وجد عبد النورمن أبو ظبي: تعكس العمارة التقليدية الطبيعة الجغرافية للحضارة التي كانت تقوم عليها وفيما نجد الزخارف الملونة والفسيفساء والحجر الصخري والقرميد الأحمر أحد أبرز هذه المعالم المعمارية في الدول المطلة على حوض البحر المتوسط، نجد ان الألوان والحجر الصخري يختفي في دول الخليج وهذا يعكس الى حد كبير المواد المستخدمة في عملية البناء .

فالبناء التقليدي القديم هو ابن أرضه وبيئته قبل كل شيء، و في وقت كانت وسائل الاتصال والمواصلات لا تزال تعتمد الوسائل القديمة التي يستحيل معها نقل الاحجار وجلب الرخام وغيره من المواد المستعملة في البناء فإن الصحراء طبعت العمارة التقليدية بتربتها ولونها في الامارات .

من ناحية أخرى فإن عدد السكان في التجمعات البشرية لعب دورا بارزا في تحديد أحجام البيوت وأشكال العمران ، ويتجلى ذلك بشكل واضح من خلال عمارة الجوامع، ففيما كانت الحواضر الاسلامية المتطورة تبني مساجد تتسع لآلاف المصلين كما الحال في المسجد الأزرق في اسطنبول أو الجامع الأموي في دمشق، نجد أن مساجد الامارات التقليدية لم تكن كبيرة الحجم حيث إن بعضها لا يتجاوز 285 مترا مربعا كما الحال في مسجد العتيبات في منطقة الشندغة التراثية، وهو ما يعكس ضآلة عدد مرتاديها كون الجغرافيا المناخية للإمارات لا تسمح للمجتمعات البشرية بالتوسع في حين شهدت المناطق الواقعة على أحواض الأنهار بزوغ الحضارات كون البشر يلتفون حول الماء العذب والكلأ والمناخ المعتدل بطبيعة الحال .

ولعل أهم ما يميز العمارة التقليدية التي تزخر إمارة دبي بها النمط الذي واكب التطور المتنامي الذي طرأ على بنيانها الاجتماعي والاقتصادي والحضاري خلال الحقبات الزمنية المتعاقبة ، حيث مثلت تلك المعطيات تسجيلا دقيقا لأحداث المجتمع من جهة وكيفية تفاعل العمارة لاستيفاء المتغيرات والاحتياجات من جهة أخرى.

وفي دراسة أعدها مدير إدارة الترميم المهندس رشاد بوخش أشار الى أهم ملامح وخصائص العمران التقليدي في دبي حيث أشار الى quot;ان الطابع المعماري تميز بالبساطة والوضوح التشكيلي سواء على المستوى الشكلي أو مستوى الزخارف، إلى جانب ملاءمة الظروف المناخية مع مرونة الطابع المعماري للاقتباس من مختلف الحضارات.quot;
كما تميزت العناصر التشكيلية المقتبسة بخاصية التطوير والتحوير لتلائم العادات والتقاليد الموروثة والتعاليم الإسلامية.
ويشير أيضا إلىانquot; التصميم العضوي ووحدة النسيج العمراني يعتبر على مستوى التجمعات العمرانية السمة الغالبة بالعمران التقليدي. حيث تمتاز هذه العمارة بوضوح توزيع العناصر الانتفاعية سواء على مستوى المبنى أو النطاق العمراني، وذلك من خلال تصنيفها إلى عناصر رئيسة وثانوية بما يتناسب مع خصوصية العلاقة والعادات والتقاليد. quot;
و العمارة التقليدية في دبي تميزت ايضًا بغناء الفراغ الداخلي بالزخارف وهي quot;تختلف كثافة من مبنى لآخر نظرا لتنوع المساحة إلى جانب ارتباطها من حيث الكم والنوع بالمستوى المعيشيquot;، والبيوت الأكثر زخرفة لميسوري الحال ويتضاءل هذا الاهتمام في الواجهات الخارجية، وقد اعتمدت الزخارف على النمط التجريدي المستنبط من أشكال هندسية ونباتية.

وكما حال معظم العمارات التقليدية في الحواضر العربية والاسلامية حيث الخصوصية من أهم مقومات المجتمع فإن العمارة الاماراتية التزمت بها سواء على مستوى المسقط الأفقي من حيث توزيع الأنشطة وعلاقتها بالمدخل الرئيس أو على مستوى الواجهات من حيث نسب السد والمفتوح أو ستر النهايات العلوية للمباني باستخدام الأرابسك (الشرباك الخشبي) أو من خلال استخدام المخرمات الجصية بارتفاع لا يقل عن 2.00 متر.

البراجيل وسيلة تبريد طبيعية

وتعد البراجيل من أهم المكونات المعمارية في العمارة القديمة ، والبرجيل هو عبارة عن برج مفرغ يلتقط الهواء ويتكون من اربعة أعمدة بحيث يسهل عملية دخول التهوئة الى المنزل وعندما يهب الهواء على السطح يمر عبر المنفذ إلى الداخل بينما الهواء الساخن يرتفع للأعلى ، ومع اشتداد حركة الهواء تتم عملية التبريد في الغرفة الخاصة حين تكون الرطوبة مرتفعة وأطراف البرجيل عمودية ، وتتم عملية التهوية بغض النظر عن اتجاه الريح . والبرجيل ينفث الهواء إلى داخل الغرف التي تحته عبر قنوات عمودية ومع نزول الهواء تتزايد حركة الهواء وتقل درجة الحرارة وهكذا يتم تبريد الغرفة. والبرجيل كلمة تعني مسرب الريح أو ملقط الهواء .

أما المرحلة الانتقالية في فترة الستينات من القرن العشرين فقد جاءت مرحلة مكملة لعناصر وخصائص العمارة التقليدية حيث اقتصر استخدام المواد الحديثة فيها على الاستخدام الشكلي بالمقومات التقليدية التصميمية نفسها فشكلت إلى حد ما امتدادا فكريا متجانسا مع الطابع المعماري العام في تلك الفترة.

الجدير ذكره وبحسب مصادر اعلام ادارة التراث العمراني المعني بعمليات الترميم الخاصة بالابنية التراثية فإن ومن أبرز هذه الإنجازات التي حققتها خلال السنوات الأربع عشرة الماضية هو ترميم حوالى مائة وخمسة وعشرين(125) مبنى مختلفة في الحجم والاستخدام وضمت : قلاعاً وأبراجاً دفاعيةً، ومدرسةً، ومساجدَ، وبيوتاً سكنية، وأسواقاً تقليديةً، بالإضافة إلى تعديل وترميم الواجهات، والعمل على إضفاء الطابع التقليدي على واجهات المباني الحديثة، وتطوير الساحات العامة بوضع النماذج المعمارية. كما تمت إعادة تأهيل سبعة وستين (67)مبنى منها سبعةَ (7)متاحف تمثل نواحي مختلفة من الحياة الاجتماعية والثقافية في الإمارة. ومن المقرر من خلال الخطة العشرية لقسم المباني التاريخية ترميم حوالى مائة وأربعين (140)مبنى و واجهة تاريخية .