تسلط جولة الصحافة البريطانية، اليوم، الضوء على قضايا التوجس من الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الإبداع، ومواقف الرئيس الروسي من الغرب وأوروبا بسبب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في أوكرانيا.

البداية بمقال في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، يتناول قضية تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كل مناحي الحياة وصعوبة التمييز بين ما يمكن للبشر تقديمه وصنعه وبين ما يُنتح بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي.

تساءلت الكاتبة سارة أوكونور، في مقال بعنوان " هل نحتاج إلى وضع علامة "صنعه البشر"؟، هل يكتب هذا المقال إنسان؟ كيف يمكنك التأكد من عدم تدخل الذكاء الاصطناعي؟، وذلك مع تزايد صعوبة التمييز بين إنتاج البشر والذكاء الاصطناعي.

وقالت الكاتبة إن مؤلفين يبثون مقاطع فيديو مباشرة لأنفسهم وهم يكتبون كتبهم حتى لا يتهموا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أن قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي، سيفرض وضع علامة على أنواع معينة من المحتوى المُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي، تشير إلى أنه ليس من إنتاج البشر.

لكن النقاش الأكثر إثارة للاهتمام من وجهة نظر الكاتبة يدور في صناعة ألعاب الفيديو، إذ تشير تجربة صناعة ألعاب الفيديو إلى أن الشفافية بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي لن تكون سهلة.

في يناير/كانون الثاني 2024، بدأ متجر ستيم، المتجر الرقمي الأبرز لألعاب الكمبيوتر، في إلزام المطورين بالإفصاح عما إذا كانوا قد استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي في إنشاء ألعابهم، وكيفية استخدامه.

ويستند المقال إلى الخبير المخضرم في صناعة الألعاب إيشيرو لامب الذي يشير لإفصاح قرابة ألف لعبة عن استخدامها للذكاء الاصطناعي التوليدي بحلول أبريل/نيسان 2024.

وارتفع هذا العدد بشكل كبير ليصل إلى أكثر من 11 ألف لعبة، أي ما يقارب 9 في المئة من مكتبة ألعاب ستيم بأكملها.

لكن بعض العاملين في هذا المجال بدأوا يعترضون على فكرة تصنيف أو تمييز الأشياء بأنها من إنتاج الذكاء الاصطناعي وليس البشر، استناداً إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي أصبح شائعاً جداً في عملية التطوير.

كما أن المطورين الصغار، قد يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لمنافسة موارد الشركات الكبرى، بالإضافة إلى أنه من المستحيل تقريباً التحقق من صدق المستخدمين بشأن استخدامهم للذكاء الاصطناعي.

وتوضح الكاتبة أن بعض المعارضين يرون أن استخدام الذكاء الاصطناعي مؤشر على قلة الجهد أو رداءة الجودة.

ويعترض آخرون على طريقة تدريب نماذج التعلم الآلي على محتوى من صنع البشر دون إذن. ويرى البعض أن ذلك يؤدي إلى فقدان وظائف تعود للمطورين والفنانين ومؤدي الأصوات.

تشير استطلاعات رأي إلى وجود انقسام مماثل بين الجمهور فيما يتعلق بمشاركة الذكاء الاصطناعي في الفن والموسيقى.

ترى الكاتبة أنه في ظل الانقسام تبدو الشفافية من حيث المبدأ حلاً جيداً، لأنها سوف تخلق سوقاً للمبدعين من البشر: فإذا كانت هناك نسبة كبيرة من المستهلكين ترغب في الاستمرار باستهلاك المحتوى الذي صنعه البشر، فعليهم أن يكونوا قادرين على تمييزه.

واختتمت الكاتبة المقال بالتأكيد على أنه مع ازدياد انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي، يُمكن تصور ملصقات "صُنع بواسطة بشر" للمنتجات الإبداعية.

كيف يُمكن للغرب الاستمرار بالفوز؟

مازلنا مع استخدامات الذكاء الاصطناعي ولكن في الصراعات خاصة بين أوروبا وروسيا.

نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في افتتاحيتها مقالاً عن "التهديد الروسي المتزايد" ضد أوروبا وحلف الناتو، وفي وقت يغير فيه الذكاء الاصطناعي طبيعة الحروب.

وأشارت الصحيفة إلى تحذيرات رئيسة جهاز الاستخبارات البريطاني الجديد (MI6) بليز مترويلي، من أن "خط المواجهة موجود في كل مكان". ويمكن تلخيص الردّ المناسب بكلمة واحدة: الردع.

وقالت الصحيفة إن التحذيرات شبه المتزامنة من رئيسة جهاز الاستخبارات البريطاني الجديدة، بليز مترويلي، ومن رئيس أركان الدفاع، ريتشارد نايتون، تشكل نوعاً من الضغط المتبادل على القيادة السياسية في البلاد.

