حالة من الجزر الثقافي قد تكون السبب
غياب المجلات الأدبية في فلسطين
سما حسن ndash; إيلاف:
واجهت الكثير من المجلات الأدبية والثقافية في فلسطين مصيرا واحدا بعد صدورها بمدة قصيرة وهو الإغلاق والإفلاس، وحاول البعض تفسير سبب هذه الانتكاسة الثقافية وليس الظاهرة، وتم رصد الكثير من الأسباب لذلك وفي قائمتها الوضع المادي و الاقتصادي، وعدم توفر الميزانيات المادية اللازمة لاستمرار مطبوعة ثقافية وأدبية تعبر عن حركة ثقافية نشطة في فلسطين.
لكن كثرة من مثقفي وأدباء فلسطين يعزون غياب المجلات الأدبية والمتخصصة إلى حالة التشرذم والضياع التي تعيشها الحركة الثقافية الفلسطينية خاصة في غياب الأقلام العملاقة وعلى رأسها محمود درويش.
فيقول الشاعر والكاتب عبد السلام العطاري من رام الله أنه في سياق دخولنا الألفية الثالثة وما ولج بها من غياب لأهمية الثقافة بمفهوم أن المثقف هو المنشد الأجل والرائي العاتي عن السقوط، تغيب هذه الفطنة عن صنوة السياسي الذي انكفأ إلى سياق مناهضته عوضا عن رفده وتأسيس مرتكزات تحمي مشروع الثقافة والمثقف سواء من خلال دعم إبداعه المتمثل بتأمين كل مقومات النجاح لهذا الإبداع ومنها؛ حضور المجلات الأدبية والثقافية التي غابت في فلسطين وعنها، بسبب إهمال أهمية أن تكون هذه المجلات مرسِّخة للوعي ومدعاة للمراجعة الأدبية والثقافية في سياق ما تحمله من بناءات ورؤى تتناول مشروعنا الوطني الثقافي، وإذا نظرنا إلى محيطنا وإلى ما نسميه بالنقيض لتاريخنا فإن جُلّ اهتمامه بعد أمنه المزعوم هو الثقافة والمثقفين الذي ينظرون لتأليف حكايته الجديدة أو كما هو معروف بالمؤرخين الجدد.
وطن بلا مثقفين، بلا كتاب، بلا أجندة ثقافية واضحة، بالتأكيد هو الوطن الذي يشعر بالوجع و بالغياب الأكيد عن حضارته.
فالمشكلة واضحة تماما هو غياب الدعم المادي المنظور والواجب من المؤسسة الثقافية الرسمية تجاه المثقف وأدواته التي تحمل صوته وكلمته وإبداعه..ويبقى إعادة الحياة لمجلة (الكرمل والشعراء وأقواس) برسم إجابة المؤسسة الرسمية الثقافية في فلسطين .
أما الكاتب والناقد نبيل علقم فيرى أن أسبابا كثيرة وراء غياب المجلات الأدبية منها منافسة الكمبيوتر وما توفره الشبكة العنكبوتية للقراء من مواضيع، ومنها حالة الفقر، ومنها ضعف القراءة المعروف في المجتمع العربي، ومنها منافسة مؤسسات المجتمع المدني التي تصدر كتبا ونشرات كثيرة وتوزع بالمجان في أغلب الأحيان نتيجة للدعم الغربي الذي يريد نشر ثقافته وسياساته المختلفة، وتدفع هذه المؤسسات مبالغ كبيرة للكتاب المبدعين الذين اعتادوا على الكتابة مدفوعة الأجر والتي لا تستطيع المجلات غير المدعومة منافستها، ومنها عدم وجود جهات رسمية تتبنى أو تقبل حرية الرأي، ومنها الوضع السياسي الذي يتحكم في منع توزيع المجلات المقدسية مثلاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويحتاج أمر تنشيطها إلى جهات رسمية تتبنى الأمر وتدعم المجلات ولا تتدخل في سياسات هذه المجلة أي أن توفر لها الدعم المالي والدعم الأخلاقي بتوفير الحرية وهو أمر صعب المنال في ظروفنا الحالية.
الكاتب جميل السلحوت يرى أن حالة الجزر التي تعيشها الحركة الثقافية في فلسطين لها عدة أسباب منها:غياب مؤسسها وممولها مثل مجلة (الكر مل) أقوى مجلة أدب ودراسات عربية غابت برحيل الشاعر محمود درويش مؤسسها ورئيس تحريرها وممولها.
