا على نفس الطريق أنا وهو. أنا حاصل على الميدالية الذهبية للأكاديمية الفرنسية والفرنسيون فخورون لأنني أكتب بلغتهم كنت دائما أسحرهم وأرجو أن أواصل في افتتانهم طالما أن هذه اللغة الرائعة تعطيني من قوتها.

* دعني أسألك عن روايتك الأخيرة quot;الاعتداءquot; التي أثارت الرأي العام العربي فقد اتهمتك الصحافة العربية والجزائرية بأنّك وصفت الفلسطينيين بالإرهابيين وأنّك دافعت عن اليهود في محاولة منك للفوز بجائزة غونكور. كيف تردّ على هذه الاتهامات؟
- أنا مصدوم مما تقول، أظنّ أن روايتي استقبلت بشكل جيّد جدّا في الجزائر، لم أقرأ نقدا واحدا سيئا عنها، إذا كان الأمر كذلك أرسل لي تلك المقالات التي هاجمتني و سوف أردّ عليها. جريدة الحياة تدّعي إنني متعاطف مع الإسرائيليين، هناك فيلسوف يهودي عاب علي في برنامج quot; الثقافة وتفرعاتهاquot; على قناة فرنسا 3، تعاطفي مع الفلسطينيين. في الحقيقة. كنت إنسانيا جدا أو شديد الذكاء في هذه الرواية، طبعا الأغبياء هم الذين هاجموني. أمّا عن الجانكور، إذا كان هذا يريحهم، لن أحصل عليه أبدا.

* إذا قرأت ما كتب في الحياة و في قناة المنار حول روايتك؟ ألا يكفي هذا الاتهام؟
- إذا، لا داعي للمبالغة والقول إن الصحافة الجزائرية استقبلت كتاباتي بشكل سيّء فهذا المقال هو نفسه صدر بالحياة والمنار، كتبه صحفي غير مسؤول، سيّء النيّة. وهذا ردّي على اتهاماته: quot;لقد شعرت بالصدمة وأنا أكتشف، في الحياة، المقال الذي خصّص لصدور روايتي الأخيرة quot;الاعتداءquot; ويبدو جليا أن كاتب المقال شخص غير مسؤول وسيّء النية جدّا و أنّه لم يقرأ الكتاب أصلا. وبالتالي لا يستطيع أن يكون إلا سخيفا.

*اذا، لم تتعاطف مع الاسرائليين؟
- لم أتّهم في أية لحظة من الكتاب المقاومة الفلسطينية ولم أكن في أية لحظة متعاطفا مع الإسرائيليين.

*كيف قدمت الأمر اذا؟ كيف تعاملت مع هذه القضية روائيا؟
- في هذه الرواية، شديدة الإنسانية، لا أتّخذ موقفا، أعطي الكلمة من الداخل للشخصيات في هذه المأساة التي تمزّقنا جميعا. مع التركيز على الخسائر وليس على الأخطاء.

*كيف تفسّر ما جرى لك؟
- يبدو أنّنا نحن العرب نميل إلى تشويه صورتنا أكثر من الاعتراف بفضائلها. الغيرة والحقد سوف تقضي علينا وتلتهمنا أحياء. آسف لهذه الأمّة التي تدّعي النهضة وتصرّ على تدمير كل بارقة تستطيع إنارة طريقها. ربّما كانت تخيّر تواطؤ الليل على أنوار النهار المحرجة.

[email protected]