حوار مع د.يوسف زيدان

محمد الحمامصى من الاسكندرية: د. يوسف زيدان واحد من أهم المشتغلين بالتراث العربى على مستوى العالم وهو أستاذ الفلسفة وتاريخ العلوم ومدير مركز المخطوطات ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية.. وفى فجر اليوم الذى أجريت فيه هذا الحوار مع د. يوسف زيدان، صحوت مبكراً كعادتى لإعداد الأسئلة التى سوف يدور الحوار حولها، وكان من المهم أن أبحث فى الإنترنت عن المزيد من المعلومات حول ضيف الحوار. كتبتُ اسم quot;يوسف زيدانquot; فى محرك (جوجول) الشهير لأرى كم (ملف) سوف يذكره، فكانت النتيجة 78.000 ملف.. ثمانية وسبعون ألف ملف على الإنترنت تتحدث عن مؤلفات يوسف زيدان عن الكتب المنشورة التى تزيد عن خمسين كتاباً، ومن البحوث المتخصصة التى تزيد عن مائتين.. بالإضافة إلى مشاركاته الكثيرة فى المؤتمرات والندوات الدولية، وآرائه التى أدلى بها فى مناسبات مختلفة أو أسهم بها فى صياغة فكرنا التراثى المعاصر سواء من خلال أعماله الفكرية والإبداعية، أو الإنجازات الكبيرة التى حققها من خلال عمله بمكتبة الإسكندرية. وكان من المناسب أن نبدأ حوارنا بالكلام عن المخطوطات ودور مركز ومتحف المخطوطات اللذين يديرهما ثم عن المؤتمر الذي ينظمه مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية الذي يترأسه، فكان أول أسئلتى له:

** باعتبارك أحد أبرز المتخصصين فى مجال المخطوطات، هل لنا أن نتعرف على رؤيتك للحالة التراثية الحالية ووضع المخطوط العربى الآن؟
** لايمكن الكلام عن (حالة) واحدة أو (وضع) واحد للتراث والمخطوطات الآن.. فهناك حالات وأوضاع متفاوتة بحسب اختلاف الزمان والمكان. فالمخطوطات العربية فى أوروبا أحسن حالاً مما هى عليه فى البلاد العربية بعامة، والمخطوطات فى مصر مثلاً أحسن حالاً من المخطوطات فى موريتانيا. ومن ناحية أخرى، فإننا حين نقول (الآن) لانقصد المعنى الحرفى للكلمة، وإلا كان سؤالنا عن هذه اللحظة التى تسألنى فيها، فقط، مع أن المراد هو (المرحلة الحالية) وهى أيضاً متفاوتة ! فقبل عشرين عاماً كان المفهرَس من تراثنا هو أقل القليل، ثم صدرت خلال العشرين عاماً الأخيرة أعمال كثيرة فى مجال الفهرسة الكاشفة عن محتوى المجموعات الخطية المتناثرة فى بلادنا، وهى أعمال كثيرة جداً ndash; ورقية وإلكترونية ndash; ساهمت فيها وحدى بفهرسة ثمانى عشرة ألف مخطوطة.. وساهم مفهرسون آخرون مساهمات أخرى.
والأمر ينطبق على نشر النصوص المخطوطة، بالعكس ! فقبل عشرين سنة، ولمائة سنة سابقة، كانت الأعمال التراثية تخرج محققة بأسلوب علمى رصين على يد المستشرقين والعرب، ثم صارت المسألة تجارة وربحاً لا يهدف إلا للسطو على القيمة المادية للمنشورات التراثية التى تَلْقى عند القراء رواجاً. ومن هنا راح الناشرون ومرتزقة التراث يخرجون علينا بأعمال تراثية المفترض فيها أنها محققة ولكنها فى واقع الأمر (مهزلة) بالقياس إلى قواعد التحقيق العلمى ونشر النصوص المخطوطة. لذلك، فلا يمكننا فى عجالة كهذه أن (نشخِّص) الوضع الحالى للتراث والمخطوطات، أو أن نختصره فى بضع كلمات، نظن بعدها أننا أوفينا الموضوع حقه.

** إذن، كيف يمكن لنا والحالة (مضطربة) على هذا النحو، أن نواجه هذه الفوضى؟
- هناك مبدأ طبى قديم، كان الأطباء العرب واليونانيون من قبلهم يعتمدون عليه فى معالجتهم للمرضى.. مبدأ يقول: ينبغى علاج الأمور بأضدادها ! ومن هنا، فإذا عرفنا أننا نعانى من (فوضى) تراثية، فإن علاج ذلك يكون بما هو نقيض الفوضى، أقصد (النظام).. بمعنى أن ننظر إلى التراث والمخطوطات ونتناول قضاياه تناولاً منظماً، لنعكف على دراسة التفاصيل المتعلقة بواقع المخطوطات وحركة النشر التراثى.. ثم صياغة (منظومة) للعمل التراثى تضمن لنا تأسيس وعى حقيقى بالماضى، وبالتالى رؤية رشيدة للمستقبل.