تشير الصحيفة إلى أن العامل المشترك في النقاشات والتطورات هو"الطموحات الإمبريالية للكرملين بقيادة فلاديمير بوتين".

وتضيف: "عرفنا هذه الطموحات منذ فترة طويلة، بل منذ أن بدأ الكرملين يُبدي اهتماماً كبيراً بجيران روسيا، مثل جورجيا، قبل عقدين من الزمن".

وترى الصحيفة أن عدم حسم أوروبا موقفها حتى الآن بات مأساة. وتساءلت هل تُمثل روسيا تهديداً لأوروبا الغربية؟ أو لبريطانيا؟.

"إذا لم تلتزم القوى الأوروبية بالدفاع عن أوكرانيا، فقد تُترك فعلياً لاتفاقية استسلام أمريكية روسية"، بحسب الصحيفة.

تتحدث مترويلي عن "مؤامرات اغتيال وتخريب والهجمات إلكترونية وتلاعب بالمعلومات من جانب روسيا ودول معادية أخرى" على نطاق واسع لدرجة أن "خط المواجهة موجود في كل مكان".

وترى أن "تصدير الفوضى سمة أساسية، وليست خللاً، في النهج الروسي في التعامل الدولي".

بوتين "لن يتوقف عن تصدير الفوضى"

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصافح بكلتا يديه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ظهر مبتسماً أما كاميرات المصورين
AFP via Getty Images
ترامب يريد تطبيق سياسة نيكسون وكيسنجر مع الصين لعزل الاتحاد السوفيتي السابق ، لكن هذه المرة مع روسيا لعزل الصين

وعن التهديد الروسي أيضاً تحدث وليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني السابق، في مقال بصحيفة التايمز البريطانية، حذر فيه من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستمر في "تصدير الفوضى".

وقال هيغ إن محادثات السلام الأوكرانية تقوم على مغالطة: وهي أنه يمكن ببساطة إبرام صفقة مع الرئيس الروسي، وعندها ستكون الأمور جيدة.

وأضاف هيغ إن ترامب وعضوي فريقه التفاوضي، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، ضغطوا هذا الأسبوع على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للموافقة على شروط، قد تكون مقبولة لدى الرئيس فلاديمير بوتين، لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

يظهر من هذا أن الولايات المتحدة تعتبر أن الصين هي المنافس الحقيقي، ولأن واشنطن لا تستطيع فعل كل شيء بمفردها فإنها ترى أن الأوروبيين استفادوا كثيراً من المساعدات الأمريكية لفترة طويلة، لذا يجب حل مشكلة أوكرانيا بأي اتفاق والتركيز على الصين.

لهذا السبب، تدعو وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، إلى "استقرار استراتيجي" مع روسيا، وتؤكد أن "من المصالح الأساسية للولايات المتحدة التفاوض على وقف سريع للأعمال العدائية في أوكرانيا".

ويشير وزير الخارجية البريطاني السابق إلى طموح واشنطن الآن هو فصل روسيا عن الصين، وإخراج روسيا من قبضة الصين

وألمح إلى أن المفاوضين الأمريكيين لا يهدفون إلى ضمان جائزة نوبل للسلام لترامب فحسب، بل إلى تنفيذ عمل استراتيجي جيوسياسي عظيم يُخلد في التاريخ لقرون.

ويرى هيغ أنها فكرة جريئة وطموحة ومحاولة جادة لتنفيذ استراتيجية عالمية، لكنها خطأ فادح، ولأسباب عديدة، منها أن الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا لا يمكن تحقيقه بالتنازلات؛ ولأن روسيا أصبحت تعتمد على الصين بشكل كبير يصعب معه فصلها عنها.

كما أن أي استراتيجية عالمية ناجحة تتطلب مزيداً من التناسق عبر مختلف مسارح الصراع حول العالم. لا تأخذ استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة هذه العوامل في الحسبان، وقد تؤدي بالتالي إلى خطأ فادح.

واعترف هيغ بأن بريطانيا سعت لسنوات طويلة إلى تحقيق "استقرار استراتيجي" مع روسيا، وقال "كنتُ جزءاً من هذا المسعى بصفتي وزيراً للخارجية حتى غزا بوتين شبه جزيرة القرم".

وأضاف، "ثبت استحالة ذلك، لأن ما يهدد بوتين ليس أفعال جيرانه الديمقراطيين، بل وجودهم. فالشعوب في إستونيا وبولندا خير دليل على فوائد الحرية، وكان من الصعب عليه تقبّل فكرة أن تصبح الشعوب في جورجيا أو أوكرانيا أو مولدوفا نموذجاً للديمقراطية أيضاً.

وتابع هيغ: "إنه وهم أن نعتقد أنه يمكننا ببساطة عقد صفقة معه (بوتين) وأن كل شيء سيكون على ما يرام" .