وعدم القدرة المالية للاستمرار مثل مجلة(الكاتب)التي كان يرأس تحريرها الأديب أسعد الأسعد-سفير فلسطين في أوزبكستان الآن-.
وتعد محاصرة الأراضي الفلسطينية وتمزيقها إلى كانتونات بجدار التوسع وهو جدار فصل وعزل في الحقيقة، والحواجز العسكرية يمنع ويحاصر توزيع المطبوعات مما يفقدها مبرر وجودها.
وكذلك لم تعد التنظيمات والأحزاب بحاجة إلى تمويل مجلات وصحف بعد قيام السلطة عام 1994 لاعتبارها أن ذلك من مهمات السلطة، وعدم تمويل السلطة لمؤسسات ثقافية كانت تصدر مجلات أدبية مثل مجلة (الشعراء)الفصلية التي كانت تصدر عن بيت الشعر الفلسطيني في رام الله وكذلك الحال بالنسبة لمجلة(أقواس) التي كانت حاضنة للشعراء الشباب، ومثل مجلة (الكلمة) التي كانت تصدر عن اتحاد الكتاب في رام الله.
ووجود المواقع الالكترونية شكل منافسة كبيرة للمطبوعات الورقية.
بالإضافة إلى المشاكل السياسية والمادية أدى إلى إغلاق مجلتي (الجديد)و(الغد) اللتين صدرتا لعشرات السنين في حيفا وهما من صحافة الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكح).
وعدم وجود اقتصاد فلسطيني قوي كالمصانع والشركات وبالتالي عدم وجود إعلانات تجارية تشكل دخلا للصحافة.
ويؤكد الشاعر عبد الحكيم أبو الجاموس أن عدم وجود طاقم ثقافي مهتم بإصدار المجلات،وغياب الدعم المالي وعدم تخصيص ميزانيات مالية من قبل المؤسسات الثقافية للاستمرار في الطباعة والنشر،وعدم إعطاء مكافآت مالية للأدباء والمثقفين هي من الأسباب الثانوية لغياب المجلات الأدبية المتخصصة .
ولكن كما يقول أبو جاموس أن هناك ظاهرة quot;ثقافة الخنوعquot; بين أوساط المثقفين نتيجة الملل من الوضع العام وفقدانهم للثقة في المؤسسات الثقافية من أهم الأسباب التي تقف عائقا أمام إصدار مجلات أدبية في الوقت الحالي.
الروائية سعاد عبد الهادي من مدينة نابلس رأت أن الأسباب عامة في المجتمعات العربية وليست خاصة فقالت: أعتقد أن سبب عدم توفر العدد الكافي من المجلات الثقافية والأدبية في معظم البلاد العربية ، وغيابها في فلسطين ، يعود إلى تدهور الحالة الثقافية في المجتمع العربي ، فبالرغم من أننا الأمة التي كرم الله نبيها قبل أكثر من أربعة عشر قرنا بتنزيل كتاب فصيح مبين عليه ، أصبحنا اليوم لا نألف أي كتاب ، بل تعلقت عيوننا بشاشات التلفزة التي حولت الإنسان الجالس أمامها إلى إنسان يتلقى ما يشاهد من برامج وتمثيليات وحتى البرامج الإخبارية، دون أن يرهق نفسه ليعمل على تحليل ما يشاهد ويسمع، حتى التواصل الأسري أصبح شبه معدوم أمام هذا الجهاز السحري، أي أننا فقدنا لغة الحوار الذي هو المناخ الصحي للثقافة. ولهذاquot; فالقليل القليلquot; من المشاهدين الذين يتابعون البرامج الثقافية والتي هي quot; القليلquot; مما تطالعنا به هذه الشاشات التي لا هم لها سوى فتح شهية المشاهد لكسب الجوائز المالية، وجعله طعما لتحقيق أرباح أصحاب المؤسسات والشركات الكبرى.
ومن ناحية أخرى فإن أسلوب التعليم المتبع حاليا والذي يعتمد على أسلوب التلقين والحفظ فقط فأصبح هدف الطالب تحصيل العلامة فقط دون ترسيخ المعلومة في ذهنه أو تشجيعه على البحث والاطلاع على كتب خارج المنهاج.
كما لا أعفي المسؤولين الرسميين عن عدم دعم الثقافة الحقيقية التي تنهض بالفكر الحقيقي وتزيد من قاعدة الجماهير المثقفة ، بعيدا عن التعصب والتشنج . بل تعمل على تشجيع أي مشروع فردي أو غير فردي لا يسعى للربح المادي فقط ، بتأمين النشاطات الثقافية المفيدة بعيدا عن المظاهر الاحتفالية فقط.