** بهذه المناسبة، اعتقد أن المخطوطات العربية ليست كلها نصوص دينية، ولكن كلمة التراث عند العامة توحى أن التراث دينى بالضرورة.. فهل لذلك علاقة بكثرة نصيب المخطوط الدينى من التحقيق والنشر، وإهمال أو تجاهل المخطوط الآخر؟
-الذى تشير إليه بسؤالك هو نتاج (الفوضى) التراثية التى نَبَّهْتُ إليها قبل عشرين سنة فى مقال كبير نشرته بجريدة الأهرام تحت عنوان (فوضويات نشر التراث) ثم تناولته تفصيلاً فى عدد من الدراسات وبحثو المؤتمرات.. وملخص الأمر أن النشر التراثى يصوغ فهم المعاصرين بالتراث ويسهم فى صياغة رؤيتهم للماضى والمستقبل معاً. وقد حرص أصحاب المصالح على تكريس الفكرة القائلة بأن كل ما هو تراثى هو دينى بالضرورة، حتى يضمنوا إلقاء العقل المعاصر فى غيابة هذا الجب السحيق، وبالتالى يضمنوا ولايتهم على الناس باعتبارهم سَدَنة الدين.. وحقيقة الحال بخلاف ذلك، ففى التراث المخطوط علوم ومعارف وفنون وجنون وهرطقات كثيرة، يتم تجاهلها عن عمد.
ومن ناحية أخرى، صارت الكتب الدينية تحقق ربحية عالية لكثرة الطلب عليها، نظراً لحالة (التيه) التى يعيش فيها مجتمعنا.. ومعروف أن الأمم حين تفقد السيطرة على واقعها، تلجأ إلى الدين للاحتماء به. وبالطبع، تلجأ للجانب (الخرافى) من الدين، أو بالأحرى: الجانب الخرافى المتعلق بالدين ! لأنه يعطى إحساساً بالأمان.. صحيح أنه إحساس زائف لايغنى عن الحق شيئاً، لكنه فى النهاية يُلَّبِى حاجة الناس إلى الشعور بالأمن، وبأنهم إذا فقدوا الدنيا فلن يفقدوا الآخرة ! وفى ذلك عزاء وسلوان.
ومن ناحية ثالثة، فإن نشر النصوص الدينية الهزيلة التى تملأ الأسواق اليوم، هو (أسهل) من نشر النصوص العلمية والأعمال الدقيقة والمؤلفات الموسوعية.. ولذلك يُقبل (المرتزقة) على هذا المنهل المالى المتاح، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة نشر التراث العلمى، وتحقيق النصوص الجادة لإخراجها للناس.

** فى ضوء ما يتم نشره من التراث الدينى، ما رأيك فى الاتهامات التى يُكيلها البعض داخلياً وخارجياً لهذا التراث على اعتبار أنه مصدر للإرهاب والتعصب والعنف؟
-فى كل تراث دينى، إسلامىِّ كان أو غير إسلامى، بذور عنف وأشجار محبة.. وقد يكون الإسلام، بشهادة التاريخ، هو أقل الديانات الثلاثة عنفاً وأكثرها عقلانية. انظر مثلاً إلى النصوص التوراتية التى تتغنى بأمجاد (يوشع بن نون) الذى أباد أكثر من ثلاثين مملكة، لم يبق منها إلا (بحسب النص التوراتى) البنات العذارى اللواتى لم يلمسهن رجل! فكان خليفة النبى موسى، يقتل النساء والرجال، الكبار والأطفال، بل ويقتل الحيوانات أيضاً.. أين ذلك من الحديث الشريف الذى يأمر فيه النبى جيشه قائلاً: لا تقتلوا الذُرِّية.
والتاريخ المسيحى ملئ بالعنف، وفى الأناجيل قول السيد المسيح: ما جئت لأضع فى الأرض سلاماً، بل سيفاً ! وقد شهدت القرون السابقة على الإسلام جريان أنهار من الدم فى الصراع المسيحى / المسيحى، ثم جرت أنهار الدم بين المسلمين والمسيحيين، واليوم تجرى هذه الأنهار بين المسلمين واليهود فى فلسطين.. القضية إذن لاتكمن فى أن تراثاً معيناً هو مَعِينٌ للإرهاب والعنف والتعصب، وإنما تكمن فى تفعيل المعاصرين لما هو عنيف من الدين لأغراض دنيوية، وإهمال الجانب الآخر.. جانب المحبة والأخلاق والتسامح، التى هى موجودة فى التراث الإسلامى بنسبة أعلى مما هى عليه فى اليهودية والمسيحية، وإلا فهاهى نصوص الصوفية والفقهاء والمعتدلين والشعراء الكبار، تتغنى بالمعانى النبيلة التى تسهم فى ارتقاء الإنسانية.. لكنها نصوص مهجورة لصالح الوجوه القبيحة من تراثنا التى تخدم مصالح وجوه قبيحة تتستر وراء التراث الدينى وتستخدم جانباً معيناً منه لخدمة أغراضها.

