كتب عصام سحمراني: هذا النهار رأيت حبيبتي سوى كلّ المرات.. رأيت جمالها مختلفا عن أكثر من جمال سابق لها. رأيتها خارجة من أسطورة وخيال يختلط أريجه بعبق الحقيقة فيجعلها تشع بالملامح والألوان والفصول والمواسم والعطور ونكهة الشوق.

رأيت نظراتها أحلام طيور ترنو إلى الدفء وتطير إليه سعيا وراءه دون تعب ولا شكوى. رأيت ناظريها يعتقان طيور الحب في فضاء المكان فترفض أن تسافر وتبقى معها تتنشق عبيرها وتعبّ جمالها وتلتذ بصحبتها، وتؤثث أعشاش عشقها فوق أغصانها الممتدة من جنة الله إلى قلبي.

رأيت جبهتها تكشف تاريخا من نور.. تكشف سلالة أنبياء مسح الله على وجوههم بصبح وعطر يشع على مدار الأزمنة، ويختلط بها فيغدو النور أسطع وأروع، يصل المشرق بالمغرب، ولا يتوقف عند ليل. فكأنه الشمس الثانية والكوكب المشتعل أبدا.

رأيت خديها بل رأيت تماسك الكون وتوازنه.. رأيت السماء فيهما بما امتلكت من كواكب وشهب وأقمار وشموس. رأيت وجنتين ناعمتين يناغي الأطفال فوقهما ويضحكون ببراءة لا مثيل لها. خدان تشقشق العصافير موسيقاها فيهما وترفرف الفراشات بأجنحتها وهي تخرج من شرانقها وتغدو في حدائق الورود وحقول الزهر بليمونه ورمانه ولوزه ثمار التوت والعناب والفراولة والعنب.

ورأيت شفتيها تشقان طريقا نحو قلب مشتعل وتشتعلان فتشعلا قلبي وروحي وكياني وتلتمعان بحمرتهما القانية فترفعا ضجيج الأديان والتاريخ والفلسفة والسياسة والأرقام والإقتصاد لتجمعاهم في صرة واحدة، تربطانها بخيط من نور، وتشدان العقدة، وترميان بها نحو قعر محيط يبتلعها حوت. وتبقى الشفتان كما هما لا تنطقان إلا بحبّ ولا تلتمعان إلاّ بعشق ولا تنبعان إلاّ شهدا وأنغاما وفراشات وورودا ومواسم أمطار.

ورأيت بشرتها تتراقص مع ألحان عنقها وجيدها وظهرها بتناغم يتجاوز النوتات السبع فيختلط الأبيض بالوردي في غضاضة جلدها واكتمال خلقها كملحمة لم ترو بعد، بل تروي بقوافيها تاريخا كاملا من حُسن. رأيت عنقها يتباهى بنداه وشذاه أمام كل عقود الغاردينيا، فتذبل أمامه ورداتها في مواسمها.

ورأيت قوامها جنة تدني قطوفها لي من ثمر ناضج وأنهار لبن وينابيع عسل أتبارك بها وأغمرها وأحضنها وأشربها وأغتذيها وألتصق حد الإلتحام والتوحد. رأيت معجزة الله بها أتم وأكمل وأرقى وأروع وأجمل وأنعم وأغزر وأشهى من أي معجزة أخرى..

إليكِ يا معبودتي فيض قلبي..

هذا النهار رأيتكِ حبيبتي؛ يا من أحبّ وأعشق وأهوى ويا من أُبعث لأجلها وأحيا..

وأعشقكِ..