** أنت تتولى مسئولية إدارة مركز المخطوطات ومتحف المخطوطات، وهما مركزان أكاديميان تابعان لمكتبة الإسكندرية. بصراحة وبشكل محايد، كيف ترى الدور الذى لعبه ويلعبه هذان المركزان الاكاديميان لحماية المخطوطات العربية، وماهى طبيعة العلاقة التى تربطهما بالمراكز الأخرى، العربية والدولية، التى تعمل فى هذا المجال؟
-لقد بدأ عملى فى مجال المخطوطات بمكتبة الإسكندرية منذ العام 1994 قبل افتتاح المكتبة الرسمى بثمانية أعوام. ثم صدرت منذ خمسة سنوات القرارات الجمهورية الخاصة بإنشاء مركز المخطوطات ومتحف المخطوطات ضمن القرارات الجمهورية الخاصة بإنشاء المراكز الأكاديمية الملحقة بالمكتبة.. وخلال هذه السنوات الخمس التى عملت فيها مديراً للمركزين، وخلال السنوات الثمان السابقة عليها، قمت بكل ما فى وسعى وبما يفوق طاقتى فى أحيان كثيرة، لحماية التراث والمخطوطات والعناية به.. نشرت الفهارس، وتحقيقات النصوص العلمية، وأسست أكبر معمل ترميم فى المنطقة العربية، وأصدرت البرمجيات التراثية التى تعرف الناس بكنوز التراث، وجمعت عشرات الآلاف من المخطوطات المصورة.. لا أريد هنا أن أسهب فى سرد ما قمت به، فهذا لايجوز. ولكنى أقول بشكل عام إن ما قمت به من أعمال تراثية فى مكتبة الإسكندرية يحظى بتقدير دولى تعكسه مؤشرات كثيرة، منها قيامنا بأعمال النشر الإلكترونى لأندر مخطوطات جامعة أوبسالا بالسويد، ومنها المشروعات الكثيرة التى تجرى اليوم مع شركاء أوروبيين من خلال عدة هيئات تابعة للاتحاد الأوروبى، ومنها تقديم الخدمات والاستشارات التراثية لعدة دول عربية وأوروبية.
أما سؤالك عن العلاقة مع المراكز المناظرة فى العالم، فهى كما ذكرت لك علاقة قوية تؤكدها المشروعات الحالية المشتركة.. غير أن ما يقلقنى هو أن التعاون مع المراكز الأوروبية المتخصصة يكون دائماً أنشط وأكثر إثماراً من التعاون مع الجهات العربية، لما تعانى منه هذه الجهات من تعقيدات إدارية وهبوط المستوى الفنى الذى يعسر معه فى كثير من الأحيان إنجاز أعمال كبرى. ومع ذلك، فهناك تعاون نشط بيننا وبين المراكز التراثية فى الكويت والمغرب.. لا لشئ، أكثر من أن القائمين حالياً على إدارتها، هم من العلماء التراثيين الواعين بضرورة الارتقاء بالعملية التراثية.

** نأتي إلي مؤتمر المخطوطات السنوي للمركز والذي تبدأ خلال أيام فعالياته، لماذا المخطوطات المترجمة محورا رئيسا لمناقشات هذا العام؟
- معروفٌ أن عمليات التفاعل بين الحضارات الإنسانية قد تمت من خلال عدة سُبل، كانت (الترجمة) واحدة منها. لكن الترجمة كانت دوماً هى المعبرُ الرئيس لاقتباس اللاحق من السابق، ووسيلةُ تفعيل التلاقح الحضارى بين الثقافات التى تعاصرت أو تتابعت. فعن طريق ترجمة النصوص (التى كانت مخطوطة، بالطبع، فى الأزمنة القديمة) عرف العرب المسلمون الذخيرة الحضارية للأمم الأسبق تحضراً. وعلى وجه الخصوص (اليونان) التى انطوى تراثها على أصول كثيرة من مصر القديمة وحضارات الشرق.. على أن الترجمة لم تكن السبيل الوحيد للتفاعل بين الحضارات، فهناك أيضاً سبل التجارة التى احتل فيها (طريق الحرير) مكانة خاصة، وهناك انتشارُ الديانات والمذاهب الروحية التى اتخذت سبلاً تثير الدهشة، وهناك الحروب والمعارك التى خاضتها الجماعات الإنسانية أملاً فى الثروة والمجد المراوغ. وإذا أمعنَّا النظر، فسوف نجد تسانديةً وتفاعلاً داخلياً بين هذه السُّبل جميعها، فالتجارة الدولية والاتجاهات الدينية والحروب الدامية والترجمات المتوالية بين اللغات المتماسة حضارياً، هى كلها عناصر حضارية، ترتبط على نحو قد يظهر جلياً وقد لايبدو للعيان مع النظرة الأولى.
على أن (الترجمة) تظل أحد أهم العوامل التى أَثْرت تاريخ الإنسانية وأَثَّرت فيه، سلباً وإيجاباً ! فعن طريق (التراجمة) امتد تراث اليهودية والمسيحية، وانتقل التراث اليونانى إلى السريان ثم إلى العرب، ومن ثم إلى اللاتينية واللغات الأوروبية المعاصرة.. ومع غياب الترجمة، انطمس تراث هائل دوَّنته الأمم بعدة لغاتٍ اندثرت مع أهلها: المصرية القديمة، الحبشية، البهلوية، الآرامية.. وغيرها من لغات الأقوام الذين غابوا فى التاريخ قبل قرون خلت، أو بقوا فى الزمان على هامش التحضُّر الإنسانى.

** الترجمة إذن هي الموضوع الرئيسي للمؤتمر ماذا عن المحاور وهل يتطرق لجوانب أخرى ذات صلة؟
-نطمح من خلال جلسات المؤتمر وأوراقه ومناقشاته إلى إلقاء بعض الضوء على تلك الوصلات الخفية بين العوامل التى أدت إلى نشاط الترجمة التراثية فى أزمنة معينة. بغية الإجابة على تساؤلات أساسية، من نوع: لماذا تمت الترجمة بين لغاتٍ بعينها، وغابت عن لغات أخرى؟ لماذا نشطت الترجمة فى أزمنة، وانحسرت فى غيرها؟ هل تمت عمليات الترجمة بوعى جماعى أم بذوقٍ فردى، أم بكليهما؟ ما الذى أدت إليه المخطوطة المترجمة فى ثقافة اللغة التى تُرجمت إليها، وماهى أصلاً المخطوطات المترجمة إلى هذه اللغة أو تلك؟ ماهى العلاقة بين الترجمة والسلطة السائدة، وكيف يؤثر كل منهما فى الآخر؟
لقد كانت العمليات الكبرى لترجمة تراث الجماعات الإنسانية، تتم أحياناً بين جماعة ناهضة وتراث مندثر سابق عليها بزمن طويل، ومن هذا النوع ترجمةُ العرب لتراث الهند القديمة وبلاد فارس، كما هو الحال مثلاً، فى (ترجمة كتاب شاناق فى السموم عن الهندية، ترجمة كليلة ودمنة عن الفارسية، ترجمة الأزياج الفلكية عن اليونانية والفارسية والهندية).. وفى أحيان أخرى، كانت الترجمة تتم بين لغات متعاصرة أو متداخلة زمناً بشكل إهليلجى تتداخل فيه دوائر النهايات الزمنية للحضارة الأقدم والبدايات الأولى للحضارة التالية، وهو ما نراه مثلاً فى الترجمات البابلية والآشورية للنصوص السومرية، والترجمات العربية من اللغات اليونانية والسريانية (الآرامية).. وفى المقابل من ذلك، لم يترجم العرب نصوص المصرية القديمة (التى كانوا يسمونها: لغة الطير) مع أن بعضهم انتبه مبكراً إلى أهمية هذه اللغة وخصوصيتها، كما يظهر من الإشارات الواردة فى كتابات ابن وحشية النبطى. فما الذى يدعو قوماً لترجمة نصوص قومٍ آخرين وإهمال تراث أقوام أخرى؟
وترتبط بالقضية السابقة، قضيةٌ أخرى يدور حولها محورٌ تالٍ من محاور المؤتمر، يهدف إلى بحث طبيعة (النقل) عن المندثر. وأسلوب (الترجمة) للتراث الممتد، بغية بحث الأسس التى كان يتم وفقاً لها اختيار النصوص المترجمة، ومتى كانت النصوص الدينية تستأثر بالأمر، ومتى كانت النصوص العلمية تجتذب المترجمين. وهناك محورٌ آخر يتصل على نحو مباشر بطبيعة القائم (أو القائمين) بعملية الترجمة، وهو ما يمكن عنونته بالآتى: الترجمة المؤسساتية وترجمات الهوى الفردى. وإذا أخذنا مثالاً من تاريخ التراث العربى، يوضح الفارق بين الإثنين، فهناك الترجمة المؤسساتية المتمثلة فى جهود (بيت الحكمة) ببغداد، وكيفية النقل وتقنياته المتبعة فى هذه المؤسسة أو تلك.. وهناك من ناحية أخرى ترجمات خالد بن يزيد (أو بالأحرى: الترجمات التى كان وراءها خالد بن يزيد) وترجمات بنى موسى بن شاكر.. وهذا النوع الأخير، الفردى، كان عبارة عن ترجمة نوعية انتقائية تنطلق من دواعٍ وتقنيات تختلف فى طبيعتها عن الدواعى التى كمنت وراء الترجمات المؤسساتية التى أنجزها (بيت الحكمة) وأنجزتها من بعده بقرون المجامع العلمية الأوروبية إبان عصر النهضة الأوروبى (الرنيسانس).
ومن محاور المؤتمر أيضا ما يبحث فى أثر الترجمة فى الجماعات الإنسانية. من ذلك مثلاً، بحث أثر ترجمة العرب للتراث الإسكندرانى على المسيرة العلمية فى تاريخ الحضارة العربية / الإسلامية، وأثر الترجمات الأوروبية للتراث العربى فى تشكيل الوعى الأوروبى ابتداءً من الرنيسانس. وهناك محورٌ خاصٌ يدور حول تتبُع ترجمة كتاب بعينه، وما كان له من مسيرتين الأولى فى تراثه الأصلى و الأخرى فى الجماعة التى انتقل إليها. ومثاله: ترجمات ألف ليلة وليلة عن العربية إلى اللغات الأوروبية، ترجمات كتاب القانون فى الطب إلى اللاتينية (صدرت طبعته الأولى فى إيطاليا سنة 1575 ميلادية) ترجمة البيرونى لنصوص من التراث الهندى القديم.
وبطبيعة الأمور، فسوف يُعنى المؤتمر باللغات التى تمت بينها عملية ترجمة المخطوطات. خاصة تلك اللغات التى لعبت دوراً أساسياً كمعبر بين الجماعات، كاللغة السريانية التى أعلت الترجمة من شأنها حيناً، ثم كانت الترجمة سبباً فى طمسها وانزوائها فى أحيان تالية. فالسريانية انتعشت مع نشاط نقلة التراث من اليونانية إلى السريانية، ثم من السريانية إلى العربية.. ومن بعد ذلك، انطمست اللغة السريانية لإعلاء (العربية) التى هى لغة الدين والسلطة فى منطقة الشام خلال القرون الهجرية الأولى.

** ما أبرز الأسماء التي تضمها قائمة المتحدثين في المؤتمر؟
-جميعهم من المتخصصين والأسماء ذات الثقل في هذا الجانب والتخصص، نخبة من الباحثين العرب والمصريين والأجانب من بينهم د. محمد صالح الضالع جامعة الإسكندرية، ود. محمد فكري (جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس المغرب)، ود. محمد محمود أبو غدير جامعة القاهرة، ود. محمود الحمزة (معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا)، ود. محمود على مكي (جامعة القاهرة) و د. مروان راشد (دار المعلمين العليا فرنسا(، ود. هيلين بيلوستا (المركز القومي للأبحاث العلمية بباريس فرنسا)، و د. يان ويتكام (جامعة ليدن هولندا )، ود. أندرو بيكوك (جامعة كامبريدج المملكة المتحدة)، و د. روبرت موريسون (جامعة ويتمان الولايات المتحدة)،و د. محمد يسري )مكتبة الإسكندرية(، ووجيه يوسف فانا (الكنيسة الإنجيلية مصر) ود. أميرة مطر (جامعة القاهرة) ود. إميلي كوترل (فرنسا) و أ. عصام الشنطي (معهد المخطوطات العربية بالقاهرة)و د. جابر عصفور (المركز القومي للترجمة)، د. محمود مصري (المكتبة الوقفية في حلب سوريا)